نقل ميدان القتال.. ما هي أبعاد الهجوم على الأراضي الروسية؟

محمد النحاس

الضربات التي تتعرض لها روسيا زادت كمًا وكيفًا، في تصعيدٍ له دلالات رمزية وأبعاد عسكرية.. فما تفاصيل ذلك؟


تعرّضت موسكو، صباح اليوم الثلاثاء 30 مايو 2023، لهجوم بطائرات مسيّرة في حادثة وصفها المسؤولون الروس بـ”الهجوم الإرهابي”.

يأتي ذلك في أعقاب سلسلة هجمات شنها الروس على المدن الرئيسة في أوكرانيا، عن طريق طائرات مسيّرة وضربات صاروخية، فيما بدا ردًا على توغل مجموعة مسلحة مناهضة للكرملين داخل الأراضي الروسية في تطور لافت، فمن المسؤول عن هذه الضربات؟

هجمات على الأراضي الروسية

هاجمت اليوم الثلاثاء حوالي 20 طائرة مسيّرة أهدافًا متنوعة داخل الأراضي الروسية، وذلك في خضم هجمات أخرى نوعية نفذها مناهضون للكرملين، كما سبق ذلك مطلع هذا الشهر هجمات شنتها مسيّرتان على مبنى الكرملين، وقالت موسكو إنها محاولة لاغتيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعادةً ما تنفي كييف مسؤوليتها عن هذه الهجمات.

وقبل حوالي أسبوع انطلقت مجموعة “مناهضة للكرملين” من الأراضي الأوكرانية وشنت هجمات على منطقة جريفورون قرب بيلجرود، تزامنًا مع هجمات لطائرات مسيّرة، وقالت وزارة الدفاع الروسية فيما بعد إنها تصدت لمجموعة من “الإرهابيين” و”العناصر المخربة” وقضت عليهم.

وأوضحت في بيان: “جرى التصدي للتنظيمات القومية (الأوكرانية) ودحرهم وإرغامهم على التراجع الى أراضي أوكرانيا، حيث تواصلت الضربات إلى حين تصفيتهم بالكامل”، لافتة إلى مقتل أكثر من 70 إرهابيًّا أوكرانيًّا.

نقل ميدان العركة

الهجمات على الأراضي الروسية باتت تتصاعد على نحوٍ لافت، فبعد أن كانت المعارك بين الجيش الروسي والقوات الأوكرانية، تدور على الأراضي الأوكرانية، بدأت تنتقل، ولو بقدر محدود، إلى الأراضي الروسية، في خطوة إن لم تكن ذات أهمية عسكرية كبيرة، فإنها تحمل دلالات رمزية خطيرة، وتعبر عن انتقال كييف من موضع الدفاع إلى الهجوم.

230523 legion russe ukraine m

يحمل الهجوم دلالات رمزية ولا يخلو من أبعاد عسكرية

كما أن انتقال المعارك إلى الأراضي الروسية، وإن جاء على هيئة هجمات متقطعة، يمثل ضربة معنوية قاسمة للدعاية الروسية، فضلًا عن التأثير السلبي في الصورة الذهنية “للدب الروسي”، صاحب أكبر ترسانة نووية، وثاني أقوى جيش على مستوى العالم.

مجموعات مناهضة للكرملين

عادةً ما يُلقى باللوم على فيلقين رئيسين هما “حرية روسيا” وفيلق المتطوعين الروس، ويقول مسؤولون أوكرانيين إن أعضاء الفيلق الأول، مواطنون روس، وتظهر بعض الصور الخاصة فيلق “حرية روسيا” وسومًا على ملابسهم العسكرية مرتبطة بمجموعات روسية معارضة إلى جانب العلم الأوكراني.

وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، جرى إنشاء المجموعة التي تعرف بأنها مناهضة لحكم الرئيس الروسي فلادمير بوتين بعد دعوة الرئيس الأوكراني فلادمير زيلينسكي إلى إنشاء فيلق دولي، وتوصف المجموعتين بأنهما “جزء من فيلق دولي يشارك في الدفاع عن أراضي أوكرانيا”.

مزيد من الهجمات

لا زالت المعلومات عن المجموعتين غير واضحة تمامًا، خاصةً في ما يتعلق بأعدادهم ومدى تسليحهم، وبحسب ما نقلت صحيفة موسكو تايمز، قال خبير الشؤون السياسية، ستيفن هول: “نحن نتحدث عن كتيبتين، يمكن أن تضما حوالي ألفي جندي”، لكن ما يضيف هالة بشأن أعدادهم هو إصرار معظم جنود الفيلق على إخفاء هوياتهم قدر المستطاع عندما يتحدثون، كما أنهم يشيرون إلى أن أعدادهم تقدر بالمئات ولهم تواجد في معظم المدن الروسية الكبرى، وفقًا للصحيفة.

66666 1024x525 2

المعلومات حول الفيلق ليست كثيرة

يشي ذلك بزيادة وتيرة العمليات مستقبلًا، وعلى الرغم أنه ليس من المتوقع أن تمثل تغييرًا درامتيكيًّا في موزاين القوى، فإنها قد تكون محاولة لتشتيت وإنهاك القوات الروسية، خاصةً أنها تأتي مع ازدياد الحديث بشأن هجوم أوكراني مضاد مرتقب طال انتظاره.

وبرز اسم “فيلق روسيا” في مارس 2023 عندما شارك مقاتلون تابعون للمجموعة في هجمات في منطقة بريانسك الروسية على مقربة من الحدود مع أوكرانيا.

دلالات وأبعاد

كبير المحللين في مؤسسة البلطيق الأمنية والمتخصص في القضايا العسكرية الروسية، جلين جرانت، اعتبر أن مجرد وجود هذه الوحدة في صفوف الجيش الأوكراني، “هو طريقة لتوجيه ضربة إعلامية كبيرة لإعلام الرأي العام الروسي بشأن وجود معارضة مسلحة ضد بوتين”، حسب ما نقلت عنه وكالة أنباء “فرانس برس”.

أما الضابط السابق في الجيش البريطاني، مايك مارتن، يقول لصحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، إن الفكرة الرئيسة من هذه الهجمات تتمثل في خلق الكثير من المعضلات لهيكل القيادة الروسية، واختلاق مشاكل مثل اختراق الخطوط الأمامية، وتشتيت انتباه القوات الروسية وشل حركتها.

جرس إنذار

في تحليل بشأن هذه الهجمات نشره موقع “ريسبونسبل ستيت كرافت” الأمريكي، فإن هذه الهجات تعد جرس إنذار لواشنطن في ما يتعلق بصعوبة السيطرة على التصعيد في أوكرانيا لتقليل مخاطر انجرار الولايات المتحدة إلى الحرب.

يذكر أن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قد نشرت صورًا لمدرعات أمريكية شاركت في الهجوم، في حين سارع المسؤولون الأمريكيون لنفي الصلة.

129853494 mediaitem129853490 1

مدرعات أمريكية

وبشأن ما إذا كانت المجموعة تنفذ هذه العمليات بتوجيهات من كييف، تتنصل أوكرانيا من هذا الأمر، ولكن من غير المتوقع بطبيعة الحال أن تعلن أوكرانيا صراحةً مسؤوليتها عن هذه الهجمات، أما المحلل العسكري في شركة “فورس أناليسيس” المتخصصة بمراقبة الصراعات، سيم تاك، فإنه يرى أن فيلق حرية روسيا يتمتع بقدر من الاستقلالية ما يسمح له بشن عملياته الخاصة “رغم أنه يجب أن يكون هناك دائمًا شخص ما داخل هيئة الأركان العامة الأوكرانية مُطلع على ما يحدث”.

نفي للمسؤولية

دأب مسؤولون عسكريون أوكرانيون على القول إن قوات بلادهم تخوض “حربًا مفتوحة مع الروس.. وتحدد متى وأين تهجم”، لكنها لم تعلن صراحةً أبدًا عن مسؤوليتها عن هجمات مماثلة في حين أخذت منحى أكثر تساهلًا في الهجمات على شبه جزيرة القرم، ورغم عدم إعلان المسؤولية فقد مثلت بعض التصريحات إشارات مبطنة لشأن مسؤولية محتملة عن الهجمات على شبه الجزيرة التي سيطر عليها الروس عام 2014.

أما الدول الغربية فهي تناهض هذه العمليات وتقول إنها تدعم أوكرانيا لـ”تحرير أراضيها” وليس لشن هجمات على الأراضي الروسية، وأوضحت الخارجية الأمريكية ووزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ذلك بعد تلك الهجمات.

اقرأ أيضًا| روسيا تهدد برد قاسٍ حال تعرضها لمزيد من الهجمات

اقرأ أيضًا| روسيا: إغلاق جسر القرم لساعات بسبب تدريبات عسكرية

ربما يعجبك أيضا