هزيمة روسيا.. الفرص والمخاطر المحتملة

آية سيد

يتعين على الغرب تحديد الأولويات الاستراتيجية في حالة انهيار روسيا، لأنه من المستحيل ملء الفراغ الذي ستتركه.


سعى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لضم أوكرانيا بالقوة، تتويجًا لإنجازاته، ولإظهار أن روسيا والصين تستحقان دورًا قياديًّا في نظام عالمي متعدد الأقطاب.

لكن أوكرانيا صمدت في وجه الجيش الروسي، ما يشير إلى تفكير وتنظيم استراتيجي سيئ من موسكو، يجعلها تبدو في الطريق إلى الهزيمة، حسب مقال تحليلي مطول نشرته مجلة “فورين أفيرز”، يدعو الغرب للاستعداد للتداعيات المختلفة لهزيمة موسكو.

سيناريوهات الهزيمة                          

مقال “فورين أفيرز” الأمريكية، الذي كتبه أستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية الكاثوليكية والباحث بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، مايكل كيماج، والباحثة في الشأن الأوروبي بمجلس العلاقات الخارجية، ليانا فيكس، يطرح 3 سيناريوهات لشكل الهزيمة الروسية وانعكاساتها على صناع السياسة في الغرب وأوكرانيا.

السيناريو الأول والأقل ترجيحًا، هو أن موسكو ستتقبل هزيمتها عبر القبول بتسوية متفاوض عليها حسب شروط كييف. لكن حجم العدوان وجرائم الحرب الروسية ستجعل من الصعب على أوكرانيا قبول أي شيء أقل من الانسحاب الكامل من أراضيها، وهو ما لن تقبله موسكو، خاصة تحت حكم بوتين.

الحرب النووية

السيناريو الثاني الذي يطرحه المقال، سينطوي على فشل وسط التصعيد. وفي هذا السيناريو، سيسعى الكرملين لإطالة الحرب في أوكرانيا، في الوقت الذي يشن فيه حملة أعمال تخريبية في الدول الداعمة لكييف، وفي أوكرانيا نفسها، قد تشمل تدمير خطوط الطاقة أو تصعيد هجمات سيبرانية ضد المؤسسات المالية الغربية.

وفي أسوأ الأحوال، قد تلجأ موسكو إلى الهجوم النووي على أوكرانيا، وهذا سيدفع حلف شمال الأطلنطي (ناتو) لمواجهة عسكرية تقليدية مباشرة مع روسيا، لإضعاف جيشها ومنعها من شن المزيد من الهجمات النووية.

لكن استخدام روسيا للسلاح النووي سيشجع قادة العالم على التسلح النووي لضمان سلامتهم، ما سيسفر عن عصر فوضوي من الانتشار النووي.

انهيار النظام

يتمثل السيناريو الثالث في انهيار النظام في روسيا، بمعارك حاسمة داخل أروقة الكرملين أو في شوارع موسكو. فرغم أن بوتين حقق الاستقرار السياسي لروسيا، قد ينقلب مواطنوه عليه إذا أدت الحرب إلى “الحرمان العام”، لأن الحرب والعقوبات وهجرة الكفاءات ستسبب خسائر فادحة بمرور الوقت.

ويشير المقال إلى وجود منافسين محتملين اثنين لبوتين من خارج هياكل النخبة التقليدية، وهما مؤسس مجموعة “فاجنر”، يفجيني بريجوزين، والرئيس الشيشاني، رمضان قديروف، اللذين قد يحاولان إضعاف ما تبقى من سلطة بوتين لتأمين مكان لهما في هيكل السلطة الجديد بعد رحيله، وقد يحاولان أيضًا تولي السلطة.

وفي أسوأ الحالات، قد يؤدي سقوط بوتين إلى حرب أهلية وتفكك روسيا. وحسب المقال، قد لا يعني دخول روسيا في الفوضى إنهاء الحرب في أوكرانيا رسميًّا، لكن روسيا قد تعجز عن مواصلتها، ما يعيد لأوكرانيا سلامها واستقرارها.

تأثير الحرب

يلفت المقال إلى أن الحرب أضعفت قدرة بوتين على إرغام جيران روسيا. وعندما دخلت أذربيجان في مناوشة حدودية مع أرمينيا العام الماضي، رفضت روسيا التدخل لصالح أرمينيا، على الرغم من كونها حليفًا رسميًّا لها.

وتوجد ديناميكية مشابهة في كازاخستان، فلو أن كييف استسلمت، لكان من الممكن أن يقرر بوتين غزو كازاخستان، الجمهورية السوفيتية السابقة التي يعيش بها عدد كبير من السكان الروس. وفي حالة تغيير النظام في موسكو، قد تتحرر كازاخستان من قبضة روسيا بالكامل.

تداعيات السقوط

في جنوب القوقاز وفي مولدوفا، قد تتجدد الصراعات القديمة وتشتد حدتها. ووفق المقال، قد تواصل تركيا دعم أذربيجان ضد أرمينيا، وقد تحثها على شن المزيد من الهجمات. وفي سوريا، ستجد تركيا سببًا لتكثيف وجودها العسكري إذا تراجعت روسيا.

وفي حالة غرق موسكو في الفوضى، قد تعمل جورجيا بحرية أكبر، ما يتيح لها مواصلة مسعاها للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي. وإذا انسحب الجيش الروسي من المنطقة، فقد تندلع الصراعات مجددًا بين جورجيا وأوسيتيا الجنوبية من جانب، وبين جورجيا وأبخازيا من جانب آخر.

هذه الديناميكية قد تظهر أيضًا في مولدوفا ومنطقة ترانسنيستريا الانفصالية، التي يتمركز بها الجنود الروس منذ 1992. لكن ترشح مولدوفا لعضوية الاتحاد الأوروبي، في يونيو 2022، قد يوفر مهربًا من هذا الصراع القديم، لأن الاتحاد سيكون مستعدًا لمساعدتها على حل الصراع.

مستقبل بيلاروسيا

سيؤدي تغيير القيادة في روسيا إلى تداعيات هائلة على بيلاروسيا، حيث يتلقى الديكتاتور ألكسندر لوكاشينكو الدعم من الأموال والقدرة العسكرية الروسية. ويرجح المقال أنه إذا سقط بوتين، سيكون لوكاشينكو التالي.

ويلفت المقال إلى إمكانية إقامة انتخابات حرة ونزيهة، ما يسمح للدولة بإنقاذ نفسها من الديكتاتورية، إذا نجحت في عزل نفسها عن روسيا. لكن إذا لم تستطع بيلاروسيا الاستقلال، فقد يمتد الصراع الداخلي الروسي إليها، ما قد يؤثر بدوره في الدول المجاورة، مثل لاتفيا وليتوانيا وبولندا وأوكرانيا.

نظام عالمي جديد

إذا تفككت روسيا وخسرت نفوذها في أوراسيا، فقد يتدخل فاعلون آخرون لشغل مكانها، مثل الصين. ويشير المقال إلى أن الصين تتقدم في آسيا الوسطى، وقد يصبح جنوب القوقاز والشرق الأوسط محطات الزحف التالية لبكين.

وستتطلب روسيا المهزومة والمضطربة داخليًّا نموذجًا جديدًا للنظام العالمي، فالهزيمة الروسية سيكون لها تأثير في الصراعات بأنحاء العالم، مثل الصراعات في إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا. لكن هذا لا يستهل بالضرورة عصرًا ذهبيًّا للنظام والاستقرار.

انتشار الاضطرابات

قد تتسبب الفوضى بموسكو في موجة من الاضطرابات، متمثلة في سلسلة من الحروب الإقليمية، وتدفقات المهاجرين، وعدم اليقين الاقتصادي، وفق المقال. وعلى الغرب تحديد الأولويات الاستراتيجية في حالة انهيار روسيا، لأنه من المستحيل ملء الفراغ الذي ستتركه.

وفي آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، تمتلك الولايات المتحدة وأوروبا فرصة ضئيلة لمنع الصين وتركيا من ملء الفراغ، لذلك ستكون الاستراتيجية الأمريكية الواقعية هي محاولة كبح نفوذهما وتوفير بديل.

هزيمة روسيا وعودتها

سيمثل إرساء الاستقرار في أوروبا الشرقية وجنوب شرقي أوروبا مهمة شاقة، لأن موسكو لن تتخلى عن تطلعاتها في هذه المنطقة بسهولة، وفق المقال.

وختامًا، يقول كاتبا المقال إن روسيا المهزومة ستعيد فرض نفسها في يوم ما وتسعى وراء مصالحها وفق شروطها، مثلما فعلت بعد الحرب العالمية الأولي في 1917، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي في 1991. ولذلك، على الغرب أن يكون مستعدًا، سياسيًّا وفكريًّا، لهزيمة روسيا وعودتها.

ربما يعجبك أيضا