نظرية السكان.. إبادة الشعوب على طريقة “مالتوس”

كتب – حسام عيد

توماس روبرت مالتوس Thomas Robert Malthus؛ عالم اقتصاد وسياسي وباحث ديمغرافي إنجليزي، اشتهر بنظرياته التي حاولت تفسير ظاهرة التكاثر السكاني، كما أنه يعد من أهم منظري الاقتصاد السياسي في القرن الـ 19.

المولد والنشأة

ولد في 14 فبراير 1766 في مدينة صغيرة تدعى روكري بإنجلترا، ونشأ في عائلة ميسورة الحال الأمر الذي دفعه إلى دراسة اللاهوت في جامعة كمبردج، فأمسى كاهناً بكنيسة إنجلترا في سنة 1798، وفي عام 1805 عين أستاذاً للتاريخ العام، والسياسة، والتجارة والتمويل في كلية شرق الهند الجديدة، التي تم إنشاؤها بالقرب من لندن.

اختير زميلا في الجمعية الملكية عام 1819، وانضم إلى نادي الاقتصاد السياسي عام 1821، إلى جانب اقتصاديين آخرين مرموقين مثل ديفد ريكاردو وجيمس ميل.

كما صار عضوا في الجمعية الملكية للأدب سنة 1824، ثم في الأكاديمية الفرنسية للعلوم الأخلاقية والسياسية عام 1833، وأكاديمية برلين الملكية في نفس السنة. وكان أيضا من بين الأعضاء المؤسسين لجمعية لندن للإحصاء في 1834، ووافته المنية في العام ذاته.

التوجه الفكري

تأثر توماس مالتوس بالفلسفة الليبرالية وكان واسع الاطلاع على أفكار فلاسفة الأنوار من قبيل ديفيد هيوم وجان جاك روسو.

وكان مطلعا على أفكار المدرسة الكلاسيكية في الاقتصاد، حيث قرأ كتابات آدم سميث وكان على صحبة مع ديفد ريكاردو.

النظرية المالتوسية

يعد مالتوس أول من أدخل عناصر الزمن والحركة في دراسة الفعاليات الاقتصادية؛ في وقت كانت هذه الفعاليات لازالت تدرس، وتحلل، على أسس سكونية راكدة، وبدخول عامل السكان في صميم السياسة الاقتصادية، تشكل علم خاص يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعلم الاقتصاد وهو علم السكان.‏

وكانت هناك محفزات في عصره دفعته إلى النظر في وضع السكان على الأرض، حيث عاشت إنجلترا في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر تحولاً في طبيعة اقتصادها من الرأسمالية التجارية إلى الرأسمالية الصناعية، ما أدى إلى تقلص إنتاج المواد الغذائية، وارتفاع أسعار المنتجات الزراعية، وتضخم الكثافة السكانية في المدن التي احتوت المناطق الصناعية الناشئة، والتي لم تقابل بسياسة توفير المساكن للوافدين إلى هذه المناطق، ما أفرز ازدحاماً بشرياً في المساكن، وسوء حال للطبقة العاملة حيث انتشر الفقر والبطالة، حتى باتت ظواهر التسول والتشرد والسرقة حالة يومية في المجتمع.

وصاغ مالتوس نظريته الشهيرة في كتاب نشره لأول مرة عام 1798 بصفة مجهولة دون ذكر اسم الكاتب، ويحمل عنوان “مقالة حول مبدأ السكان”.

وتقول هذه النظرية إن وتيرة التكاثر الديمغرافي “السكاني” هي أسرع من وتيرة ازدياد المحاصيل الزراعية وكميات الغذاء المتوفرة للاستهلاك.

وهذا من شأنه أن يؤدي في المحصلة إلى اختلال التوازن بين عدد السكان من جهة وإنتاج الغذاء اللازم لإطعامهم من جهة أخرى، مما ينذر بمشاكل اقتصادية واجتماعية خطيرة من فقر وجوع، وبروز لظواهر مجتمعية سيئة كالتشرد والتسول واحتراف النصب والسرقة.

ويشير مالتوس أمام هذا الوضع إلى أن المجتمع إذا لم يتدارك نفسه ويضع لأفراده (الفقراء منهم تحديدا) قيودا أخلاقية للتحكم في وتيرة تكاثر أعداد السكان بما يتوافق قدرته على إنتاج الغذاء، فإن “قوانين الطبيعة” ستفعل فعلها فيه لإعادة التوازن إليه وإرجاع الأمور إلى نصابها، عبر تفشي الأمراض والمجاعات وكثرة الحروب اقتتالا على الموارد تحت سطوة غريزة البقاء عند الإنسان.

انتقادات

صحيح أن الأفكار الرئيسية في النظرية قد تمت مراجعتها لاحقاً من قبل صاحبها، ومن قبل من تمت تسميتهم بـ”المالتوسيين الجدد” مثل فرانسيس بليس الذي وافق على المبدأ الذي وضعه مالتوس، ولكنه رأى بضرورة “وضع قيود على الزواج لكن ليس بتأجيله وإنما الأفضل قبول منع الحمل كبديل شرعي ومقبول –نسبياً- من الناحية الأخلاقية لمواجهة الخصوبة الطبيعية العمياء (غير الموجهة) والتدمير الجماعي الذي تسببه الحروب.

إلا أن الوقائع الاقتصادية والتقنية التي شهدها العالم مثّلت الرد الأهم على نظرية مالتوس، حيث ترافق النمو السكاني مع تطور تقنيات الزراعة ما أدى إلى تنامي معدلات الإنتاج الزراعي، في العديد من البلدان التي تشهد نمواً سكانياً مضطرداً.

فيما اعتبر بعض الاقتصاديين أن الداء الذي يخشاه مالتوس للبشرية ليس لعدم إمكان زيادة المواد الغذائية اللازمة لإطعام البشر، بل يكمن في النظام الرأسمالي نفسه والتفاوت الاقتصادي والتركيز في المداخيل وعدم توزيعها توزيعاً واسعاً.

واعتمد في ما يتعلق بتزايد السكان على إحصائيات الولايات المتحدة التي كان سكانها في ذلك الوقت يتزايدون لا بسبب الولادات وحدها، وإنما بسبب الهجرة من البلاد الأخرى. كما لا يوجد دليل على أن المواد الغذائية تتزايد بمتوالية حسابية، إذ لم يأخذ مالتوس بعين الاعتبار التقدم العلمي الذي حدث في الآونة الأخيرة، وما يمكن أن يؤدي إلى زيادة الإنتاج من المواد الغذائية حتى من المركبات الكيميائية، فمن النفط أمكن صنع اللحوم والدجاج والزبدة ومنتجات أخرى.

بقيت “لعنة مالتوس” تتردد في ممرات الصراع بين الشمال الغني والجنوب الفقير على كوكب الأرض، وفي سياسات الأنظمة النازية والفاشية والشيوعية والرأسمالية، فكل هذه الأنظمة قامت بممارسات الإبادة الجماعية للشعوب، وفي وقائع باتت من الأحداث الراسخة في تاريخ البشرية عبر حربين عالميتين وعشرات الحروب الاستعمارية.

ورغم أن الأفكار الاشتراكية وقفت على تضاد كامل مع المالتوسية إلا أن انتهاء الصين الشيوعية إلى تطبيق سياسة الطفل الواحد في الأسرة مثّل استجابة واقعية لأفكار مالتوس التي عادت إلى الواجهة قبل سبع سنوات.

ربما يعجبك أيضا