هآرتس | هل تريد إسرائيل فعلًا احتلال قطاع غزة؟

ترجمات رؤية

رؤية

ترجمة – محمود معاذ

في الماضي القريب عندما كان دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، تصور بناء جدار منيع على طول الحدود مع المكسيك، وأرسل ضباطًا أمريكيين في مهمة دراسية إلى إسرائيل، حيث أرادوا في البنتاجون الاستعانة بالخبرة الإسرائيلية في هذا الشأن خلال عملية إقامة الجدار على طول الحدود مع قطاع غزة إذا طُلب منهم تحقيق مشروع مماثل في الولايات المتحدة. إلا أن المشروع الأمريكي لم يكتمل، إذ أسقط الناخبون ترامب من البيت الأبيض، وانتهى حلم الجدار الذي لم يشهد العالم مثيلًا له من قبل.

فالمشروع الإسرائيلي بلغت تكلفته قرابة 3 مليارات ونصف شيكل، واستغرق 3 أعوام ونصف للتنفيذ. وفي ختامه أقيم حول القطاع جدار يبلغ طوله 65 كيلومترًا، استخدم في بنائه 140.000 طن من الحديد والصلب. وبلغ ارتفاع العائق 6 أمتار فوق الأرض، وأقيم جدار ضد الأنفاق تحت الأرض تتحفظ المؤسسة الأمنية عن إعطاء تفصيلات عن عمقه، وهو مزود بأجهزة استشعار وكاميرات. في المدارس العسكرية يعلمون بأن خط التماس يكون دائمًا قابلًا للاختراق، لكن الخط الحالي يبدو محصنًا أكثر من محاولات إسرائيل الارتجالية منع التسلل من غزة.

ويتفوق الجيش الإسرائيلي بصورة واضحة على التنظيمات الفلسطينية في القطاع، لكن أحيانًا القوة هي أيضًا نقطة ضعف يستغلها الخصم الأكثر ضعفًا. والتفوق العسكري بالذات جعل إسرائيل أكثر حساسية إزاء الخسائر، وأقل استعدادًا للتضحية. فمنذ الانفصال عن غزة سنة 2005، انتهجت الحكومات الإسرائيلية خطًّا واحدًا تقريبًا، فعلى الرغم من أن رؤساء الحكومات كانوا غالبًا ما يهاجمون أسلافهم ويتهمونهم بالكذب وإظهار الضعف، إلا أن جميع الحكومات، بغض النظر عن هويتها السياسية، امتنعت بقدر الإمكان عن خوض حرب شاملة ضد غزة، وبالتأكيد من القيام بمناورة برية واسعة فيها.

فبعد مرور 3 أعوام على أكبر عملية عسكرية في غزة، الجرف الصامد في سنة 2014، تحدث رئيس الحكومة وقتها بنيامين نتنياهو بصراحة نادرة خلال نقاش مع العائلات الثكلى في الكنيست وقال: “نحن لا نريد حربًا في الجنوب. بذلنا كل السبل لمنعها. وكانت نيتي في تلك الفترة، إذا طلب منا، أن نقوم بها بأقل ثمن ممكن”. وأضاف: من واجبنا تقليص هذا الثمن بقدر الإمكان”.

ولذلك فقد حصنت إسرائيل الدفاع كبديل عن الاحتلال والعمليات التي تتسبب بوقوع إصابات كثيرة، فخلال فترة حكومة أولمرت – بيريز جرى تطوير المنظومة الاعتراضية القبة الحديدية، وواصلت “حماس” والجهاد الإسلامي إطلاق الصواريخ، لكن بدءًا من سنة 2011 وما بعدها، أصبحت هذه الصواريخ أقل نجاعة. وخلال بضعة أعوام، من المفترض أن يتحسن الحل إذا نجحوا في تطوير الرد الاعتراضي بواسطة منظومة الليزر الكهربائية. لكن في عملية الجرف الصامد، عثر الفلسطينيون على مسار آخر للالتفاف على القبة الحديدية، وهو التسلل عبر الأنفاق. وذلك نتيجة لإهمال على المستوى السياسي والأمني من جانب إسرائيل، وكانت النتيجة إثارة قلق الجمهور.

إن نتنياهو لا يؤمن بالجيرة، بل بالجدران. ففي أعقاب العملية، بدأ العمل على مشروع الجدار كعنصر مكمل للمنظومة الاعتراضية؛ إلا إن العائق الأساسي هو أن المشروع ضخم ومكلف. يمكن القول إنه كان في الإمكان استخدام المال بصورة أفضل بكثير، مثل تحسين الجهاز الصحي والتعليمي. على الرغم من ذلك، قامت المؤسسة الأمنية بعمل مثير للإعجاب، حيث إن الجدار الجديد يحمل رسالة إلى حماس مفادها: الآن سيكون من الصعب عليكم جدًّا العبور.

في مطلع العام المقبل سيجري بعد تأخير كبير، افتتاح مشروع شبيه بإقامة جدار على الحدود مع لبنان. أجزاء من هذا الجدار في الشمال قد جرى بناؤها في السبعينيات ضد مقاتلي حركة فتح، والبعض الآخر أقيم تقريبًا بالتزامن مع انسحاب الجيش الإسرائيلي في سنة 2000، وتآكل منذ ذلك الحين، ولكن يبدو أن بناء الجدران سيتواصل، وسيكون جزءًا جوهريًّا من الرد الأمني المستقبلي.

لكن في اليوم الذي يعلن فيه وزير الدفاع ورئيس الأركان الاحتفال بانتهاء الجدار، يجب أن نتساءل: ما القدرات الهجومية؟ النقاش الدائر الآن في كل وسائل الإعلام عن شن هجوم على إيران ليس ذي صلة فعلًا، ولا يعتمد على وقائع. فلا أحد ينتظر من الجيش الإسرائيلي، الذي تقريبًا لم يهتم بذلك بصورة عملية خلال الأعوام الستة الأخيرة، أن يهاجم في صباح الغد المنشآت النووية، لكن السؤال المركزي والأكثر إلحاحًا: ما الذي يقدر الجيش على القيام به إذا نشأ تصعيد على جبهتين في وقت واحد مثل لبنان وغزة، أو ثلاث جبهات بإضافة الضفة الغربية. فحينها سيكون مطلوبًا استخدام، ليس فقط القدرات العالية والمؤكدة لسلاح الجو وشعبة الاستخبارات، بل أيضًا استخدام القوات البرية التي لم تواجه تحديًا مشابهًا منذ عدة عقود.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا