هل اقترب الصراع العسكري بين أمريكا وروسيا؟

آية سيد

على الرغم من أن العملية العسكرية الروسية تظل محدودة حتى الآن، قد تتجاوز عواقب الصراع أوكرانيا وأوروبا وتزعزع استقرار النظام الدولي.


دخلت الحرب الروسية الأوكرانية شهرها الرابع، ويزداد وضوحًا أنه من المستبعد أن يحقق أحد الجانبين انتصارًا حاسمًا الآن خصوصًا مع الدعم الغربي لكييف.

ورغم اعتقاد البعض أن الصراع سيظل محدودًا، يشير الخلاف الأخير بين روسيا وليتوانيا بشأن منع نقل البضائع الروسية إلى كالينينجراد إلى أن المواجهة بين الجانبين قد تخرج عن السيطرة، فهل اقترب الصراع العسكري بين أمريكا وروسيا؟

مخاطر التصعيد

رئيس مركز “ذا ناشيونال إنترست” ومدير المجلة ذاتها، ديمتري سايمز، قال إن عواقب الصراع قد تتجاوز أوكرانيا وأوروبا وتزعزع استقرار النظام الدولي، مكملًا: “إذا حققت أوكرانيا نجاحات تكتيكية بفضل مساعدات الناتو، متجاوزةً الأراضي التي استولت عليها روسيا بعد 24 فبراير، فإن موسكو قادرة على التصعيد الكبير عبر التعبئة العسكرية ووضع الاقتصاد في حالة تأهب للحرب.

التطور الحالي يُجبر واشنطن على الاختيار بين تكبد نكسة عسكرية كبرى أو التصعيد، الذي قد يصل إلى العتبة النووية. وعلى خلفية دعم أمريكا والناتو لأوكرانيا بالأسلحة الهجومية والثقيلة، ذكر سايمز أن انهيار تلك الجهود أمام الأسلحة الروسية سيقوض مصداقية أمريكا وفاعليتها عالميًا، متابعًا: “النتيجة ستكون كارثية لإدارة الرئيس جو بايدن، والديمقراطيين مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر القادم”.

استفزاز روسيا لخوض الحرب

قال سايمز إن الحرب الروسية الأوكرانية التي وصفت بأنها “غير مبررة” لم تحدث دون إنذار أو دون محاولات من روسيا لمعالجة مخاوفها بالطرق الدبلوماسية، وأنه بنهاية 2021 قدمت موسكو قائمة من المطالب الأمنية، أبرزها منع عضوية أوكرانيا في الناتو.

ورغم أن روسيا صاغت المطالب بطريقة غير مقبولة للولايات المتحدة وحلفائها، أوضح سايمز أنه “كانت توجد فرصة لإشراك الروس في حوار جاد حول المسألة ومحاولة إيجاد صيغة دبلوماسية مقبولة للطرفين، إلا أن الولايات المتحدة والناتو رفضوا الإنذار النهائي الروسي وفرضوا جولة جديدة من العقوبات على روسيا وأرسلوا إمدادات سلاح جديدة إلى كييف”.

نجاحات روسية

ذكر سايمز أن “العملية العسكرية للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لم تسير كما هو مخطط لها، فأظهر الجيش الأوكراني مقاومة شرسة، وتشعر إدارة بايدن بالسعادة بسبب الوحدة غير المسبوقة التي حققتها داخل الناتو والغرب، إلا أن حكومة بوتين أيضًا حققت نجاحات هائلة”.

وأضاف: “استطاعت روسيا الوقوف ضد الغرب، وبعد الإخفاقات الأولية، حققت نجاحات تكتيكية في ميدان المعركة في دونباس وجنوب أوكرانيا، وحتى بعد تجميد نصف الذهب واحتياطيات العملة الصعبة للبنك المركزي الروسي، لم تتسبب العقوبات الغربية حتى الآن بأضرار كبيرة لقدرة روسيا على الحفاظ على مستوى طبيعي من النشاط الاقتصادي والحفاظ على مستويات مرتفعة من إنتاج السلاح والذخيرة”.

«حرب وطنية»

نوه سايمز إلى أن بعض الدول المهمة، مثل الصين والهند، رفضت إدانة روسيا، ما يشير إلى رغبتها في الحفاظ على علاقات طبيعية مع روسيا وتعزيز الروابط الاقتصادية معها، مبينًا أن العقوبات الغربية الصارمة أدت إلى التفاف الجزء الأكبر من المجتمع الروسي حول بوتين، وفق ما أظهرت استطلاعات الرأي.

وتابع: “العقوبات الغربية استمرت في النمو واستهدفت الأشخاص ذوي العلاقات العرضية بنظام بوتين، هذا خلق انطباعًا داخل روسيا بأن الهدف الحقيقي هو الشعب الروسي، مشددًا على أن بوتين قاوم تحويل غضب الشعب الروسي من الغرب إلى تصعيد، وتحويل العملية العسكرية الخاصة إلى “حرب وطنية”.

إذلال الوحش الروسي

بحسب سايمز، لا يمكن معرفة الخطوط الحمراء التي قد تدفع بوتين إلى التصعيد من عملية عسكرية محدودة إلى “حرب وطنية”، لكن توجد عديد السيناريوهات المنطقية التي قد تدفع الجانب الروسي للتصعيد. فمثلًا يتحدث المسؤولون الأوكرانيون عن استخدام أسلحة الناتو الحديثة لتدمير جسر القرم واستعادة القرم، وبالنسبة للروس، هذه الخطوة ستشكل هجومًا على الأراضي الروسية.

وأكمل: “بولندا ودول البلطيق، التي تعتبر روسيا وحشًا يجب القضاء عليه أو على الأقل إذلاله، وبعد قطع ليتوانيا خطوط النقل عبر أراضيها إلى كالينينجراد، أصبحت المقاطعة الروسية تعتمد على الإمدادات عن طريق البحر، وما يزيد الأمر سوءًا أن البولنديين يهددون الآن بمنع وصول روسيا إلى كالينيجراد عبر البحر، مشيرين إلى استعدادهم لتحمل مسؤولية توفير الدفاعات الجوية لغرب أوكرانيا”.

الخيارات المتاحة لروسيا

ألمح سايمز إلى وجود زخم متزايد في موسكو لإعداد قائمة بالخيارات المتاحة لروسيا، التي تتراوح من عقوبات اقتصادية مضادة إلى إجراءات نشطة، مبينًا أن السيناريو الأكثر تداولًا لكن الأقل ترجيحًا هو استخدام الصواريخ النووية الاستراتيجية ضد الولايات المتحدة وتدمير الساحل الشرقي.

في هذا الصدد، إذا عانت روسيا من هزائم كبرى تهدد سيطرتها على القرم أو كالينينجراد، أو قدرتها على تصدير الغذاء والطاقة، أو استقرارها المالي والداخلي، سيتوافق استخدام الأسلحة النووية التكتيكية مع العقيدة العسكرية الروسية.

التوصل إلى اتفاقية

نظرًا للأهداف المتضاربة لروسيا وأوكرانيا، وسيولة الوضع في أرض المعركة، فإن التوصل لاتفاقية في هذه المرحلة يظل مستبعدًا تمامًا، إلا أن هذا لا يعني قبول استمرار الحرب بين موسكو وكييف، دون حوار هادف بين واشنطن وموسكو. ولفت سايمز إلى أن الخطر اليوم يتمثل في الصراع الأوسع، الذي قد يشتعل في أي لحظة، وفق سايمز.

ونوّه بأنه لا يمكن للأوكرانيين، ولا ينبغي لهم الاعتراض على عملية صنع القرار الأمريكية، التي تشمل أنواع وكميات الأسلحة، ونوع العلاقة التي تختار واشنطن تبنيها مع الدولة الوحيدة القادرة على تدميرها، مكملًا: “بوتين أظهر استعداده وقدرته على اتخاذ قرارات عسكرية جريئة، ونظرًا لأنه نشأ في ثقافة سياسية مختلفة، فإن افتراض أن موسكو ستعمل وفق المفاهيم الأمريكية للحذر قد يؤدي إلى سوء تقدير فادح”.

ربما يعجبك أيضا