ناشيونال انترست | مرة أخرى.. مجموعة العمل المالي تدرج تركيا في «القائمة الرمادية»

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

أدرجت مجموعة العمل المالي (فاتف)، وهي هيئة رقابية دولية تتصدى لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، تركيا على ما يُعرف باسم “القائمة الرمادية”، يوم الخميس، لتضع أنقرة مع 22 سلطة قضائية أخرى، بما في ذلك باكستان وسوريا واليمن، تحت مراقبة مشددة. ويُظهر هذا التصنيف مرة أخرى أن تركيا، العضو في الناتو، تواصل تساهلها مع عمليات تمويل الإرهاب والتهرب من العقوبات وغسيل الأموال في ظل حكم حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية الذي يتزعمه الرئيس “رجب طيب أردوغان” لمدة 19 عامًا. ولخص “ماركوس بليير” رئيس مجموعة العمل المالي (فاتف) موقف تركيا بقوله إن “القضايا الخطيرة لا تزال قائمة” في العمليات المالية التي تهدف إلى مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وتأسست مجموعة العمل المالي المكونة من 39 عضوًا في عام 1989 للدفاع عن سلامة النظام المالي الدولي. وانضمت تركيا على المجموعة منذ عام 1991. وضعت مجموعة العمل المالي لأول مرة تركيا على قائمتها الرمادية في عام 2011. وفي عام 2012، اقتربت تركيا من إدراجها في القائمة السوداء، حيث حذرت مجموعة العمل المالي أنقرة من أن الوكالة “ستبدأ مناقشات حول عضوية تركيا” إذا لم يتم سن تشريع مناسب لمكافحة تمويل الإرهاب بحلول أكتوبر 2012. وتحدد “القائمة السوداء” لمجموعة العمل المالي، والتي تضم حاليًا دولتين فقط، هما إيران وكوريا الشمالية، ولايات قضائية عالية الخطورة “تدعو جميع الأعضاء ضدها وتحث جميع الولايات القضائية على تطبيق العناية الواجبة المعززة” و”الإجراءات المضادة لحماية النظام المالي الدولي”.

والقائمة الرمادية هي الخطوة التي تسبق إدراج الولاية القضائية في القائمة السوداء. وقامت مجموعة العمل المالي بإزالة تركيا من قائمتها الرمادية في عام 2014 بعد أن أدخلت أنقرة تعديلات مختلفة على الإطار القانوني والتنظيمي التركي. ومع ذلك، استمر حلفاء تركيا الغربيون في توجيه انتقادات لتركيا لتقصيرها في تنفيذ المنهجي لهذه التعديلات.

وفي ديسمبر 2019، حذرت مجموعة العمل المالي من أنه ما لم تحسن أنقرة “أوجه القصور الخطيرة”، فإنها تخاطر بإضافتها إلى القائمة الرمادية مرة أخرى. وفي تقرير التقييم المشترك لتركيا، وهو مراجعة متعمقة تتضمن تحليلات وتوصيات من الدول الأعضاء، سلطت مجموعة العمل المالي الضوء على “الحاجة إلى تحسين تدابير تجميد الأصول المرتبطة بالإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل”.

إن وجود أي دولة على القائمة الرمادية “يمكن أن يخيف المستثمرين والدائنين ويضر بالصادرات والإنتاج والاستهلاك. كما يمكن أن يجعل البنوك العالمية حذرة من التعامل مع تلك الدولة”، كما ذكرت وكالة (أسوشيتد برس). وقال مسؤولون سابقون في وزارة الخزانة الأمريكية لصحيفة (وول ستريت جورنال) إن تصنيف (فاتف) لتركيا “من المرجح أن يحفّز على خروج الأموال من البلاد، حيث تضطر البنوك والمستثمرون الأجانب الآخرون إلى إعادة تقييم مجازفاتهم”.

ولا يمكن أن تتحمل تركيا ضربة أخرى لاقتصادها المتعثر، فقد انخفضت الليرة إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق، بعد أن انخفضت بنسبة 23% حتى الآن هذا العام، بينما بلغ التضخم 20%، اعتبارًا من العام الماضي، وأدى سوء الإدارة المالية لحكومة أردوغان بالفعل إلى حدوث أكبر هروب من أسواق الديون والأسهم التركية منذ أكثر من عشر سنوات، كما أدى أيضًا إلى تجفيف الاستثمار الأجنبي المباشر من شركاء أنقرة الاقتصاديين التقليديين في الغرب. وقبل قرار مجموعة العمل المالي مباشرة، غرّد كبير الاقتصاديين في بنك استثماري عالمي ومقره لندن أن تركيا أصبحت “غير ذات صلة بمستثمري الأسواق الناشئة العالمية”؛ نظرًا لأن الدولة تضم الآن “0.2٪ فقط من مؤشر الأسهم للأسواق العالمية الناشئة (MSCI)، الذي تصدره مؤسسة مورجان ستانلي، وقد حذر مؤشر (MSCI)، أكبر مزود للمؤشرات في العالم، العام الماضي، من إخراج تركيا من مؤشر الأسواق الناشئة، وإعادة تصنيف البلاد كسوق “حدودية” أو “قائمة بذاتها”.

أدرجت مجموعة العمل المالي ثمانية “أوجه قصور” تحتاج إلى معالجة من جانب أنقرة. ومن بين أمور أخرى، تقول هيئة الرقابة إن تركيا يجب أن تطبّق عقوبات “على وجه الخصوص على خدمات تحويل الأموال غير المسجلة ومكاتب الصرافة وفيما يتعلق بمتطلبات معلومات كافية ودقيقة وحديثة عن الملكية المستفيدة”. وتقول مجموعة العمل المالي أيضًا إنه يجب على تركيا إجراء “تحقيقات ومحاكمات أكثر تعقيدًا في مجال غسيل الأموال” و”متابعة الطلبات الصادرة والتعيينات المحلية المتعلقة بالمجموعات المحددة من قبل الأمم المتحدة”.

وقال بليير: “لقد أحرزت تركيا بعض التقدم في جميع مجالات الاهتمام. ومع ذلك، “لا تزال هناك مشكلات خطيرة”، لا سيما في” الإشراف على القطاعين المصرفي والعقاري بشكل خاص، مثل البنوك وتجار الذهب والأحجار الكريمة والوكلاء العقاريين”. وأضاف: “على تركيا أن تثبت تصديها بفاعليه لقضايا غسيل الأموال المعقدة، وأن تثبت تعقبها عمليات التمويل الإرهابية بالملاحقة القضائية… وأن تضع في أولويتها قضايا تتعلق بمنظمات صنفتها الأمم المتحدة على أنها إرهابية مثل داعش والقاعدة”.

ومع ذلك، بدلاً من مقاضاة الممولين الجهاديين، تغض الحكومة التركية الطرف عن أنشطتهم، كما يستمر إظهار تصنيفات وزارة الخزانة الأمريكية. وبالمثل، فإن الأدلة من قضايا المحاكم الفيدرالية لا تكشف الإهمال فحسب، بل تكشف أيضًا عن تواطؤ حكومة أردوغان في أنشطة مالية غير مشروعة، بما في ذلك التهرب من العقوبات.

ومنذ عام 2019، أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية (OFAC) سبع مجموعات من التصنيفات التي تستهدف الأفراد والكيانات الجهاديين المتمركزين في تركيا أو المرتبطين بها. وتُظهر هذه العقوبات، التي أصدرها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في أبريل وسبتمبر ونوفمبر 2019، وفي يناير ومايو وأغسطس وسبتمبر من عام 2021، يقظة واشنطن المتزايدة ضد الشبكات الجهادية التي تعمل داخل حدود دولة عضو في الناتو أصبحت معادية بشكل متزايد. وبالإضافة إلى القاعدة، استهدفت هذه العقوبات شبكات مالية غير مشروعة مرتبطة بتنظيم داعش وحركة حماس وفيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني وحركة سواعد مصر المصرية. وتوضح هذه الروابط إلى أي مدى أصبحت تركيا – كما أشارت شبكة (NPR) في عام 2014– “الطريق الجهادي السريع”.

كانت حكومة أردوغان أيضًا المُيسِّر الرئيس لمخططات التهرب من العقوبات الإيرانية والفنزويلية. ففي عام 2018، حكمت محكمة اتحادية في مانهاتن على “محمد هاكان أتيلا”، نائب المدير العام لمصرف خلق العام التركي، بالسجن 32 شهرًا لمشاركته في مخطط بمليارات الدولارات لخرق العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد إيران. ويواجه بنك خلق نفسه الآن لائحة اتهام اتحادية بتهم الاحتيال وغسيل الأموال وغيرها من الجرائم المتعلقة بمشاركته في هذا المخطط. وفي عام 2019، صنفت وزارة الخزانة شركة مقرها إسطنبول لتسهيل المدفوعات كجزء من “شبكة فساد لبيع الذهب [الفنزويلي] في تركيا”، المرتبطة بميسر رئيس لمخططات التهرب من العقوبات والرشوة لنظام “نيكولاس مادورو”.

وهناك حالتان فيدراليتان تشيران إلى مشكلة تمويل الإرهاب في أنقرة. ففي أكتوبر 2020، حكم قاض في المنطقة الشرقية لنيويورك بأنه يمكن للمدعين المضي قدمًا في قضية تاريخية ضد “البنك الكويتي التركي” لمساعدة ودعم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس). بالإضافة إلى ذلك، يرفع 876 ضحية من ضحايا الإرهاب الذي ترعاه إيران دعوى مدنية ضد بنك خلق في محكمة المنطقة الجنوبية في نيويورك لمساعدة طهران على تجنب العواقب المالية لدعمها للهجمات الإرهابية.

ولدى أردوغان تاريخ مقلق في التستر على القضايا ضد منتهكي العقوبات ومكافأة المتهربين من العقوبات بتعيينهم في وظائف كبيرة ومريحة، بما في ذلك تعيين أحدهم كسفير وآخر كرئيس تنفيذي لبورصة اسطنبول. وعلاوة على ذلك، فمنذ عام 2008، أعلنت حكومة أردوغان سبعة قرارات عفو عن الثروة، والتي سمحت للأفراد والكيانات بإعادة الأصول الخارجية التي لم يتم الكشف عنها سابقًا والإعلان عن أصولهم المحلية دون مواجهة أي تدقيق قانوني أو عقوبات ضريبية. وخلال الفترة التي سبقت العفو الأخير عن الثروة، في يونيو 2020، حذر رئيس منظمة الشفافية الدولية في تركيا “أويا أوزرسلان” من أن سياسة تركيا يمكن أن “تخلق خطرًا يتمثل في إدخال الأموال السوداء … في النظام” من خلال تسهيل غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

هذا، وتلقت حكومة أردوغان ضربات إضافية هذا الأسبوع، حيث أعلنت المفوضية الأوروبية أن تركيا لم تحرز أي تقدم في مكافحة الفساد وفشلت في “تأسيس هيئات لمكافحة الفساد بما يتوافق مع التزامات تركيا الدولية”. كما أوصت اللجنة أنقرة بتحسين “الإطار القانوني الذي ينظم مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”، بما يتماشى مع “توصيات مجموعة العمل المالي وتوصيات لجنة البندقية بشأن قانون منع تمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل.”

وعلى الرغم من موجة الانتقادات هذه، لا تُظهر حكومة أردوغان أي علامات على الاعتراف بمشكلة التمويل غير المشروع الخطيرة والمتنامية في تركيا. وقد ردت وزارة الخزانة والمالية التركية على مجموعة العمل المالي بالقول إن تصرف الوكالة “غير مستحق”. وانتقد وزير الداخلية التركي “سليمان صويلو” قرار مجموعة العمل المالي باتهام أوروبا “بتمويل الإرهاب وتمكينه”. وذهب إلى حد الادّعاء بأن قرار إدراج تركيا على القائمة الرمادية كان انتقامًا من إجراءات أنقرة لمنع أفراد مجتمع الميم من “الفساد الأخلاقي لبلدنا”، وعلى تصرفات تركيا ضد شركاء واشنطن السوريين بقيادة الأكراد في الحرب ضد تنظيم داعش في سوريا. وأضاف صويلو: “إننا نعتبر هذا القرار قرارًا سياسيًّا. إنكم متورطون في جميع أنواع الانحرافات، ونحن لسنا مثلكم؛ إننا دولة إسلامية”.

وأخيرًا، يجب أن تستمر واشنطن في تصنيف الجهات المالية غير المشروعة المتمركزة في تركيا والمرتبطة بها، وتشجيع حلفائها على القيام بذلك أيضًا. كما ينبغي على السلطات الأمريكية أيضًا تكثيف جهودها المستمرة لتسليم النمساوي المشتبه به في غسيل الأموال التركي “سيزجين باران كوركماز”، والذي يمكن أن يساعد في كشف شبكة واسعة ومترابطة من المعاملات المالية الإيرانية والتركية والفنزويلية غير المشروعة. ويجب أيضًا على الكونجرس والإدارة الضغط على حكومة أردوغان من أجل التنفيذ الكامل لتوصيات مجموعة العمل المالي، والتي تعدّ ضرورية لحماية سلامة النظام المالي الدولي. وإذا لم تنفّذ تركيا توصيات مجموعة العمل المالي في المستقبل القريب، فسيكون لدى الوكالة سببٌ كافٍ لنقل تركيا من القائمة الرمادية إلى القائمة السوداء.

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا