«نزع الدولرة».. هل يتجه العالم لإرساء نظام مالي بديل؟

هل يتخلى «الجنوب العالمي» عن الدولار؟

محمد النحاس

ارتفع احتياطي الصين من الذهب إلى 2264.87 طن في الربع الأول من عام 2024، ارتفاعًا من 2235.39 طن في الربع الرابع من عام 2023


باعتبارها، الرئيس الحالي لمجموعة بريكس، تركز روسيا على أجندة متنوعة، بما في ذلك التمويل والتعاون المالي بين الدول الأعضاء.

ويعد “الاستغناء عن الدولار” إحدى نقاط النقاش داخل المجموعة، وطُرح إنشاء عملة رقميّة بديلة، كأساس للمعاملات المالية الدولية بين الدول الأعضاء في مجموعة “بريكس”، وعزز من ذلك السياسات الغربية، واحتدام التوترات الجيوسياسية، وشعور دول “الجنوب العالمي” بغياب عدالة النظام الدولي الحالي، فهل أصبحنا قريبين من نقطة “نزع الدولرة“؟

روسيا والصين

الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، واستخدام واشنطن لـ “سلاح العقوبات” ضد روسيا وغيرها، كانت نقاط أساسية عززت من المناقشات داخل مجموعة بريكس حول تقليل الاعتماد على الدولار، وإيجاد قنوات مالية بديلة، وفق ما ذكر مقال نشرته مجلة “ريسبنسبول ستيت كرافت” الأمريكية.

وخلال قمة الرئيس الصيني شي جين بينج، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي انعقدت في وقتٍ سابق من الشهر الماضي، ركز الإعلام الغربي على تعزيز التعاون العسكري بين روسيا والصين، ورغم ذلك فإن المناقشات المالية احتلت مرتبة عالية ضمن جدول أعمال القمة، بحسب المقال المنشور اليوم الاثنين 3 يونيو 2024.

مشاركة نابيولينا

خلال قمة بكين وموسكو، ضمّ الوفد الروسي، وزير الدفاع الجديد، أندريه بيلوسوف، الذي يعتقد أن تعيينه يساعد في ضمان أن الاقتصاد الروسي يخدم بشكل أفضل الاحتياجات الاستراتيجية للجيش.

وشارك في الاجتماع وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف ومحافظة البنك المركزي إلفيرا نابيولينا، وكانت مشاركة نابيولينا جديرة بالملاحظة بشكل خاص لأنها لا ترافق بوتين بانتظام في الزيارات الخارجية.

وفق مقال المجلة الأمريكية، تعطي مشاركة محافظة البنك المركزي الروسي، دلالة على طبيعة النقاشات، ويعد حضورها أساسيًّا لأي نقاشات فيما يتعلق بخيارات موسكو للتعامل مع العقوبات الغربية، وكذلك لأي حديث حول الاستغناء عن الدولار والبدائل الماليّة المتاحة.

رسالة من بوتين

وتلفت المجلة إلى ذكر بوتين أن حجم التجارة بين الصين وروسيا في عام 2023 ارتفع بنحو 25 % ليصل إلى أكثر من 227 مليار دولار.

كما حرص الرئيس الروسي على التأكيد على أن 90% من التجارة الثنائية بين البلدين تتم بالروبل أو اليوان. وتتعرض البنوك الصينية تتعرض لضغوط متزايدة من الولايات المتحدة لوقف تمويل هذه الترتيبات الثنائية بين الصين وروسيا.

حسب المقال، فمن الجلي أن رسائل بوتين لم تكن موجهة إلى القيادة الصينية فحسب، بل وأيضاً إلى دول “الجنوب العالمي” بهدف تعزيز المبادرات المتشركة التي ترمي إلى نزع الدولرة، والتي اكتسبت زخمًا في الآونة الأخيرة.

محاولات جادة

اعتبارًا من مارس 2024، جرى تسوية أكثر من نصف 52.9٪ من المدفوعات الصينية بالرنمينبي بينما تمت تسوية 42.8٪ بالدولار الأمريكي.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، فوفقًا للبيانات الصادرة عن بنك الشعب الصيني، ارتفع احتياطي الصين من الذهب إلى 2264.87 طن في الربع الأول من عام 2024، ارتفاعًا من 2235.39 طن في الربع الرابع من عام 2023، فيما يبلغ ضعف الحصة السنويّة على مدار السنوات الـ 5 الماضية.

بحسب بنك جولدمان ساكس الأمريكي، فإن رغبة الأجانب المتزايدة في تداول الأصول المقوّمة بالرنمينبي لا تزال تساهم في تراجع الدولار لصالح العملة الصينية.

تراجع الاعتماد على الدولار

في أوائل العام الماضي، أعلنت البرازيل والأرجنتين أنهما ستسمحان بإبرام تسوية تجارية بالرنمينبي، ومع تزايد اتجاه “نزع الدولرة”، سارعت العديد من الدول إلى تنويع احتياطياتها من خلال زيادة رفع حيازتها من الذهب واعتماد العملات المحلية في المعاملات الدولية.

وفي اجتماع وزراء المالية والبنوك المركزية لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في إندونيسيا في شهر مارس الماضي، ناقش صناع السياسات خفض اعتمادهم على الدولار الأمريكي، والين الياباني، واليورو، في مقابل إجراء التسويات المالية بالعملات المحليّة.

وفي مطلع أبريل، ذكرت وسائل الإعلام الهندية أن وزارة الشؤون الخارجية أعلنت أن الهند وماليزيا بدأتا تسوية معاملاتهما التجارية بالروبية الهندية، وتجري الهند معظم معاملات تجارة الطاقة مع روسيا بالروبية أو الروبل.

نظام مالي بديل

مع تسارع عملية التخلص من الدولار، تواصل دول بريكس جهودها لإنشاء نظام مالي بديل عن “سويفت”، لكن حتى الآن لم تطور المجموعة عملة مشتركة.

وفي الوقت الحالي، تطور بريكس نظام مدفوعات جديد عبر تقنية “بلوك تشين” أو سلسلة الكتل وهي آلية متقدمة لقواعد البيانات تسمح بمشاركة المعلومات بشكل شفاف داخل شبكة ما، وقد تكون بديلاً مستقبليًّا لنظام سويفت، وفقًا لما ذكره مساعد الكرملين يوري أوشاكوف في مارس 2024.

وإجمالاً لا زال الدولار، مهيمنًا على النظام المالي الحالي، سويفت،ـ والذي يمثل حوالي 90 % من إجمالي تداول المالية. لكن يجدر الذكر أنه وحتى وقت قريب، كان ما يقرب من 100% من تجارة النفط تتم بالدولار؛ ومع ذلك، في عام 2023، أفادت التقارير أن خمس تداولات النفط تمت بعملات غير الدولار.

قواعد جديدة

في مقابلة أجريت معه مؤخرًا، كشف سيرجي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، أن أجندة نزع الدولرة ستحتل مركز الصدارة في قمة بريكس المقرر عقدها في روسيا في أكتوبر 2024، وسيصبح التحالف أقوى بعد القمة، مما يبشر بـ “قواعد جديدة للعبة”.

كما أنشأت مجموعة البريكس بنك التنمية الجديد في عام 2015، والذي يعمل على تطوير مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في دول المجموعة وغيرها من اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية.

وفي حين لم تتضح بعد مستقبل المعاملات المالية داخل المجموعة ومدى نجاعة النظام المحتمل البديل، ومقدار التخلي عن الدولار، إلا أنه من المرجح أن يخفف هذا التحوّل من أثر العقوبات الأمريكية، ومن هيمنة الدولار العالمية.

ربما يعجبك أيضا