هل العقوبات الاقتصادية وسيلة ناجحة في السياسة الدولية؟

أحمد ليثي

فرضت الولايات المتحدة عقوبات على العديد من الدول، لكن العقوبات لا تجدي إلا إذا التزمت بها جميع الدول


بعد أقل من 24 ساعة من نشر روسيا قوات عسكرية في شرق أوكرانيا، أرسل الغرب رسالة واضحة مفادها أن عدوان موسكو لن يمر دون رد، لكنه قد يحتفظ بذلك إلى وقت لاحق.

بحسب سي إن إن بيزنس، أوقفت ألمانيا التصديق على خط أنابيب “نورد ستريم 2” يوم أمس الثلاثاء، في أقوى تحرك اتٌخذ حتى الآن لفرض عقوبات اقتصادية ومالية على روسيا، منذ اعتراف الرئيس فلاديمير بوتين باستقلال جمهوريتي لوغانسك ودونستيك من شرق أوكرانيا وأمر قواته بدخول الأراضي الانفصالية، ما يطرح تساؤلات حول الجدوى السياسية من فرض عقوبات اقتصادية ومدى تأثيرها؟

هل العقوبات الاقتصادية مجدية؟

يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد، آدم روبرتس، للمصدر نفسه: “يوجد عدد قليل جدًا من الحالات التي يمكن أن تقول إن العقوبات حققت فيها نجاحًا، مثل العقوبات التي فرضت على الأقلية البيضاء في روديسيا التي أدت إلى حكم الأغلبية السوداء، إضافة إلى العقوبات ضد جنوب إفريقيا التي كانت أحد العوامل المساهمة في التغيير”.

في يوليو 2010، وقع الرئيس باراك أوباما سلسلة من العقوبات الثنائية الأكثر صرامة ضد إيران، وكان القصد من ذلك قلب الطاولة على طهران وتعزيز العقوبات الحالية التي يفرضها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على أمل أن توقف طهران أنشطتها النووية وبرنامج تخصيب اليورانيوم، لكن العقوبات لم تأتِ بنتائج تذكر.

لماذا تلجأ الحكومات القوية إلى العقوبات؟

الدبلوماسي المخضرم السير جيريمي جرينستوك، سفير بريطانيا لدى الأمم المتحدة بين عامي 1998 و2003 يوضح لبي بي سي في تقرير نٌشر في يوليو 2020، أن السبب الأساسي لشعبية العقوبات إنها حل وسط بين الكلمات والعمل العسكري إذا كنت تريد ممارسة الضغط على حكومة ما، خصوصًا أن العمل العسكري لا يحظى بشعبية.

وبحسب الدبلوماسي الذي عمل في المكتب البيضاوي في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإبن، نيكولاس بيرنز، “حتى تكون العقوبات ذات فائدة، يجب أن تلتزم بها جميع الدول، لكن فيما يتعلق بإيران، فإن هذا لا يحدث، لأن العديد من الدول تتجاهل العقوبات مثل الصين”.

آثار العقوبات الاقتصادية في حالة العراق

أصابت الهجمات الجوية في الحرب التي قادتها الولايات المتحدة لتحرير الكويت البنية التحتية للعراق بشدة، وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على بغداد منعتها من التصدير والاستيراد، لكن بحسب دراسة البروفيسور جون جوردون التي نشر مقتطفات منها موقع بروكنجز، “العقوبات فاقمت من الوضع الصعب بالفعل، لدرجة أن الآثار كانت مدمرة”.

ويقول: “كان لدى بغداد الثروة اللازمة لإعادة البناء، لكن الدمار الذي لحق بالبنية التحتية ثم الانقطاع التام تقريبًا للصادرات والواردات، أعاد العراق لدولة ما قبل صناعية، وهي قريبة من تلك الحالة بعد انقضاء 3 عقود على فرض العقوبات، وأدى إلى موت العديد من الأطفال نتيجة فرض العقوبات حتى قُدر العدد بين 670 ألفًا و880 ألفًا.

تأثير العقوبات على الاقتصاد العالمي

أشار معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، في ورقة صدرت العام الماضي، إلى أن الصادرات الأمريكية كانت أقل من 15 إلى 19 مليار دولار عام 1997، لكنها كانت ستكون أكبر من ذلك لولا الآثار غير المباشرة للعقوبات، بل استمر النقص في الصادرات الأمريكية السنوية إلى البلدان المستهدفة بالعقوبات مثل إيران وليبيا والعراق، لكن في حالة عدم وجود عقوبات، فإن الصادرات كانت سترتفع عادةً مع زيادة مستويات دخلها.

في حوار بموقع ناشونال بابلك راديو، يقول أستاذ السياسة الدولية بكلية فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تفتس دانيال دريزنر، إن فرض العقوبات على منتج معين، كالنفط، يعطي الفرصة للسوق السوداء كي تزدهر، وبالتالي، لن يكون للعقوبات تأثير على البلد المصدرة للنفط، لأنها ستبيع نفطها لمن يحتاجه على كل حال، وبالتالي هذا النفط لا يفيد دورة الاقتصاد العالمية سواء كان كنفط خام أو سيولة نقدية.

جدوى العقوبات على روسيا

 مساعد وزير الخارجية السابق للشؤون الأوروبية والأوروبية الآسيوية، فيكتوريا نولاند، بينت لموقع صوت أمريكا، في فبراير الحالي، أنه يجب إعادة التفكير فيما إذا كانت العقوبات الاقتصادية ستكون فعالة في حالة روسيا، حصوصًا أنها لم تكن بالفعالية التي أملناها في حالة إيران.

وقال مسؤولون أمريكيون للمصدر نفسه، إن الرئيس الأمريكي جو بايدن يعتزم مراجعة العقوبات المفروضة بالفعل على روسيا، بهدف إعادة تعديل العقوبات لزيادة تأثيرها الفوري، كجزء من محاولة صياغة استراتيجية غربية أكثر عنفًا تجاه روسيا، تجمع بين السياسات العسكرية والاقتصادية والطاقة والدبلوماسية والاتصالات، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت هناك مراجعة فعلية حدثت.

ردود فعل من الداخل الروسي

بالنسبة للمواطن الروسي، يمكن أن تعني الإجراءات الأمريكية ارتفاع أسعار المواد الغذائية والملابس، أو انخفاض قيمة المعاشات التقاعدية وحسابات التوفير بشدة بسبب انهيار الروبل أو الأسواق الروسية.

وذكر النائب الأول السابق لرئيس البنك المركزي الروسي والرئيس السابق لشركة ميريل لينش روسيا، سيرجي ألكساشينكو، أن فرض العقوبات سيكون كارثة للسوق المالية المحلية، منوهًا بأن الروبل انخفض بالفعل بأكثر من 10% من قيمته في أكتوبر مقابل الدولار، وسط تزايد الحديث عن عقوبات غربية.

في إشارة إلى الجدية المتزايدة، تحدث مسؤولون من مجلس الأمن القومي مع المديرين التنفيذيين من بعض أكبر البنوك في وول ستريت، بما في ذلك جولدمان ساكس وسيتي جروب وجيه بي مورجان تشيس وبنك أوف أمريكا، بشأن استقرار النظام المالي العالمي في الولايات المتحدة، بعد العقوبات المحتملة، وحذر البنك المركزي الأوروبي البنوك المقرضة لروسيا من المخاطر إذا فرضت واشنطن عقوبات وسأل عن حجم قروضهم.

ربما يعجبك أيضا