نفق «الإلحاد».. الأزمة والمَخرج

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

في السنوات الأخيرة بدأ بعض الشباب الإعلان عن عدم إيمانهم واختلافهم مع الخطاب الديني ورفضهم بكل ماهو مرتبط بالأديان، وقد أثار هذا الاتجاه حالة من البلبلة فى المنطقة العربية حيث أزالت شبكات التواصل الاجتماعي حاجز الخوف من أمور تم تحريم ذكرها على مدار سنوات.

تاريخ الإلحاد ومفهومه

الإلحاد هو عدم الاعتقاد أو الإيمان بوجود إله، ويتناقض هذا الفكر مع فكرة الإيمان بالله أو الألوهية، إذ إنّ مصطلح الألوهية يعني الاعتقاد بأنه يوجد إله.

تبلور مصطلح الإلحاد عقب انتشار الفكر الحر وتنامي نشاط التيارات الفكرية في نقد الأديان، حيث مال الملحدون الأوائل إلى تعريف أنفسهم باستخدام كلمة “ملحد” في القرن الثامن عشر في عصر التنوير.

وشهدت الثورة الفرنسية أول حركة سياسية كبرى في التاريخ للدفاع عن سيادة العقل البشري فضلًا عن تيار من الإلحاد لم يسبق له مثيل، وتتراوح الحجج الإلحادية بين الحجج الفلسفية إلى الاجتماعية والتاريخية.

ليس هناك أيديولوجية واحدة أو مجموعة من السلوكيات التي يلتزم بها الملحدون جميعاً، ولا يوجد أيضًا مدرسة فلسفية واحدة تجمع الملحدين، فمنهم من ينطوي تحت لواء المدرسة المادية أو الطبيعية والكثير يميلون باتجاه العلم والتشكيك، خصوصاً فيما يتصل بعالم ما وراء الطبيعة.

يرى الكثير من الملحدين أنه أكثر صحة من الألوهية، وبالتالي فإنّ عبء الإثبات لا يقع على عاتق الملحد لدحض وجود الله بل على المؤمن بالله تقديم مبررات للإيمان به حسب قولهم.

أعداد الملحدين في العالم

قامت مؤسسة غالوب الدولية في عام 2015 باستطلاع أكثر من 64,000 مشارك، أشار 11% منهم إلى أنه “ملحد بقناعة” في حين كانت نتيجة سنة 2012 في استطلاع سابق 13% من أفراد العينة عرفوا عن أنفسهم أنهم “ملحدون بقناعة”.

وبحسب مسح من قبل هيئة الإذاعة البريطانية، في عام 2004، وجد أن نسبة الملحدين كانت حوالي 8% من سكان العالم.

أوروبا الأعلى إلحادا وفقًا لدراسات أخرى، فإن معدلات الإلحاد هي الأعلى في أوروبا وشرق آسيا: 40% في فرنسا 39% في بريطانيا 34% في السويد 29% في النرويج 15% في ألمانيا 25% في هولندا 12% في النمسا أجابوا أنهم لا يؤمنون بوجود أرواح أو آلهة أو قوة خارقة، وجاءت النسب أعلى لمن عبروا عن إيمانهم بوجود روح أو قوة ما وهؤلاء يطلق عليهم لادينيين أو لاأدريين.

بلغت النسب في شرق آسيا 61% في الصين و47% في كوريا الجنوبية بينما تعد اليابان حالة معقدة إذ يتبنى الفرد الواحد أكثر من معتقد في وقت واحد.

في أمريكا الشمالية، 12% في الولايات المتحدة يعتبرون أنفسهم ملحدين و17% لاأدريين و37% يؤمنون بوجود روح ما ولكنهم لا دينيين، و28% في كندا.

لماذا تخلى بعض العرب عن الدين

تقول “دار الإفتاء المصرية“:”أن الممارسات العنيفة للإرهابيين والتشدد لدى بعض الجماعات الإسلامية سبب انتشار الإلحاد في بعض البلدان العربية، حيث إن أبرز الأسباب التي تدفع الشباب إلى الإلحاد هي ممارسات الجماعات الإرهابية التكفيرية التي تنتهج الوحشية والترهيب والذبح باسم الإسلام والتي صدرت مفهوماً مشوهاً لتعاليم الدين، ورسخت صورة وحشية قاتمة له، مما نفر عدداً من الشباب من الإسلام ودفعهم إلى الإلحاد”.

وأضافت :” أن تغلغل الإسلام السياسي في الحياة الخاصة والعامة يمكن أن يكون سببًا آخر لردة الفعل ضد الدين، وبالنسبة لبعض العلمانيين العرب الذين ينادون بفصل الدين عن الدولة، فإن القوى الإسلامية استخدمت الدين لتحقيق مصالحها الخاصة.

وأشارت إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي وفرت لهؤلاء الشباب المغرر بهم مساحات كبيرة من الحرية أكثر أماناً للتعبير عن آرائهم ووجهة نظرهم في رفض الدين.

وقد أعلنت دار الإفتاء المصرية في يناير 2014، أن هناك نحو 866 ملحدًا في مصر، في حين قدر آخرون عددهم بالآلاف، وفي نفس العام، عممت عدة وسائل إعلام سعودية دراسة أجرتها مؤسسة “وين غالوب الدولية للأبحاث” كشفت فيه أن “خمسة في المئة من السعوديين قالوا إنهم كانوا ملحدين”، أي في بلد يبلغ عدد سكانه 29 مليون نسمة.

وفى يونيو عام 2015، أطلقت وزارة الشباب المصرية بالتعاون مع مؤسسة الأزهر مبادرة لمواجهة “التطرف والإلحاد”.

ويضيف الباحث القبطي، الدكتور “ناجي إسكندر”: “إن من أحد أسباب الإلحاد هو التدين الظاهري الموجود بكثرة في الشرق الأوسط، إضافة إلى عدم الرد على الأسئلة المنطقية والتي يثيرها الشباب والتي تحتاج إلى دراسة عقلانية لكي تجيب على هذه الأسئلة، حيث إن بعض الشباب يكتم هذه الأسئلة ويخشى أن يناقشها بصورة علانية وتكون النتيجة أن هذه الأسئلة تتكاثر في ذهن الشباب وتؤدي بهم إلى الإلحاد.

وأوضح أن أحد هذه الأسباب هو الحرية في التعبير التي ظهرت بطريقة واضحة بعد ثورات الربيع العربي، ولكي نعالج هذه الظاهرة علينا أن نحترم أسئلة الشباب ونجيب عليها بصورة منطقية تشفي غليلهم وتطيب صدورهم وتهديهم.

وسائل التواصل أداة للإلحاد يحتوى الفيسبوك على العديد من الصفحات التي تدعو الملحدين العرب إلى الانضمام إليها، ومن هذه الصفحات: “الملحدين التونسيين”، التي تضم أكثر من 10 آلاف متابع، و”الملحدين السودانيين” التي تضم أكثر من 3000 متابع، وأيضا “شبكة الملحدين السوريين” التي تضم أكثر من 4000 متابع.

وعلى تويتر، يتراوح عدد متابعي الحسابات التي يعلن أصحابها عن إلحادهم بين المئات والآلاف، فمثلا يتجاوز عدد متابعي حساب “أراب أثيست” الثمانية آلاف متابع.

ويتنوع محتوى النقاشات التي يجريها أصحاب هذه الحسابات، فبعضهم يقول إنهم يريدون “هدم خرافات الدين باستخدام العقل”، والبعض الآخر ينشر على حسابه تعليقات وصورا مضادة للإسلام مثل صور لنسخ للقرآن الكريم ممزقة.

بعض هؤلاء يقول إنه هدفه إعمال العقل ونشر العلم وهناك من يقول إن تغريداته موجهة للأتباع الملحدين.

وهناك من يصف نفسه بأنه “كافر وملحد” وينشر مشاركات تدعي “بأن الخطاب الإسلامي يشجع على العنف ضد الديانات الأخرى”. وعلى يوتيوب، أنشأ بعض الملحدين العرب العديد من القنوات التي تجذب آلاف المشتركين.

وفي مكان آخر على شبكة الإنترنت، أطلق بعض الشباب العربي قناة تلفزيونية على الإنترنت تسمى “العقل الحر” ، ويعرف موقع “العقل الحر” على الإنترنت بنفسه على أنه “إحدى وسائل الإعلام العلمانية عبر الإنترنت التي تهدف إلى تقديم أخبار بعيدة من هيمنة الرقابة الدينية والحكومية إلى شعوب الشرق الأوسط والعالم”. الإلحاد لا علاقة له بالعلمانية جرت العادة العادة الغلط بين مفهوم الإلحاد والعلمانية.

وفي هذا الصدد قسمت دار الإفتاء المصرية “الملحدين”، إلى ثلاث مجموعات هي “أولا: الذين لا يعترضون على الإسلام كدين ولكن يرفضون (أسلمة السياسة) وينادون بدولة علمانية، وثانيا: الذين يرفضون الإسلام كدين تماما، وثالثا: الذين تحولوا من الإسلام إلى دين آخر”.

وإن كان بعض السلفيين المتشددين ينظرون إلى العلمانية والإلحاد على أنهما صنوان، هناك مسلمون ملتزمون دينيًا ينادون بفصل الدين عن الدولة ويسعون إلى إيجاد خطاب إسلامي جديد، معتقدين أنه يمكن تحقيق التقدم والإصلاح عن طريق تحدي الممارسات الدينية “القمعية”.

روشتة للرد على افتراءات الملحدين

يتخد الملحدين بعض المسلمات ينطلقون منها كالقول بأن هذا الكون موجود بذاته، علمًا بأن الكون لا يملك أن يخلق ذاته، ثم يخلق فى الوقت نفسه قوانينه التي تصرّف وجوده، بل حوارهم مليء بعدة أساليب للمراوغة والخداع ومنها:

– عدم الرد على أي شبهة قبل أن يتم إلزام الملحد بنقاط معينة للحوار فيها، ثم يتم طرح أسئلة بحيث تكون أسئلة من الوزن الثقيل والتي لا يمكن الإجابة عليها وإلزام الملحد بالإجابة ووضعه في موقف محرج مثل:

– يجب أن يكون المحاور مطّلعاً على أحدث الدراسات، وأما بالنسبة للمغالطات فيجب أن يكون المحاور متمكنا من علم الفلسفة والمنطق.

– إلزام الملحد بالرد على الخطوط العريضة لموضوع الحوار والابتعاد عن الجزئيات، بتوضيح ذلك له بأن نقول له: يكفيك مراوغة وما شأنك بالجزئيات فأنت إلى الآن لم تقم بالرد على الأسئلة الرئيسية للحوار.

– وفى حالة اعتماد الملحد على أسلوب التشكيك يكون الرد حاداً وملزماً وإلقاء أسئلة من الوزن الثقيل والتى تستهدف أصل الإلحاد ولا يوجد رد عليها وإلزامه بالإجابة ووضعه فى موقف محرج ، واعتماد أسلوب الهجوم وعدم البقاء فى وضعية الدفاع.

– إلزام الملحد بنقاط معينة واعتماد تكرار الأسئلة وعدم ترك الفرصة للملحد للخروج عن أصل الموضوع مع الحفاظ على هدوء الأعصاب والسيطرة على الموقف باستعمال حجج قوية وإخراج الملحد على صورته الأصلية بأنه ملحد لم يات للحوار، بل أتى مستفزاً.

ربما يعجبك أيضا