هل تغير المناخ وراء نفوق الكائنات البحرية بجميع أنحاء العالم؟

بسام عباس
حوت نافق على أحد الشواطئ

في واقعة أثارت علامات استفهام عديدة، طفت ملايين الأسماك والكائنات البحرية النافقة في جميع أنحاء العالم، ما ترك الخبراء في حيرة بشأن الأسباب.


تموت الكائنات البحرية والأسماك النهرية بأعداد كبيرة، في جميع أنحاء العالم، في مشهد يثير مخاوف بيئية لا يمكن تجاهلها.

وظهرت على سواحل فلوريدا ملايين الأسماك النافقة، وطفت حيتان على شواطئ ولاية نيو جيرسي، والعديد من الكائنات البحرية على سواحل نيوزيلندا، في حين طفت ملايين الأسماك النافقة على نهر في جنوب شرق أستراليا، ونفوق جماعي في بولندا.

تغير المناخ

قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إن تغيّر المناخ يلعب دورًا أساسيًّا في طبيعة نفوق الأسماك، وأدى إلى نفوق ملايين الأسماك والكائنات البحرية خلال السنوات الماضية، فحسب بعض العلماء يؤدي إلى تكاثر الطحالب وغيرها من الكائنات، التي تحرم الأسماك من الأكسجين.

وأضافت، في تقرير نشرته الأربعاء 29 مارس 2023، أن ارتفاع درجة حرارة المحيطات وموجات الحرارة البحرية تؤدي إلى إخراج الكائنات البحرية من موائلها الطبيعية، ويشتبه في الأنشطة البشرية، بما في ذلك الشحن الساحلي، في أنها وراء سلسلة من وفيات الثدييات البحرية الأخيرة في الولايات المتحدة.

المد الأحمر القاتل

قالت الصحيفة إن تكاثر الطحالب الضارة، التي يطلق عليها “المد الأحمر”، تسببت في نفوق عشرات الأسماك، وظهورها على الشواطئ في جنوب شرق فلوريدا في الأسابيع الأخيرة، وتسبب حدث مماثل للمد الأحمر في مقتل آلاف الأسماك في منطقة خليج سان فرانسيسكو، الصيف الماضي.

1

المد الأحمر

وأوضحت أن الطحالب سميت بذلك لأنها تلطخ المياه باللون الأحمر بنسبة كبيرة، مشيرة إلى أن هذه الطحالب تنمو عندما تهب الرياح عبر سطح المحيط، فتدفع تلك المياه بعيدًا، وتجلب مياهًا أعمق وغنية بالمغذيات إلى السطح، في ما يعرف باسم “التدفق”، ما يخلق ظروفًا مثالية لتكاثر الطحالب.

مزيد من الطحالب السامة

ذكرت الصحيفة أن تلك الطحالب تنتج سمومًا يمكنها قتل الأسماك والطيور البحرية التي تأكلها، وتمنع ضوء الشمس من الوصول إلى النباتات الموجودة تحت الماء، ما يحرم الأسماك من الأكسجين.

وأفادت بأن وكالة حماية البيئة الأمريكية تتوقع أن يسهم تغير المناخ في تغير “توقيت وشدة” ارتفاع مياه القاع الساحلي، ما يؤدي إلى زيادة تكاثر الطحالب على طول الساحل الغربي. وقالت إن المياه الأكثر دفئًا الناجمة عن تغير المناخ تحفز أنواعًا أخرى من الطحالب الضارة، فالطحالب السامة الزرقاء والخضراء تفضل درجات حرارة أكثر دفئًا.

الطحالب الذهبية النادرة

قد تؤدي العواصف والظواهر الجوية المتطرفة إلى تكاثر الطحالب، بسبب تدفق المغذيات من الأرض إلى الماء، فسلطات البيئة تشتبه في أن تكاثر الطحالب كان مسؤولاً عن نفوق حيوانات البحر، بما في ذلك قنافذ البحر ونجم البحر وجراد البحر، التي اجتاحت الساحل الشرقي لنيوزيلندا، في فبراير الماضي.

وذكرت الصحيفة أن الجفاف، الذي يزداد بسبب تغير المناخ، قد تتسبب في غزو الطحالب البحرية لأنظمة المياه العذبة، وكذلك أدى تصريف النفايات الصناعية في الأنهار، إلى تكاثر “الطحالب الذهبية النادرة”، التي تسببت في نفوق جماعي للأسماك في نهر أودر بين ألمانيا وبولندا الصيف الماضي.

نفوق البطاريق وتنانين البحر

ذكرت الصحيفة أن مئات من طيور البطريق الأزرق الصغير نفقت على شواطئ نيوزيلندا، في يونيو الماضي، وقال خبراء البيئة إن تغير المناخ يجبر طيور البطريق على المغامرة في المياه العميقة والباردة للبحث عن الطعام، ما يجعل من الصعب عليها التعشيش والتكاثر والعثور على الطعام، وتعرضها للحيوانات المفترسة في أعماق المحيطات.

785

نفوق مئات من طيور البطريق في نيوزيلندا

ووفق ما ذكره عالم البيئة البحرية في جامعة تسمانيا، جراهام إدجار، في مقال حديث بمجلة conversation، وجد الباحثون أن عدد أسماك “تنين البحر الشائع” انخفض 57%، خلال العقد الماضي، في المواقع التي كانوا يراقبونها، وأضاف أن نجوم البحر وقنافذ البحر شهدت أيضًا انخفاضًا حادًا في أعدادها خلال نفس الفترة.

الحيتان والدلافين

وفق دراسة أجريت العام الماضي، قد يختفي نحو ثلث جميع الحيوانات البحرية في غضون 300 عام، فالمحيطات تمتص الحرارة الزائدة التي ينتجها البشر، ما يقتل الحيوانات في موائلها، وفي عام 2021، امتصت المحيطات طاقة حرارية أكثر من أي وقت مضى، منذ بدء حفظ السجلات قبل 6 عقود.

وقالت الصحيفة إن سلسلة من وفيات الحيتان والدلافين وقعت في الشمال الشرقي هذا الشتاء، تقطعت السبل بأكثر من 12 حوتًا أحدب، والعديد من حيتان الصائب شمال الأطلسي، المهددة بالانقراض، على سواحل نورث كارولينا ونيويورك بين ديسمبر وأوائل مارس، وانجرفت 8 دلافين أيضًا إلى الشاطئ في نيوجيرسي مؤخرًا.

1220222395

ارتفاع عدد الحيتان النافقة قبالة سواحل نيويورك

لماذا تنجرف الحيتان نحو اليابسة؟

قال مسؤولون في نيوجيرسي إن التغيرات في درجة حرارة المحيط وكيمياء المياه، الناجمة عن تغير المناخ، تجذب الأسماك التي تتغذى عليها الحيتان بالقرب من اليابسة، ما يعرض الحيتان لخطر الاصطدام بسفن الشحن، وأشارت فحوصات ما بعد الذبح إلى أن ضربات السفن هي السبب المحتمل لنفوق العديد من الحيتان.

وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن الخبراء لا يعرفون سبب انجراف الحيتان والثدييات البحرية الأخرى إلى اليابسة، لافتة إلى أن مئات الحيتان الطيارة (الجرَّافة) انجرفت إلى الشواطئ النائية لجزر تشاتام النيوزيلندية في واقعتين منفصلتين من “الجنوح الجماعي” العام الماضي، قبل حوالي أسبوعين، نفق نحو 200 حوت في تسمانيا.

أسماك المياه العذبة أيضًا

أوضحت الصحيفة أن نقص الأكسجين الناجم عن ارتفاع درجات الحرارة والفيضانات الأخيرة تسببت في نفوق ملايين الأسماك في نهر بجنوب شرق أستراليا هذا الشهر، ورغم أن بعض السكان المحليين ألقوا باللوم على الحكومة في سوء إدارة المياه.

ووصفت خبيرة صحة الحيوانات المائية بجامعة سيدني، جوي بيكر، ذلك بأنه “حدث المياه السوداء”، وتسبب الفيضان في دخول الكثير من المواد العضوية إلى نظام النهر، وأعقب ذلك فترة من “درجات حرارة الهواء الدافئ الشديدة”، التي أدت إلى “نقص حاد في الأكسجين” في النهر، على حد قولها.

وأضافت بيكر أن الأسماك تحتاج إلى مزيد من الأكسجين لتعيش في درجات حرارة أكثر دفئًا، وتساءلت: “لماذا تحدث الكثير من الفيضانات ولماذا ترتفع درجات حرارة الهواء؟”، مشددة على أن ما يحدث هو نتيجة لتغير المناخ.

ربما يعجبك أيضا