ندوة «رؤية»: كيف تؤثر تحولات آسيا الوسطى في رسم معالم النظام الدولي؟ (1-2)

محمد النحاس

بحكم وقوع آسيا الوسطى وسط مجموعة من القوى العالمية البارزة مثل الصين وروسيا، والتنوع الديني والعرقي، تجري نزاعات في ما بينها، وتأتي ندوة "رؤية"، في مستهل سلسلة ندوات لاستشراف أحداث 2023 من رحم العام السابق، لا سيما الحرب الروسية الأوكرانية.


عقدت شبكة “رؤية” الإخبارية، أمس الأربعاء 4 يناير 2023، ندوة لمحاولة فهم تفاعلات العام الماضي، بمنطقة القوقاز وآسيا الوسطى.

وتناولت الندوة هذه المنطقة، بوصفها مركزًا جيواستراتيجيًّا، لا يقتصر الفاعلون فيه على “اللاعبين الكبار” مثل روسيا والصين والولايات المتحدة، ولكن كذلك القوى الإقليمية التي تسعى لإيجاد موطئ قدم ما في الخريطة المركبة لهذا الإقليم.

حضور مهم

حضر اللقاء نخبة من الباحثين والمتخصصين في الشأن الدولي، والشؤون الأمنية والاستراتيجية، هم خبير الشؤون الدولية، الدكتور أكرم حسام، وخبير الشؤون الإيرانية، يوسف بدر، والباحث في الشؤون الأوروبية، بهاء محمود، والباحث السياسي، بهاء عياد.

وأدار الجلسة الحوارية المشرف على قسم الشؤون الدولية والسياسية بالشبكة، الأستاذ أنس القصاص، ورحب بالحضور، مدير مكتب التخطيط بالشبكة الدكتور هيثم البشلاوي، ومدير المحتوى الأستاذ أحمد عبدالحليم، وشاركا في جلسات الحوار، الذي امتد إلى قرابة 3 ساعات.

صراع القوى الكبرى؟

افتتح اللقاء، الأستاذ أنس القصاص، فأشار بدايةً إلى استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، التي استخدمت فيها الإدارة الأمريكية مصطلحات جديدة تعبر عن استشعار واشنطن التحولات العالمية، مع تنامي “الخطر الصيني”، مع ارتباط مخاطر الأمن العالمي، وفقًا للرؤية الأمريكية، بالجغرافيا السياسية لآسيا.

698deb12 1ea2 4d58 aaad 9f26bff06e4e 1
وأضاف القصاص أن الوضع الحالي في وسط آسيا تتشابه ملامحه مع “اللعبة الكبرى”، منتصف القرن الـ19 بين روسيا والتحالف الغربي والعثماني، فرغبت روسيا في التوسع جنوبًا لتحجيم الوجود البريطاني في الهند، واصطدمت ببريطانيا في أفغانستان، وانتهى الصراع بهزيمة روسيا القيصرية في حرب القرم 1853 وإقرار اتفاقية باريس 1856 التي شكلت كثيرًا من معالم منطقة البحر الأسود الحالية.

ودعا القصاص الحضور إلى الإدلاء بأطروحاتهم بشأن قوة التأثير الذي تتمتع به منطقتا آسيا الوسطى والقوقاز في منظومة الأمن الدولي، وعلاقة الديناميات الأمنية والسياسية في هذه المناطق بالحرب الروسية الأوكرانية.

مخاوف أمريكية

افتتح خبير الأمن الدولي الدكتور، أكرم حسام، كلمته بأن تبدّل الاستراتيجية الأمريكية جاء نتيجة قلق واشنطن من صعود بكين وموسكو، ومحاولتهما تغيير النظام العالمي، ما انعكس على التحركات الأمريكية بمنطقة الباسفيك، مشيرًا إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية، أدت إلى تسريع التفاعلات داخل بنية النظام الدولي.

ولفت حسام إلى أن موسكو، التي نشط حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مجالها الحيوي، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بدأت تبحث عن موطئ قدمٍ من خلال تدخلها في سوريا 2015، وكذلك نشاطها بالقرن الإفريقي، وجنوب الصحراء الكبرى، بعيدًا عن مناطق نفوذها التقليدية.

آسيا.. مشهد معقد

لم تكد تداعيات جائحة كورونا تنقضي، حتى اشتعلت في فبراير الماضي، الحرب الروسية الأوكرانية، في وقتٍ يعاني العالم تضخمًا مرتفعًا، وأزمات سلاسل التوريد، وتبعات المنافسة التجارية المحتدمة بين الصين، والولايات المتحدة، لتأتي هذه الحرب أخيرًا، وتزيد من تأزم المشهد.

ولكن السؤال البارز، ما تداعيات هذه الحرب على صعود القوى العالمية المنافسة للولايات المتحدة؟ وكيف تُعيد رسم خريطة التحالفات الجيوسياسية بالعالم؟ لفهم هذه التحولات لا بد من النظر إلى مكونات قارة آسيا، فيشير خبير الشؤون الدولية، إلى أن آسيا يمكن تقسيمها إلى 5 أقاليم رئيسة.

والأقاليم الآسيوية الخمسة هي، وسط آسيا (جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقًا)، والشرق، وجنوب شرق، وشبه الجزيرة الهندية والخليج، ولكن هذه الأقاليم ليست وحدات جامدة، بل تتداخل في ما بينها وتتفاعل، وينعكس تأثير بعضها في بعض، ولذلك لا يمكن عزل أيٍّ منها عن بعضها الآخر.

40b4d1da 7d3f 4d68 b400

تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية

قبل الحرب الأوكرانية الروسية، تصاعد الحديث عن “نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب”، ومع اندلاع الحرب تكونت سريعًا، جبهة غربية موحدة ضد روسيا، وعاد نشاط “الناتو”، وأعادت الصين حساباتها في ما يتعلق بتايوان، في ظل العزلة والعقوبات الدولية المفروضة على روسيا، وفقًا لخبير الشؤون الاستراتيجية، أكرم حسام.
وبالإضافة إلى ذلك، تكبد الروس خسائر اقتصادية هائلة، وتراجع الحديث عن “التكامل الأمني الروسي الأوروبي” وهو طرح كان يُردد في بعض الأوساط الأوروبية، بل يمكن القول بأنه “بات جزءًا من الماضي”.

هل تكون آسيا الوسطى بديلًا؟

هذه القطيعة بين روسيا والغرب، أسهمت في تعزيز المكانة الجيوسياسية لإقليم آسيا الوسطى، وفقًا لخبير الشؤون الإيرانية، الدكتور يوسف بدر، وبعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع طهران، صعد التيار المؤيد لسياسة “الاتجاه شرقًا” داخل إيران، ما عزز كذلك من أهمية جمهوريات آسيا الوسطى.

3000 scaled

ويشير خبير الشؤون الإيرانية إلى أن مشروع الحزام والطريق، يرتكز على منطقة آسيا الوسطى، وقد شهدت السنوات القليلة الماضية صعودًا للنفوذ الصيني، من خلال التعاون المتزايد مع الجمهوريات الآسيوية السوفيتية سابقًا، ويلفت الأستاذ أكرم حسام، إلى أن هذا التعاون، تعدى التكامل الاقتصادي إلى الشراكات الأمنية والعسكرية.

636488303111603494

صعود القوى الإقليمية

في هذا السياق يمكن فهم الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، في حين تحاول إيران وتركيا، وهما طرفان في النزاع، البحث عن ممرات إقليمية في منطقة تمثل شريانًا للتجارة العالمية، وغنية بالموارد الطبيعية والطاقة، مستغلةً العوامل الدينية والثقافية في تلك البلاد ذات التنوع الديموغرافي، وفق الدكتور يوسف بدر.

ويشيد بدر بالدور الذي يلعبه الخليج في هذا المشهد، فيسعى لخلق ممر يصل إلى أوروبا عن طريق ميناء حيفا، ويعقد شراكات مع الصين والهند، في حين لا يخلو المشهد من براجماتية سياسية، تبدت في دعم إيران، التي تبحث عن موطئ قدم داخل أوروبا الشرقية، لصربيا.

آسيا الوسطى وسؤال المستقبل

بالعودة إلى تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية، يرجح أكرم حسام، أن منطقة آسيا الوسطى، قد تشهد توترات مستقبلية، ذلك أن دول الإقليم باتت منشغلة بقراءة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وطرحت تساؤلًا مهمًّا: هل من الممكن إذا ما اختلفت سياستنا عن النهج الروسي، أن نتعرض لما تعرضت له أوكرانيا؟.
وأما روسيا، التي آل بها الأمر، إلى أن تكون في معزل عن أوروبا، فقد بحثت عن دعم جمهوريات آسيا الوسطى، ولكن الجمهوريات المتوجسة، أبدت ترددًا، خوفًا من العقوبات الغربية، في حين لا يزال المشهد الإقليمي معقدًا، ما قد يفجر صراعات مستقبلية، في ظل رسم الخريطة الجيوسياسية وإعادة تموضع القوى المتنافسة.

الصراع وشبكات المصالح

يبدو الصراع إذن، وفقًا للدكتور هيثم البشلاوي: “إعادة تدوير لنظرية قلب العالم”، في ظل تنافس تغذيه شبكة المصالح والتحالفات الدولية، مشددًا على أنه “حيث تقع خطوط الملاحة والطاقة تنشأ الصراعات”.

0c454f5b b68b 456f 85b2 b49c29ed6049
ويأتي ذلك في سياق أنشطة شبكة “رؤية” الإخبارية، الرامية نحو فهم التحولات الجارية في أنحاء العالم، من خلال أُطر معمَقة تُثري العقل العربي، على المستويين البحثي والإعلامي.

ربما يعجبك أيضا