هل الحرب في غزة ستعيد تشكيل الشرق الأوسط؟

كيف يمكن لواشنطن تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط؟

شروق صبري
حرب أعادت تشكيل الشرق الأوسط

قبل 7 أكتوبر 2023، بدا وكأن رؤية الولايات المتحدة للشرق الأوسط قد بدأت تؤتي ثمارها أخيرًا، لكن في ظل تقديم الدعم الإيراني الثابت لحماس، عززت صورتها كمدافع عن الفلسطينيين، وزاد من شعبيتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط.


انبعاث القضية الفلسطينية من جديد على إثر عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حركات المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضي، أظهر أن “محور المقاومة” الذي تقوده إيران، ويضم بالإضافة إلى حماس وحزب الله، الميليشيات الشيعية في كل من العراق وسوريا والحوثيين في اليمن، قادر على تغيير اتجاه سياسة الشرق الأوسط، من خلال التصعيد.

وكانت واشنطن قد توصلت إلى تفاهم ضمني مع طهران بشأن برنامجها النووي يقضي بوقف إيران المزيد من التطوير مقابل الحصول على إعانة مالية محدودة. وفي الوقت ذاته كانت الولايات المتحدة تعمل على إبرام اتفاقية دفاعية مع المملكة العربية السعودية، كما أعلنت واشنطن عن خطط لإنشاء ممر تجاري طموح يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط لتعويض نفوذ الصين المتزايد في المنطقة، وكل ذلك كان في إطار فرض السياسة الأمريكية في المنطقة.

التوترات بين طهران وواشنطن

قالت مجلة فورين أفيرز الأمريكية، اليوم الاثنين 20 نوفمبر 2023: “رغم أن التوترات بين طهران وواشنطن كانت أقل مما كانت عليه في الماضي، إلا أنها ظلت مرتفعة، لكن هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي قلب رؤية الولايات المتحدة رأسًا على عقب، إذ أن الهجوم أوضح أن الشرق الأوسط منطقة شديدة الانفجار.

الهجوم الموسع الذي شنته حماس من قطاع غزة واخترق فيه مقاتلوها جدارًا حدوديًا عالي التقنية، واجتاحوا بلدات جنوب إسرائيل، وقتلوا ما يقرب من 1200 شخص، واحتجزوا أكثر من 240 رهينة، أدى إلى رد فعل عسكري إسرائيلي مروع، وكارثة إنسانية في غزة، مع سقوط أعداد كبيرة من القتلى والنازحين الفلسطينيين، وزاد خطر نشوب حرب إقليمية أوسع نطاقًا.

استعراض قوة حماس

فيما استمر الدعم الإيراني لحماس في الوقت الذي تقول فيه طهران إنها ليست حريصة على صراع أوسع نطاقًا.

لا يزال نفوذ الولايات المتحدة يلوح في الأفق بشكل كبير في الشرق الأوسط. لكن دعمها للحرب التي تخوضها إسرائيل أدى بالتأكيد إلى تعريض مصداقيتها في المنطقة للخطر. وقد أضر هذا الدعم أيضًا بمكانة واشنطن في الجنوب العالمي على نطاق أوسع، خاصة أن ادعاء إسرائيل بالدفاع عن النفس تحول إلى عقاب جماعي للمدنيين الفلسطينيين.

 

حماس

حماس

 

استراتيجية جديدة للشرق الأوسط

الآن يتعين على الولايات المتحدة صياغة استراتيجية جديدة للشرق الأوسط، والتي تتعارض، فواشنطن لم تعد قادرة على إهمال القضية الفلسطينية. وعليها أن تجعل حل هذا الصراع محور مساعيها، لأنها لن تتمكن من معالجة أي قضية أخرى في المنطقة بما في ذلك مستقبل العلاقات العربية الإسرائيلية، ما لم يكن هناك طريق موثوق إلى دولة فلسطينية مستقبلية.

يجب على واشنطن أيضًا أن تتعامل مع قوة طهران المتصاعدة، التي هزت الشرق الأوسط. إذا أرادت سلامًا في المنطقة، فيجب عليها إيجاد طرق جديدة لتقييد إيران ووكلائها. وبنفس القدر من الأهمية سيتعين عليها تقليل رغبتها في تحدي النظام الإقليمي، وهذا سيحتاج إلى اتفاق جديد يوقف مسيرة إيران نحو تحقيق القدرة على صنع أسلحة نووية.

ولتحقيق هذه الأهداف، لا يتعين على الولايات المتحدة أن تتخلى عن كل ما عملت من أجله، لكن سيكون عليها ترسيخ خطتها الجديدة للمنطقة في شراكتها مع المملكة العربية السعودية، التي لديها علاقات عمل مع إيران والعالم العربي بأكمله. ويمكن للرياض استخدام نفوذها الموسع للمساعدة في إحياء المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية ومساعدة الولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران. ويمكن للرياض وواشنطن معًا إنشاء الممر الاقتصادي في الشرق الأوسط الذي تحتاجه الولايات المتحدة لتحقيق التوازن في مواجهة الصين.

الصراع العربي الإسرائيلي

هذا الإطار الجديد قابل للتحقيق، وإذا نُفذ بشكل صحيح، فإنه سيؤدي إلى خفض التوترات الإقليمية وإرساء السلام الدائم. وحاليًا يبدو أن الصراع العربي الإسرائيلي قد انتهى، حتى لو استمر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إذ أبرمت إيران صفقة فعالة مع الولايات المتحدة للحد من تقدم برنامجها النووي وطبعت العلاقات مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى. وبدا أن المنطقة تعتني بنفسها، مما أطلق العنان لواشنطن للتركيز على آسيا وأوروبا.

ولذلك يبدو أن واشنطن بالغت في تقدير مدى استقرار هذا الوضع، لأن الرئيس الأمريكي جو بايدن لم يفكر كثيرًا في كيفية حصوله على موافقة مجلس الشيوخ على معاهدة دفاع مع المملكة العربية السعودية، رغم أن المعاهدة قد تنطوي على تزويد المملكة بأسلحة متقدمة وبنية تحتية نووية مدنية.

وافترضت الولايات المتحدة خطأ أن دول الشرق الأوسط الأخرى لن تحتج، لأن ذلك عزز سعي الرياض للهيمنة الإقليمية. واعتبرت واشنطن أن طهران، كانت حريصة جدًا على تطبيع العلاقات مع الدول العربية ومنشغلة جدًا بالاضطرابات الداخلية ولا يمكنها التدخل في الخطط الأمريكية، ولكن كانت إيران مستمرة في تعزيز ورعاية وكلائها المسلحين.

القضية الفلسطينية

الخطأ الأكبر الذي ارتكبته واشنطن هو اعتقادها أنه يمكنها أن تتجاهل القضية الفلسطينية في وقت تستمر فيه حرب الظل بين إيران وإسرائيل، وهو ما ألقى بتأثيراته مع القضية الفلسطينية، والتصعيد الحالي فيها.

وتدفع هذه الاتجاهات مجتمعة المنطقة نحو صراع أوسع نطاقًا، خاصة إذا فقدت دول المنطقة ثقتها في الولايات المتحدة ما قد ينذر بحرب كبيرة، لذلك ستجد واشنطن نفسها أمام حتمية إعادة النظر في افتراضاتها الأساسية، وتجديد التزامها تجاه الشرق الأوسط، ووضع رؤية جديدة للمنطقة.

ربما يعجبك أيضا