نهج جديد.. ماذا وراء زيارة رئيس الوزراء الياباني لأوكرانيا؟

محمد النحاس

ليست مجرد زيارة عابرة، فما هي الأبعاد الأخرى التي تحملها الرحلة؟ وكيف تعبر عن تغيرات جيواستراتيجية أكثر عمقًا؟


وصل رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشدا، إلى أوكرانيا، في زيارةٍ هي الأولى من نوعها لمسؤول ياباني لمنطقة نزاع.

وتعبر الزيارة عن تغير النهج الياباني في التعاطي مع التحديات العالمية، في تحول عن نهج “النأي بالنفس”، الذي التزمته طوكيو لعقود، خاصةً وأن الزيارة تتزامن مع رحلة الزعيم الصيني شي جين بينج إلى روسيا، فما رسائل طوكيو من هذه الخطوة؟

اصطفاف ياباني مع الغرب

يلتقي كيشدا اليوم الثلاثاء 21 مارس 2023، الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، بعد وصوله ظهر اليوم عن طريق بولندا، في وقتٍ تحتدم فيه المعارك شرقي أوكرانيا، وفقًا لموقع هيئة الإذاعة اليابانية NHK.

c28cbf4605e3c921aa758f6866238ec2

وحسب وزارة الخارجية اليابانية، جاءت الزيارة تلبيةً لدعوة زيلينسكي، ومن المقرر أن يعود كيشدا إلى اليابان الخميس، وفقًا لما نقلت شبكة “سي إن إن” الأمريكية.

وتعبر الزيارة وفق الكاتب المتخصص في شؤون شرق آسيا، محمد صلاح الدين، في إفادته لشبكة رؤية الإخبارية، عن الاصطفاف الياباني مع المواقف الغربية في ما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية.

رسالة تضامن

وفقًا لوزراة الخارجية اليابانية، سينقل رئيس الوزراء خلال الزيارة “دعم اليابان الثابت لأوكرانيا وتضامنها معها”، وسيشدد على رفض ما أسمته الخارجية “العدوان الروسي على أوكرانيا”.

اقرأ أيضًا: اليابان توسع عقوباتها ضد روسيا

ونددت وزارة الخارجية اليابانية بالمحاولات “أحادية الجانب” لتغيير الوضع بالقوة، وهو ذات الوصف الذي تستخدمه طوكيو لرفض سلوك بكين بمنطقة بحر الصين الجنوبي.

ترحيب أوكراني

في تغريدة لها على تويتر، رحبت النائبة الأولى لوزير الخارجية الأوكراني أمينة آياروفنا جباروفا، برئيس الوزراء الياباني، وقالت إن “هذه الزيارة التاريخية دليل على التضامن والتعاون الوثيق”، مشددةً على امتنانها لليابان لـ”مساهمتها في نصر أوكرانيا المستقبلي”.

وقبل لقائه الرئيس الأوكراني، زار كيشدا مقبرة جماعية في مدينة بوشا قرب كييف، حيث اتهمت أوكرانيا روسيا بارتكارب “فظائع”، وقتل مدنيين. وبعد وضعه إكليلًا من الزهور عند المقبرة، قال رئيس الوزراء الياباني إنه يشعر بالغضب الشديد من “الجرائم التي ارتكبها الجيش الروسي هنا”.

8011d4fb80f9ff08fb6b302bf97b3aba

كيشدا أدان “قتل المدنيين”

وأضاف أن العالم أجمع قد اندهش لرؤية قتل المدنيين قبل عام واحد في هذه المنطقة، مشددًا على عزم اليابان مساعدة أوكرانيا حتى تتمكن من تحقيق السلام، وذلك وفقًا لما نقلت صحيفة “اليابان تايمز”.

توتر العلاقات مع روسيا

في حديثه مع شبكة رؤية الإخبارية، أشار الكاتب المتخصص في شؤون شرق آسيا محمد صلاح الدين، إلى أن العلاقات الروسية اليابانية توترت في الآونة الأخيرة، لافتًا إلى أن محاولات توقيع اتفاقية سلام بين الجانبين باتت عسيرة، رغم المحاولات المتكررة في الماضي.

اقرأ أيضًا: لماذا انسحبت روسيا من محادثات السلام مع اليابان؟

ويجمع البلدين خلاف على ترسيم الحدود، وتاريخ من العداء، زادت الاصطفافات الأخيرة بالمنطقة من حدته. وفي استراتيجتها للأمن القومي أدانت طوكيو صراحةً ما أسمته “الغزو الروسي”، ووصفت ضم روسيا لمناطق أوكرانية بالاعتداء على القانون الدولي، واعتبرت أن روسيا تمثل تهديدًا صريحًا لأمنها القومي. ومن حين لآخر تقترب سفن وطائرات روسية من الحدود البحرية اليابانية.

مساعدات يابانية إلى أوكرانيا

الشهر الماضي، عشية ذكرى الحرب الروسية الأوكرانية، تعهدت طوكيو بتقديم حزمة مساعدات إنسانية جديدة لأوكرانيا تُقدّر بـ 5.5 مليار دولار، ما يضاعف 4 مرات إسهامات اليابان السابقة.

ورفض كيشدا العام الماضي ما أسماه “عدوان روسيا على أوكرانيا”، محذرًا من أن ما يحدث في أوروبا قد يتكرر في شرق آسيا في إشارة منه لموقف الصين بالمنطقة التي تشهد توترًا محمومًا بين الفرقاء الإقليميين، وفق “سي إن إن”.

وتعد هذه الزيارة هي الأولى من نوعها لعضو آسيوي من مجموعة الـ7 لأوكرانيا، وتأتي بعد زيارة كيشدا للهند. وتشترك طوكيو ونيودلهي في وجود خلافات حادة وعميقة مع الصين بشأن مسائل حدودية.

حيد عن النهج التقليدي.. ما السبب؟

شهدت الأشهر الماضية تغيرًا تدريجيًّا في موقف اليابان تجاه القضايا الدولية والإقليمية، بعدما التزمت في السابق نهجًا سلميًّا لا تتدخل بموجبه في الشؤون الإقليمية والدولية، مركزةً كل جهودها على تعزيز النمو الاقتصادي.

ولكن مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 من فبراير 2022، وزيادة معدّل المناورات العسكرية البحرية التي تجريها الصين بالمنطقة، وتهديدات كوريا الشمالية وتجاربها الصاروخية التي بلغت معدلاً قياسيًّا العام الماضي، اتجهت اليابان لتغيير هذا النهج.

وأصدرت اليابان ديسمبر الماضي، استراتيجيتها للأمن القومي التي شهدت تحول غير مسبوق في أولويات الإنفاق، برفع الإنفاق الدفاعي بقدر كبيرة، واتجهت لتعزيز دفاعاتها وحيازة أسلحة هجومية، بعد عقود من التزام جيش “الدفاع” الياباني بالابتعاد عن التسليح الهجومي.

اقرأ أيضًا: استراتيجية الأمن القومي الياباني.. تحول تاريخي في العقيدة العسكرية

اقرأ أيضًا: أمريكا توافق على بيع طائرات إنذار مبكر إلى اليابان

خلافات مع الصين وروسيا

في سياق متصل، نقلت وكالة أنباء رويترز عن وزارة الدفاع الروسية، قولها إن طائرتين تابعتين لها، حلقتا فوق بحر اليابان لمدة 7 ساعات متواصلة، في ما بدا ردًّا على زيارة رئيس الوزراء الياباني لأوكرانيا.

190206 N OY339 1580ونهاية العام الماضي أجرى الروس والصينيون مناورات بحرية مشتركة، بالقرب من بحر اليابان، حيث لدى طوكيو خلافات بشأن ترسم الحدود مع بكين وموسكو، ما أشعر اليابان بتزايد المخاطر الإقليمية بالمنطقة.

تعزيز التحالفات الأمنية

لمواجهة هذه التهديدات، اتجهت اليابان لتعزيز شراكتها العسكرية والأمنية مع الولايات المتحدة، التي يجمعها معها تحالف أمني رباعي تحت مسمى “كواد”، يضم أيضًا الهند وأستراليا.

واتجهت اليابان وكوريا الجنوبية، حليفتا الولايات المتحدة، للاتفاق على تخفيف التوترات بينهما وحل الخلافات التاريخية وتعزيز الشراكات على المستويات كافة، وذلك لمواجهة التحديات المشتركة بالمنطقة، بعد قمة بين طوكيو وسيول الأسبوع الماضي.

اقرأ أيضًا: قمة بين طوكيو وسيول تطوي سنوات من الخلاف.. هل تعود المياه لمجاريها؟

مواجهة الطموح الصيني

تأتي زيارة كيشدا كذلك بعد رحلته هذا الأسبوع إلى الهند، وتبدو هذه التحركات محاولة للاصطفاف الإقليمي لمواجهة الصين، وفقًا للكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الآسيوي محمد صلاح الدين.

اقرأ أيضًا: ما وراء زيارة رئيس الوزراء الياباني إلى الهند.. خطأ دبلوماسي وشراكة لا غنى عنها

WYL4RNPRY5KOPJZFGSCGAWRRTM scaled

اتفق الجانبان على تعزيز الشراكة بالمحيطين الهندي والهادئ

وحسب صلاح الدين، لدى الهند خلافات حدودية كذلك مع الصين، وتنافس اقتصادي محموم. وتعد الهند في الوقت الحالي، أحد أبرز مشتري النفط الروسي، وقد رفضت إدانة موقف موسكو في الحرب المحتدمة في أوكرانيا.

محاولة للتوزان وعالم منقسم

يصف صلاح الدين موقف الهند، بأنه محاولة موازنة بين موسكو والعواصم الغربية، لافتًا إلى خشية نيودلهي من تقارب روسيا، وغريمها الاستراتيجي، الصين.

وتتزامن زيارة كيشدا لأوكرانيا مع زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج لروسيا، ووفق “سي إن إن”، تمثل رحلة شي دعمًا لـموقف روسيا في أوكرانيا، في مشهدٍ يشير إلى زيادة الاستقطاب بأنحاء العالم، الذي سرعان ما ينعكس على طبيعة التحالفات الإقليمية والدولية.

اقرأ أيضًاقمة الرئيسين الصيني والروسي.. أهداف متشابهة ورسائل للغرب

ربما يعجبك أيضا