هل قضى فيروس كورونا على «الصين الاقتصادية»؟

شروق صبري
الرئيس الصيني جي جين بينج

الربع الأول من عام 2020 الذي شهد بداية تفشي كورونا كان نقطة لا عودة للسلوك الاقتصادي الصيني.


مع اقتراب عام 2022 من نهايته، كانت آمال تعافي اقتصاد الصين، وأيضًا الاقتصاد العالمي، تتزايد.

وبعد 3 سنوات من القيود الصارمة بسبب فيروس كورونا، تخلت الحكومة الصينية فجأة عن سياسة صفر كوفيد، والتي عرقلت التصنيع وخطوط الإمداد، وسببت موجة تباطؤ غير مسبوقة منذ أواخر سبعينات القرن الماضي.

السياسات الاقتصادية في الصين

في الأسابيع التي أعقبت تغيير السياسات الاقتصادية في الصين، ارتفعت الأسعار العالمية للنفط والنحاس والسلع الأخرى، وسط توقعات بارتفاع الطلب الصيني. وفي مارس 2022، أعلن رئيس مجلس الدولة الصيني آنذاك، لي كه تشيانج، عن هدف لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنحو 5%، وتوقع محللون أن يرتفع أكثر بكثير.

وفي البداية، نمت أجزاء من الاقتصاد الصيني بالفعل، بفضل الطلب المكبوت على السياحة المحلية، والضيافة، وخدمات البيع بالتجزئة، التي أسهمت جميعها بقوة في الانتعاش. ونمت الصادرات في الأشهر القليلة الأولى من عام 2023، وحتى سوق العقارات السكنية المحاصرة بدا أنها وصلت إلى القمة.

تراجع الاقتصاد الصيني

تراجع الاقتصاد الصيني

تراجع النمو الإجمالي

بنهاية الربع الثاني من 2023، كشفت أحدث بيانات الناتج المحلي الإجمالي عن قصة مختلفة تمامًا، فالنمو الإجمالي كان ضعيفًا وبدأ يتجه نحو الانخفاض. ومن ناحية أخرى أخذ المستثمرون الأجانب الحذر ولم ينجرفوا نحو الزخم الأوليّ في الصين. وكان هذا التراجع أكثر واقعية من التوقعات المفرطة في التفاؤل بشأن الاقتصاد.

ورأت مجلة فورين أفيرز الأمريكية، في تقرير نشرته أمس الأربعاء 2 أغسطس 2023، أن خطورة المشكلة برزت عقب انخفاض استهلاك السلع المعمرة في الصين، وانخفاض معدلات الاستثمار في القطاع الخاص إلى جزء ضئيل من مستوياتها السابقة، وكذلك ارتفاع معدل ادخار الأسر في البلاد.

مشكلات متراكمة

تعكس هذه الاتجاهات القرارات الاقتصادية طويلة الأجل للمواطنين إجمالًا، وتشير بقوة إلى أن الأفراد والشركات في الصين يخشون فقدان إمكانية الوصول إلى أصولهم، ويعطون الأولوية للسيولة قصيرة الأجل على الاستثمار.

ويعني هذا عدم عودة المؤشرات إلى ما قبل كورونا، وهي المستويات الطبيعية، لأن الازدهار بعد إعادة فتح البلاد، كما حدث في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، أشار إلى مشكلات عميقة.

وما أصبح واضحًا أن الربع الأول من عام 2020، الذي شهد بداية تفشي كورونا، كان نقطة لا عودة للسلوك الاقتصادي الصيني، الذي بدأ في التحول عام 2015، عندما بسطت الدولة سيطرتها، فمنذ ذلك الحين، ارتفعت حصة الناتج المحلي الإجمالي 50%، وظلت عند هذا المستوى المرتفع.

الاقتصاد الصيني

الصين

انخفاض النمو

في عام 2020 أيضًا انخفض استهلاك القطاع الخاص للسلع المعمرة بنحو الثلث عن عام 2015، واستمر في الانخفاض حتى إعادة الفتح في البلاد.

وبدلًا من أن يعكس الطلب المكبوت زيادة في الإقبال، بات الاستثمار الخاص أضعف، وانخفض بمقدار الثلثين منذ الربع الأول من عام 2015، وانخفض أكثر بـ25% منذ بدء تفشي الوباء، وأخذت استثمارات القطاع الخاص في الاتجاه نحو مزيد من الانخفاض.

وبات الاقتصاد الصيني مثل المريض الذي يعاني حالة مزمنة، ولم يستعد حيويته وظل بطيئًا حتى الآن، بعد أن انتهت 3 سنوات من إجراءات الإغلاق الصارمة والمكلفة للغاية.

حالة من عدم اليقين

ترى المجلة الأمريكية ضرورة في الاعتراف بالتطور الاقتصادي الصيني بعد فيروس كورونا المستجد، نتيجة استجابة الرئيس شي جين بينج الشديدة للوباء، فالتنمية الاقتصادية خلال فترة حكمه تميل إلى النمو، بحيث يسمح النظام للشركات المتوافقة سياسيًّا بالازدهار.

ولكن بمجرد أن يحصل النظام على الدعم، يبدأ في التدخل في الاقتصاد بطرائق تعسفية، وفي نهاية المطاف، يدخل في مواجهة حالة من عدم اليقين والخوف، وتبدأ الأسر والشركات الصغيرة في تفضيل المدخرات النقدية على الاستثمار، ونتيجة لذلك ينخفض النمو.

التدخل المتطرف

ومنذ بدأ الزعيم الصيني دنج شياو بينج “إصلاح وانفتاح” الاقتصاد الصيني في أواخر سبعينات اقرن العشرين، قاومت قيادة الحزب الشيوعي الصيني عمدًا الدافع للتدخل في القطاع الخاص لفترة أطول بكثير مما فعلت معظم الأنظمة الاستبدادية.

لكن في عهد شي، وخاصة منذ بدء الوباء، عاد الحزب الشيوعي الصيني نحو “الوسط الاستبدادي”. وبالتالي، في حالة الصين، لا يمثل الفيروس دور الجاني الرئيس على الاقتصاد الصيني، وإنما التدخل المتطرف هو الذي أنتج اقتصادًا أقل ديناميكية، على حد قول المجلة الأمريكية.

اقرأ أيضًا| الصين تعلن تخفيض أسعار الفائدة على قروض الإسكان
اقرأ أيضًا| أنباء غير سارة لسوق النفط.. الطلب الصيني بلغ ذروته في 2023 ويتجه للتراجع

ربما يعجبك أيضا