هل تذهب طهران للزراعة في غانا بعد أزمة عجز المياه في إيران

يوسف بنده

 رؤية – بنده يوسف
 
لم تعد معضلة شحّ المياه مجرد مخاوف بعيدة أو خطر مؤجل على بعد عقود من الزمن في إيران، فأزمة المياه التي تواجهها البلاد نتيجة ندرة المصادر والاستنزاف الشديد للموارد المائية، تكشف أن النظام الإيراني وعلى العكس من مخططاته التي يوظفها لمدّ نفوذه الإقليمي بدول الجوار فشل في صياغة استراتيجية للتوقي من أكبر خطر يتهدده خلال السنوات المقبلة.
 
أدت عقود من إساءة استخدام مصادر المياه في إيران إلى أزمة شح كبير في المياه العذبة، وقد ساعدت على تعميقها عوامل أخرى مثل الجفاف وارتفاع درجات الحرارة.
 
وشح المياه مشكلة يشعر بها معظم سكان إيران وكانت من بين العوامل التي أدت إلى موجة الاحتجاجات ضد نظام الملالي، بحسب ما يقول الباحث أمير توماج في مقال نشرته مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات.
 
ويضيف توماج، إن “سياسات الحكومات الإيرانية المتعاقبة أدت بشكل منهجي إلى الإسراف في استخدام المياه” إضافة إلى عوامل أخرى مثل “الفساد وانعدام الرؤية الصائبة وبناء الحرس الثوري السدود من دون عوائق وعدم كفاية الهياكل الأولية لتوزيع المياه والمشاريع الزراعية غير المجدية وتدني نوعية المياه”.
 
ويضرب توماج مثالا “بارتفاع نسبة الملوحة بسرعة كبيرة في نهر كارون، أحد أكبر أنهار إيران، وذلك بعدما بنى الحرس الثوري عليه سد كوتفند في أرض قريبة من أحواض ملحية، رغم التحذيرات من آثار المشكلة”.
 
وقد أدى ارتفاع نسبة الملوحة “إلى إتلاف الأراضي الزراعية في خوزستان، المحافظة الغنية بالنفط والتي كانت مركزا زراعيا هاما لمئات السنين. ورغم أن النظام الحاكم أدرك خطورة المشكلة لكنه لم يفعل شيئا لمعالجتها” أو للحد من آثارها.
 
وتبدو تبعات سوء الإدارة جلية للعيان في عموم إيران “فبحيرة أرومية وعدة أنهار رئيسية كان مصيرها الجفاف” ما دفع بالكثير من سكان الأرياف “للهجرة إلى مدن الأكواخ في المناطق الحضرية” ويعترف مسؤولون في الحكومة الإيرانية بأن “ربع سكان البلاد باتوا يقطنون تلك المدن”. وهذه كما يرى توماج “تربة خصبة للاضطراب الاجتماعي والسياسي” والدليل أن “المناطق المتضررة شهدت احتجاجات متصاعدة في العقد الأخير”.
 
وينقل توماج عن وزير الزراعة الإيراني السابق عيسى كالانتاري تحذيره من أن “50 مليون إيراني، أي 70 في المئة من سكان البلاد سيضطرون لمغادرتها خلال 22 عاما”. ويضيف توماج أن “بقاء هذه المشكلة من دون حل قد تكون له تبعات خطيرة على الأمن العالمي” وقد تنجم عنها صراعات كبيرة في المنطقة وقد تفضي إلى “تدفق غير مسبوق للاجئين الإيرانيين إلى دول الجوار”.
 
ويدعو توماج الولايات المتحدة إلى وضع قائمة “بالفاسدين والمؤسسات المتورطة في اتخاذ قرارات أدت إلى مفاقمة أزمة المياه في إيران بما فيها الشركات المملوكة للحرس الثوري”.
 
ويخلص توماج إلى اقتراح للإدارة الأميركية بأن “تمنح تراخيص لشركات تحلية المياه الأميركية لبيع التقنيات والمعدات لإيران” رغم العقوبات المفروضة عليها، على أن يكون ذلك مشروطا “بالتزام طهران بالشفافية التامة، والتي يمكن التأكد منها من مصادر دولية مستقلة”.
 
وبعد الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها مدن إيران، وجدنا رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو يدعو الشعب الإيراني إلى التعاون، من أجل مساعدته في الحصول على المياه الصالحة وتحليتها.
 
الماء والسياسة
 
في حوار خاص مع شبكة بي بي سي البريطانية، قال كاوه مدني، المساعد السابق لنائب الرئيس الإيراني للشؤون البيئية، أن جزءا من الاقتصاد السياسي في إيران كما في الدول المجاورة يعتمد بشكل رئيسي على المياه؛ لأن الجزء الأكبر من الوظائف في القطاع الزراعي يعتمد على المياه. والنسبة الأكبر من العائلات تعتمد على القطاع الزراعي، بشكل مباشرة أو غير مباشر.
 
وعندما تشح المياه، يصبح الاقتصاد السياسي تحت الضغط. فعلى مستوى الدخل الوطني لا تشكل الزراعة نسبة كبيرة، هي مثلا 10 بالمئة، لكن على مستوى الوظائف هي أهم بكثير. وتقديم الماء للمزارعين يعني إبعادهم عن السياسة ومراقبة السلطة، ولكن إذا هاجروا إلى المدن سيؤدي ذلك إلى كارثة، لأنهم سيطالبون بالوظائف وبالإصلاح السياسي والاقتصادي.
 
الذهاب إلى غانا
 
يبدو أن الحكومة الإيرانية بدأت تفكر بشكل جاد في الذهاب للزراعة في أفريقيا؛ لتوفير الأمن الغذائي بعد أزمة المياه الحادة التي تعاني منها إيران والمنطقة؛ خاصة أن تكون الزراعات في الخارج للأنواع التي تستهلك حجمًا كبيرًا من المياه.
 
يقول تقريرٌ صادر عن البنك الأفريقي للتنمية، نشرته صحيفة لوبوان الفرنسي، “تمتلك أفريقيا القدرة على زيادة قيمة إنتاجها الزراعي السنوي من 280 مليار دولار في 2010 إلى 500 مليار دولار بحلول العام 2020”.
 
ويؤكد التقرير أيضًا، أن أفريقيا لديها القدرة على جذب 880 مليار دولار من الاستثمارات في الزراعة بحلول العام 2030.
 
ويضيف التقرير “العائدات المتوقعة ينبغي أن يكون لها تأثير كبير على طلب أفريقيا على منتجات أساسية، مثل الأسمدة، والبذور، والمبيدات والآلات”. “وينبغي أن يؤدي هذا أيضًا إلى تحقيق النمو في الأنشطة المرتبطة بالزراعة، مثل إنتاج الوقود الحيوي، وصقل الحبوب، والزراعة الغذائية”.
 
وهو ما يدفع دولة أفريقية مثل غانا إلى البحث عن مساعدات إيران في مجال الزراعة، وهو ما يمكن أن تستفيد منه طهران للاستثمار في المجال الزراعي هناك، وكذلك لتحقيق النفوذ في منطقة غرب أفريقيا.
 
تطورت العلاقات بين إيران وغانا في العام 2013 حينما زارها الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، على رأس وفد سياسي واقتصادي. واستمرت قوة العلاقة بين البلدين في عهد خلفه، حسن روحاني، حيث قدم دعوة لرئيس غانا لزيارة إيران في العام 2016م.
 
وخلال فترة الولاية الثانية للرئيس روحاني، زار نائب رئيس برلمان غانا، البان سامانا، العاصمة الإيرانية طهران في أغسطس 2017، وأشار رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني، إلى رغبة طهران   في الاستثمار بقطاع الزراعة
الحديثة وانتاج المحاصيل الزراعية خارج اراضيها لاسيما في غانا.
 
وفي إشارة إلى خطوات عملية، في أبريل/ نيسان 2018، أشاد وزير المنطقة الشمالية في غانا، سيلفو سعيد، بالخبرة القيمة التي تتمتع بها إيران في مجال الأبحاث والتدريب والتسويق الزراعي، ودعا طهران لتقديم المساعدة لغانا في مجال التدريب الزراعي.
 
وبعد تجدد الأزمات في مدن إيران الجنوبية بسبب شح المياه، دعا السفير الايراني لدي غانا، نصرت الله مالكي، حكومة بلاده للاستثمار الزراعي في غانا. وقال إن زراعة المحاصيل الزراعية خارج البلاد طريقة ناجعة ومثلي لتلبيه الطلب المحلي علي المواد الغذائية ولتوفير استهلاك المياه نظراً الي ظاهرة الشحة في المياه التي تعاني منها ايران.
 
وحسب وكالة إيران الرسمية للأنباء، قال مالكي، إن غانا تتمتع بظروف ملائمة لهذا النوع من الزراعة العابرة للحدود إذ تتوفر إمكانية زراعه أنواع الرز الايراني علي أراضيها وذلك نظراً الي حاجة ايران السنوية للرز البالغة ثلاثة ملايين طن. كما تتمتع غانا بوجود فرص إستثمار في الاراضي الزراعية الخصبة المنتشرة هناك، والمصحوبة بوجود أيد عاملة رخيصة وتوفُّر درجة عالية من أمن الإستثمارات.
 
النفوذ في غانا
 
يشكل المسلمون الغالبية العظمى في معظم في دول الغرب الأفريقي، ولذلك أوجدت إيران لنفسها موطئ قدم في تلك الدول كنيجيريا والسينغال، وبدأت مرحلة التأسيس منذ السبعينيات والثمانينات بشكل خاص، تزامناً مع هجرة أعداد كبيرة من المهاجرين اللبنانيين من الطائفة الشيعية إبان الحرب الأهلية.
 
فيقول، د. إم. سيي من قسم الدراسة الدينية في جامعة كيب كوست الغانية في دراسة حول المجتمع الإسلامي في غانا، بأن التشيع بدأ يدخل غانا بعد قيام الثورة الإيرانية بعدة طرق، أهمها مساعدة المسلمين السنة فقط، عن طريق مراكزها الثقافية، خصوصاً في مناطق الشمال التي تتركز خدماتها فيها، ولم تكن تدعوهم للتشيع، بل على العكس كانت تقدم لهم تذاكر السفر لأداء العمرة سنوياً وترمم منازلهم ومساجدهم.
 
ومع بداية هجرة اللاجئين اللبنانيين في بداية الثمانينات، تزايد نشاط الدعوة الشيعية، وبدأت منظمات كمنظمة الكوثر في بناء المساجد وتنظيم الاحتفالات الدينية الشيعية كالاحتفال بيوم القدس وعاشوراء وغيرها.
 
واليوم تقدر الإحصائيات بأنه يوجد في غانا وحدها ما لا يقل عن 1.18 مليون ممن يتبعون المذهب الشيعي وهم في ازدياد.
 
والمسألة الشيعية من أهم الأدوات التي تستخدمها إيران للتواجد في بلد وتحقيق النفوذ فيه، وهو ما يدفعها للحفاظ على علاقتها مع بلد أفريقي مثل غانا، والاهتمام بالاستثمار هناك.

ربما يعجبك أيضا