هل توقف العقوبات الاقتصادية الأمريكية مشروع “نورد ستريم2″؟

جاسم محمد

كتب ـ جاسم محمد

تعيش ألمانيا، ما بين وقع موسكو وواشنطن، خاصة في عهد الرئيس الأمريكي ترامب، وكأنها تعيد حقبة تقسيم ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية 1945، وبناء جدار برلين، وتداعيات الحرب الباردة. الجغرافية، بدون شك لعبت دورا اساسيا، إلى جانب العوامل السياسية والتاريخية وربما العامل الديموغرافي بين ألمانيا وروسيا.

وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لألمانيا اتهامات لاذعة واصفا إياها بأنها “أسيرة عند روسيا” لأنها تدفع لها المليارات وتعتمد عليها في توفير الطاقة، بعد أن دخل قانون العقوبات على مشروع “نورد ستريم2” حيز التنفيذ يوم 12 ديسمبر الحالي 2019 بعد توقيع الرئيس الأمريكي ترامب عليه. وسبق لموسكو أن تعهدت برد مماثل، لكن برلين قالت إنها لن ترد، وفور إقرار القانون أعلنت شركة أساسية وقف مشاركتها في المشروع.

خط أنابيب نورد ستريم 2

هو خط أنابيب لنقل الغاز الروسي مباشرة إلى ألمانيا أسفل بحر البلطيق وسيجرى نقل الغاز اعتبارا من عام 2020 مباشرة من روسيا إلى ألمانيا دون العبور على بولندا وأوكرانيا. الانتقادات ايضا جاءت من بولندا، ما جعل المشروع يثير انقساما في صفوف الأوروبيين، فقد اعتبرته بولندا وسيلة لتقديم الأموال لروسيا، وإعطائها وسائل يمكن استخدامها ضد أمن بولندا. يذكر أنه حتى الآن تم الانتهاء من مد الأنابيب المزدوجة لمشروع نوردستريم 2 على مسافة أكثر من 2100 كيلومتر، ويتبقى حاليا نحو 300 كيلومتر.

ويمنح التشريع لترامب 60 يوما لفرض عقوبات على السفن التي تشارك في وضع الأنابيب لخط غاز نورد ستريم 2، وتورك ستريم، وهو خط أنابيب روسي آخر ينقل الغاز إلى تركيا، وأيضا الأشخاص الأجانب الذين يساعدون تلك السفن. رغم ذلك أعلن منسق الحكومة الألمانية لشؤون التعاون عبر الأطلسي، بيتر باير، أن برلين لن ترد على العقوبات الأمريكية بإجراءات مضادة.

وتسري هذه العقوبات على الشركات والأفراد المتعاملين مع خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” الذي سينقل الغاز الطبيعي الروسي إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، وذلك في إطار محاولة للحد من النفوذ الروسي على سوق الغاز الطبيعي في أوروبا.

واردات ألمانيا من النفط والغاز الروسي

بلغت واردات ألمانيا من النفط والغاز الروسي ما قيمته 19.8 مليار يورو خلال عام 2019 وهو ما يمثل 35% من واردات ألمانيا من المحروقات. الغاز ليس مصدر الطاقة الوحيد في ألمانيا، فالبترول يلعب أيضا دورا كبيرا. وتعتبر روسيا المصدر الأول للسوق الألمانية، لكنها ليست إلا مزودا ضمن 23 دولة تبيع بترولها لألمانيا. وتملك شركة غازبروم المملوكة للدولة الروسية 51% من أسهم مشروع خط أنابيب الغاز نورد ستريم، غير أن الأخير ليس خط الأنابيب الوحيد الذي يزود ألمانيا، فهناك خطوط أخرى من النرويج وهولندا. المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر هو رئيس لجنة المساهمين في نورد ستريم وهو يدفع ألمانيا وباقي البلدان الأوروبية لتعزيز علاقاتها مع روسيا.

وتقول كلاوديا مايور، خبيرة شؤون الدفاع في المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية، “نلاحظ أن الارتباط الوطيد الذي كان قائما بين الولايات المتحدة وأوروبا في الاقتصاد والسياسة وشؤون الدفاع بدأ يتفكك”.

النتائج

يبدو ان أبرز أسباب رفض ترامب لمشروع نورد ستريم لأسباب تجارية واستراتيجية، ذلك أن وصول الغاز الروسي بكميات كبيرة لأوروبا سيقضي على الحلم الأمريكي بتصدير غازها السائل إلى أوروبا، وهذا يعني، ان ترامب ما زال لحد الآن ينظر إلى ألمانيا وأوروبا بعين تجارية أكثر منها كحليف استراتيجي.

شهدت العلاقات بين ضفتي الأطلسي الكثير من الفتور والخلافات في زمن ترامب، وربما يعود ذلك في اختلاف الرؤية، والثقافات ما بين ضفتي الأطلسي، فالرئيس ترامب ما زال يتحدث عن مبدأ الربح والخسارة في علاقته مع اوروبا وحليفاته.

ترى الولايات المتحدة، بان العلاقات الاقتصادية مابين موسكو وألمانيا الى جانب دول أوروبا، تعمل بشكل عكسي ضد العلاقة مابين ضفتي الاطلسي، وممكن بالفعل تعمل على تقارب ألماني روسي أكثر ينعكس على مواقف ألمانيا وأوروبا في حول مجمل الخلافات مع روسيا ابرزها، مسألة أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية على موسكو.

رغم القرار الأمريكي المدعوم من الكونغرس، فإن ألمانيا عازمة على إتمام اتفاقها مع موسكو في تنفيذ المشروع، رغم أن التحقيقات كشفت عن توقف بعض الشركات الأوروبية من العمل، لتجنب العقوبات الأمريكية، وهنا تبرز أيضا مدى إمكانية ألمانيا، بتقديم الدعم والحماية المالية إلى الشركات المنفذة إلى جانب موسكو، من أجل الاستمرار.

باتت تجربة ألمانيا ودول أوروبا بالتعامل مع العقوبات الأمريكية، ضعيفة، لكن رغم ذلك تشير جميع التقديرات، أن مشروع نورد ستريم 2 سوف يتم إنجازه والعمل به، على حساب العلاقات ما بين ضفتي الأطلسي. يعتبر مشروع نورد ستريم 2، واحدة من جملة “القضايا” الخلافية ما بين ضفتي الأطلسي ومن شأنها أن تعمق تلك الخلافات بشكل أوسع.

ميول مزاج الشارع الألماني، إلى موسكو أكثر من الولايات المتحدة، وعلى مستوى الطبقة السياسية، ويعتبر الحزب الاشتراكي الألماني الشريك الفاعل في الائتلاف الحاكم الألماني، من المتحمسين إلى رفع العقوبات الأمريكية  والأوروبية المفروضة على موسكو ويدعو إلى التقارب معها.

المشكلة تكمن في نظرة ترامب إلى العلاقة مع ألمانيا وأوروبا، وهي نظرة قائمة على الربح “الاقتصادي” والعلاقات التجارية أكثر من التحالفات الاستراتيجية، إلى جانب اختلاف في الثقافات، وفهم معنى “الحليف الإستراتيجي”.

العقوبات الأمريكية، تستهدف ميركل، باعتبارها، “قاطرة” الاتحاد الأوروبي، وتسعى إلى النهوض بالاتحاد الأوروبي وسد الثغرات، خاصة في أعقاب تطورات “بريكست” وخروج بريطانيا من هذا الاتحاد والتي باتت محتملة أكثر.

ربما يعجبك أيضا