نفوذ ألماني وتدخل روسي.. صراع موسكو وأوروبا داخل مالي

أحمد ليثي

لم يعد المجلس العسكري في مالي يعتمد فقط على الدعم الأوروبي، لكن المصالح الاستراتيجية الأعمق لمالي وروسيا تتباعد.


خلق التدخل الروسي في مالي معضلة لألمانيا، وشجع المجلس العسكري الحاكم على مواجهة الوجود الألماني، وجعل خروج أوروبا من البلاد يبدو كأن انتصار روسي.

وكلن مدير برنامج إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ثيودور ميرفي، لا يعتقد أن روسيا خططت لذلك منذ البداية، لكن الوضع يلعب دورًا لصالحها، بحسب ما ذكر في تقرير نشره المجلس عبر موقه الإلكتروني، يوم الأربعاء، 31 أغسطس 2022.

الكرملين يقتل عصفورين بحجر واحد

يشجع الكرملين مالي على إنهاء تورط أوروبا في البلاد، في مقابل احتكار النفوذ الأجنبي نتيجة الفراغ العسكري واحتكار النفوذ الأجنبي، وتلعب روسيا على نفس الوتيرة منذ عام 2017، وفي حين تتولى أوروبا عمليات تحقيق الاستقرار وحفظ السلام، تستغل روسيا الاحتكاك بين أوروبا وحكومات الدول لتقديم الدعم لها من دون قيود.

وفي العام 2017، كان للكرملين تأثير مماثل في جمهورية إفريقيا الوسطى، حين استغل استياء الحكومة من جهود الأمم المتحدة لمواجهة التمرد في البلاد، وتهديد الأوروبيين بشأن إخفاقات الحكم، ومع تعميق التدخل الروسي، اضطرت أوروبا إلى قطع مساعدتها عن جمهورية إفريقيا الوسطى.

دور ألمانيا في مالي

بحسب تقرير ميرفي، تلعب برلين الآن دورًا حاسمًا في مالي، نظرًا لأن باريس سحبت مؤخرًا آخر قواتها المتبقية من باماكو، وصارت مهمة برلين الآن الحفاظ على وجودها هناك، وتشكيل الدعم العسكري الأوروبي لبعثة الأمم المتحدة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما).

وأدت إدانة فرنسا لاستيلاء المجلس العسكري على السلطة في مالي إلى طرد سفيرها من البلاد، وامتد خلاف المجلس العسكري مع معظم عواصم أوروبا التي كان عليها إظهار التضامن مع فرنسا، وهو الفخ الذي تجد ألمانيا نفسها فيه، ويجب عليها أن تعيد الثقة بينها وبين المجلس العسكري.

المجلس العسكري يستغل حالة التنافس

يستخدم المجلس العسكري في مالي سيطرته على البلاد وسيلة لمضايقة أوروبا، وبالرغم من أنه ليس على استعداد لرفض الدعم الأوروبي تمامًا، فإنه أصبح أكثر حزمًا من خلال تعطيل الدعم اللوجستي للبعثة بطرق بيروقراطية تعرقل عملها، مثل منع القوات الألمانية من الوصول إلى العاصمة باماكو في يوليو الماضي.

ومن جهتها، تلعب موسكو دورًا محوريًا، فدعمها يشجع باماكو على عرقلة خطوات أوروبا، ولم يعد المجلس العسكري يعتمد فقط على الدعم العسكري الأوروبي، بل صار يشعر بالقدرة على مواجهة أوروبا، لكن المصالح الاستراتيجية الأعمق لمالي وروسيا تتباعد، لذا تلعب مالي على استمرار المنافسة بين روسيا وأوروبا لتحقيق أقصى استفادة.

أوروبا لا تريد التنازل

هدفت أوروبا فقط إلى منع الإرهاب ووقف توسع الجماعات الجهادية، وحماية المدنيين، ومساعدة بعثة الأمم المتحدة (مينسوما) في الحفاظ على عملية السلام في مالي، ولكن المعادلة تغيّرت بعد أن تدخلت روسيا وانقلب المجلس العسكري ضد فرنسا أولاً، وأوروبا كلها.

وتدور أهداف أوروبا الجديدة حول الوقوف إلى جانب الماليين، بالرغم من صعوبة التعامل مع حكومتهم الحالية، ودعم التعددية كمبدأ رئيس من خلال الحفاظ على البعثة هناك، وتجنب الانسحاب الكامل للقوات الأوروبية، والأهم من ذلك، تجنب التنازل عن مالي بالكامل لروسيا.

خيارات أوروبا

وفقًا لمقال ميرفي، تخطط أوروبا لإجراء المزيد من عمليات الاستقرار وحفظ السلام في إفريقيا، والتوسع عبر منطقة الساحل باتجاه المحيط الأطلسي، ولكن من المتوقع أن تواصل روسيا استغلال الانقسامات لإجبار الأوروبيين على الخروج من مختلف البلدان الإفريقية.

وقد تكون أوروبا غير قادرة على منع وصول روسيا إلى إفريقيا، إلا عن طريق التخلي عن قيمها وتقديم الدعم العسكري غير المشروط للحكومات الاستبدادية، ولكن الدعم الأوروبي يأتي مصحوبًا بشروط، وبتفوق كبير من حيث النوع والكم على الدعم الروسي، لذلك تعرف العديد من الدول الإفريقية أنها ستخسر دعمًا كبيرًا إذا قاطعت أوروبا.

ربما يعجبك أيضا