هل ضل الغرب طريقه أمام الدول الاشتراكية الصاعدة؟

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي 
 
عقب حرب الثلاثين عامًا الأوروبية جاء مؤتمر وستفاليا عام 1648 ليؤسس لنظام قائم على التسامح الديني والقومية وإنهاء عصر الإمبراطوريات، كما نتج عنه نظام لهيمنة الغرب الأوروبي على النظام العالمي بعد انعقاد ذلك المؤتمر حتى ذيوع المد الإمبريالي في ربوع المعمورة ظلت بها أوروبا تسيطر على ثروات الدول ومنبع الثورات الصناعية والتي انطلقت مؤخرًا لبقية الدول.

تغير ذلك عقب الحرب العالمية الثانية، وانكفاء أوروبا على ترميم بنيتها التحتية التي دمرتها الحرب، وظهر نظام عالمي جديد يضم دولا غير أوروبية وهي الولايات المتحدة واليابان، تنافست به واشنطن مع موسكو على سيادة العالم وظهور معسكرين اشتراكي ورأسمالي تنافسا على جذب الدول الأخرى المتوسطة والصغيرة إلى صفوفهما، وظلت تلك الديناميكية عقب الحرب العالمية الثانية حتى نهاية الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي.

ما يطرح نفسه في الوقت الحالي، ولا سيما في ظل تجاذبات ومناقشات الدول الكبرى في مؤتمر ميونيخ 2020، هل يشهد القرن الحالي استحواذًا آسيويًّا؟ بعدما واصلت الصين نموها الاقتصادي واحتلالها للمرتبة الثانية كأكبر اقتصاد خلال عشرة أعوام، كما يتوقع أن تحوز المرتبة الأولى متفوقة على الولايات المتحدة خلال استراتيجيتها الحالية 2030، وتحولها من مجرد تقليد  للصناعات الغربية إلى دولة لها ابتكاراتها الخاصة، وبل وتحولها لمصنع كبير يضم كبريات الشركات العالمية.

تضاؤل دور الدور الغربية

أدت سطوة وهيمنة الغرب (بما في ذلك أخطائه وعثراته وانحرافاته) إلى إصابة الاقتصاد العالمي ومنظمات التمويل الدولية بفادحة الأزمة الراهنة التي ما زالت عواقبها مؤلمة بكل معنى، وخاصة ما يتعلق منها بانكماش الأسواق وضياع فرص العمل وكسب الرزق وتراجع معدلات التنمية.

وبعد سقوط الطرف السوفيتي.. تحولت المقاليد خلال التسعينات إلى يد طرف قطبي واحد هو أميركا التي أفضى انفرادها إلى تلك الأزمة المالية – الاقتصادية التي ما برحت تمسك بخناق هذا النظام العالمي.. “الوستفالي” إن شئت أن تسميه.

من هنا تأتي الدعوات المستجدة إلى عالم متعدد الأقطاب.. شريطة ألا تقتصر التعددية على قوى الغرب وحدها، وهو ما يرادف كسر هذا الاحتكار للسلطة والموارد والنفوذ من أجل أن يفسح المجال كي يدخل إلى نادي التأثير والقوة والنفوذ والحوار العولمي أيضًا قوى آسيا الصاعدة بعد أن أصبحت أطرافا مشاركة بفعالية منتجة في ما يطرح في السوق الدولية من مصنوعات وأفكار وأساليب يتم اتباعها في مقاربة المشاكل التي تصادف عالمنا.

مؤتمر ميونخ: قيم الغرب ستفوز

دافع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، اليوم السبت، عن دور بلاده على الصعيد العالمي وشن هجوما لاذعا على الصين وروسيا، مشددًا على أن مُثل وقيم الغرب ستسود.
وقال بومبيو -في كلمة ألقاها بمؤتمر ميونيخ للأمن- “يسعدني أن أبلغكم أن وفاة التحالف عبر الأطلسي (الناتو) مبالغ فيها إلى حد كبير. الغرب سيفوز، وسنفوز سويًّا”.

ودافع في كلمته عن دور بلاده على الصعيد العالمي، معربا عن رفضه الانتقادات “الموجهة إلينا بأن الولايات المتحدة ستنسحب من الساحة الدولية”. وخص الوزير الأمريكي بالذكر انتقادات الرئيس الألماني ومسؤولين أوروبيين آخرين بشأن سياسة الانطواء لإدارة الرئيس دونالد ترامب.

وقال: إن هذه التصريحات تصب في الاتجاه نفسه، مشيرا إلى أنها “لا تعكس الواقع إطلاقا”.  من جهة أخرى، أعلن بومبيو أن بلاده ستموّل مشروعات في قطاع الطاقة تبلغ قيمتها مليار دولار في دول شرق ووسط أوروبا لتعزيز استقلالية قطاع الطاقة في مواجهة روسيا.

من جانبه، حذر الرئيس الألماني من أن السياسة العالمية تتجه نحو “ديناميكية للهدم”، موجها انتقادات ضمنية لنظيره الأمريكي، ومتهما واشنطن والصين وروسيا بإثارة حالة من انعدام الثقة والأمن في العالم ما يهدد بسباق تسلح نووي جديد.

قال الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير -في معرض افتتاحه مؤتمر ميونخ الدولي للأمن الجمعة- “إننا نشهد اليوم ديناميكية للهدم بشكل متزايد في السياسة العالمية… وعاما بعد عام، نبتعد بأنفسنا عن هدف التعاون الدولي الرامي إلى خلق عالم أكثر سلما”. وأضاف شتاينماير: “العودة الحالية إلى المصالح الوطنية في هذه الفترة تقودنا إلى طريق مسدود”.

وانتقد الرئيس الألماني تصرفات القوتين العظميين روسيا والصين، ولكنه أضاف أيضا: “إن أقرب حلفائنا، الولايات المتحدة، في ظل الإدارة الحالية ترفض نفسها فكرة المجتمع الدولي”. وندد شتاينماير، بأسلوب القوى العالمية الكبرى الثلاث في التعامل مع الشؤون الدولية، مشيرا إلى تعهد ترامب “بجعل أمريكا عظيمة من جديد” دون ذكر ترامب مباشرة.
 

ربما يعجبك أيضا