هل تستطيع أمريكا المحاربة على جبهتين؟ جولة في المراكز البحثية

آية سيد

هل يستطيع الجيش الأمريكي المحاربة على جبهتين في وقت واحد؟ وكيف يؤثر تباطؤ التجارة العالمية على مبادرة الحزام والطريق الصينية؟ وما انعكاسات الاتفاق النووي الإيراني المُعدّل؟


وضعت الحرب الروسية الأوكرانية، وتهديدات موسكو ضد دول الناتو مصحوبةً بصعود الصين في آسيا، الولايات المتحدة في مأزق استراتيجي.

وفي تحليل نُشر على موقع مؤسسة هيرتيج الأمريكية، في 29 مارس 2022، رأى المحللان جيمس دي باين، وأوكتافيان ميلر، أن أمريكا في مأزق استراتيجي يتمثل في حاجتها لأن تصبح قادرة على ردع وربما محاربة خصمين كبيرين في منطقتين مختلفتين تمامًا في الوقت نفسه بجيشها الحالي.

هل يستطيع الجيش الأمريكي المحاربة على جبهتين؟

وأضاف التحليل: “رغم أن هذا الاحتمال مستبعد حاليًا، لكن يجب على واشنطن أن تكون قادرة على حماية الأمريكيين بالخارج والحلفاء وحرية استخدام البحر والجو والفضاء والفضاء السيبراني لكونها قوة عالمية ذات مصالح ومسؤوليات حول العالم”.

ذكر التحليل، أن الجيش الأمريكي أصبح أصغر وأقدم من المحاربة على عدة جبهات بسبب الخفض التدريجي لقواته منذ الحرب الباردة و20 سنة من القتال في الشرق الأوسط، في الوقت الذي تنفق الصين وروسيا جزءًا كبيرًا من ناتجهما الاقتصادي على الميزانية الدفاعية بغرض تحدي التفوق العسكري الأمريكي.

مقارنة مع الجيشين الصيني والروسي

الحكومة الصينية توسع قواتها العسكرية سريعًا، ولعل المثال الأوضح هو برنامج بناء السفن فبنهاية 2020 كان حجم البحرية الصينية 360 سفينةً تقريبًا، مقارنةً مع 297 سفينةً في الأسطول الأمريكي. ومن المحتمل أن تؤدي التقدمات الكبرى للصين إلى تحول كبير في ميزان القوة العسكرية العالمي.

روسيا أيضًا، تتفوق على الولايات المتحدة في مزايا محددة عندما يتعلق الأمر بالقدرات العسكرية، فمثلًا الجيش الأمريكي يمتلك 6 آلاف دبابة تقريبًا، وتمتلك روسيا 12 ألفًا، وكذلك تتفوق القدرات النووية التكتيكية الروسية على نظيرتها الأمريكية بنحو 10 إلى 1، وأشار التحليل إلى التهديد الذي تشكله إيران وكوريا الشمالية بترسانتيهما الصاروخية وبرامجهما النووية.

وضع الجيش الأمريكي حاليًا

بين التحليل أن جودة القوة العسكرية الأمريكية لا تُضاهى لكن حجمها في أدنى مستوى تاريخي له، ما يحد من قدرتها على مواجهة تهديدات متعددة في مناطق مختلفة. وبحسب مؤشر القوة العسكرية الأمريكية 2022، وهو تقييم سنوي صادر عن مؤسسة هيرتيج, فإن القوة المشتركة القادرة على التعامل مع عدة جبهات في وقت واحد يجب أن تتكون من “50 فرقة لواء مقاتلة مقارنة بـ31 حاليًا، و400 سفينة على الأقل بدلًا من 297 حاليًا”.

وبحسب التحليل، بعض معدات الجيش قديمة بشدة والكثير من منصات الإطلاق دخلت الخدمة منذ أكثر من 30 عامًا، وسيكون من الأسهل على المنافسين تحقيق التكافؤ التكنولوجي مع الجيش الأمريكي. لذلك تحتاج واشنطن لقوة قادرة على إدارة صراعين في آن واحد.

مبادرة الحزام والطريق وتباطؤ التجارة العالمية

نشر معهد أبحاث السياسة الخارجية الأمريكي، تحليلًا للباحث فيليكس تشانج، في 28 مارس 2022، رأى فيه أن الخطر بعيد المدى الذي قد يواجه مبادرة الحزام والطريق الصينية هو تباطؤ التجارة العالمية، منوهًا بأنه في الفترة من 1986 حتى 2011، نمت التجارة العالمية أسرع من الناتج المحلي الإجمالي العالمي, ما حفّز الطلب على المزيد من البنية التحتية، لكن منذ ذلك الحين، تباطأت التجارة العالمية وتأخر نموها عن نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وذكر الباحث أن جائحة كوفيد-19 التي بدأت في الصين في 2020، فاقمت الوضع عبر تفكيك سلاسل الإمداد العالمية، وأنه بعدما بدأت التجارة العالمية في التعافي العام الماضي جاءت الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022 لتعطلها مجددًا، ليظل التعافي ضعيفًا وتعثرت تجارة الدول الأقل نموًا عن الدول الأكثر تقدمًا.

كيف تأثر النمو الاقتصادي الصيني؟

وفقًا للباحث، تباطأ النمو الاقتصادي الصيني بسرعة أكبر بعد 2017، وأصبح تحقيق التقدم السنوي 7% يبدو صعبًا، وللحفاظ على اقتصادها من التباطؤ بوتيرة أسرع، وخفضت بكين نسبة الاحتياطي الإلزامي 9 مرات لبنوكها الكبرى و13 مرة لبنوك المجتمعات الريفية في الفترة بين 2018 و2021، لكن يبدو أن النمو الاقتصادي الصيني يتجه نحو 5.5% في 2022 وربما أقل في 2023.

ومن المرجح أن يؤدي انخفاض النمو الاقتصادي الصيني، مصحوبًا بتحول الصين إلى اقتصاد يقوده الاستهلاك إلى تهدئة التجارة العالمية، ما ينذر بالسوء لمشروعات البنية التحتية لمبادرة الحزام والطريق في الدول النامية التي تحتاج لأحجام أكبر من التجارة للوفاء بالتزامات ديونها.

الانعكاسات الخطيرة للاتفاق النووي الإيراني المُعدّل

نشرت مؤسسة هيرتيج الأمريكية، تحليلًا للباحث جيمس فيليبس، في 28 مارس 2022، رأى فيه أن الشرطين الإيرانيين برفع الحرس الثوري الإيراني من قوائم الإرهاب والحصول على ضمان بألا تنسحب الولايات المتحدة من الاتفاق، للتوقيع على الاتفاق النووي سيكون لهما انعكاسات خطيرة.

وشدد على أن النظام الإيراني سيستفيد من الاتفاق الجديد أكثر من القديم، كونه سيمنح الحرس الثوري الإيراني مكاسب اقتصادية هائلة سيستخدمها لتمويل الأنشطة الخبيثة، فضلا عن أن رفع العقوبات عن إيران سيُمكّنها من جمع مليارات الدولارات لتمويل أجندتها السياسية العدائية، ودعم بناء الجيش الإيراني، وتوسيع شبكتها الإرهابية الوكيلة وربما برنامجها النووي.

كيف تستفيد موسكو وبكين؟

ذكر فيليبس أن الدول التي تهددها إيران ستسعى لحماية أمنها عن طريق تحسين العلاقات مع روسيا والصين ما يمنحهما مكاسب اقتصادية واستراتيجية وسياسة خارجية ضخمة بموجب الاتفاق، الذي سيزيل الحواجز أمام العلاقات الأوثق مع طهران، منوهًا بأن الاتفاق قد يؤدي إلى احتدام حرب الظلال بين إيران وإسرائيل، التي شنها الحرس الثوري الإيراني ووكلاؤه في غزة والعراق ولبنان وسوريا واليمن.

وأشار إلى أن موسكو بالإضافة إلى حصولها على حصانة من العقوبات النووية الأمريكية ستكسب عميلًا كبيرًا لأسلحتها والكثير من الأموال، وأن الصين التي وقّعت شراكة استراتيجية مع طهران العام الماضي بقيمة 400 مليار دولار ستتمكن من الوصول إلى مصدر كبير لواردات النفط، بالإضافة إلى زيادة التجارة وامتلاك حليف نشط في منطقة حيوية غنية بالنفط.

ربما يعجبك أيضا