هنري كيسنجر: بوتين يبحث عن الاعتراف ولم أقُل لأوكرانيا تنازلوا

علاء بريك
وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر

يتأمل السياسي الأمريكي المخضرم، هنري كيسنجر، في أبرز الملفات الساخنة على الساحة الدولية، فماذا قال؟


بعد تصريحاته المثيرة في مؤتمر دافوس بشأن تنازل أوكرانيا عن جزءٍ من أراضيها لإنهاء الحرب، عاد وزير الخارجية الأمريكي السابق، هنري كيسنجر، ليوضح موقفه.

وتطرق الدبلوماسي التسعيني في مقابلة مع صحيفة “دير شبيجل” الألمانية، يوم الجمعة 15 يوليو 2022، إلى الحديث عن النظام السياسي العالمي، وشخصية الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وخطر السباق النووي في الشرق الأوسط، وغيرها من القضايا الدولية الساخنة.

بوتين.. الباحث عن الاعتراف

عاصر الدبلوماسي الأمريكي مراحل مختلفة من السياسة الدولية، منذ الحرب العالمية الثانية إلى وقتنا هذا، وبمقارنة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بقيادات سياسية عاصرها، قال كيسنجر إن بوتين يذكرنه بالرئيس السوفييتي السابق، نيكيتا خروشوف، ولكنه على عكس خروتشوف يتأنى في حساباته، “وليس من السهل الوصول معه إلى تسوية ما”.

ويعلل كيسنجر رأيه بالقول: “نشد خروتشوف الاعتراف، أراد أن يثبت أهمية بلاده وأن يدعى إلى أمريكا. كان مفهوم المساواة مهمًا في نظره. في حالة بوتين، يزداد الأمر حدةً، لأنه يرى في انهيار مكانة روسيا في أوروبا منذ العام 1989 كارثة استراتيجية.

وأضاف “لا أعتقد أنه يريد استعادة كل جزء من أراضي الإمبراطورية، بل أزعم أن بوتين لا يرتضي أن تسقط كامل الأراضي الواقعة بين برلين والحدود الروسية بيد الناتو، لهذا باتت أوكرانيا نقطة مفصلية لديه”.

«لم أقُل تنازلوا»

أثارت تصريحات كيسنجر خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة دافوس السويسرية، مايو الماضي، بشأن اقتراحه تنازل أوكرانيا عن جزء من أراضيها بهدف إنهاء الحرب وبدء المفاوضات، الكثير من ردود الفعل الغاضبة والمستهجنة، ووصفه عضو البرلمان الأوكراني، أوليكسي جونشارينكو، بأنه لا يزال يعيش في القرن العشرين.

وأوضح كيسنجر “لقد قلت إنه لإنهاء هذه الحرب ستكون حدود الوضع السابق أفضل خط فاصل.. إذا حدد المرء الوضع السابق باعتباره الهدف، فهذا يعني أن العدوان لم ينجح. والقضية إذن هي وقف إطلاق النار على طول خط 24 فبراير. وستكون المنطقة التي لا تزال تحت سيطرة روسيا جزءًا من مفاوضات عامة، وهي تشكل نحو 2.5% من أراضي الدونباس، ومعها شبه جزيرة القرم.

فرادة الحرب الحالية وموازين القوى

رأى كيسنجر في الحرب الحالية حالة تاريخية فريدة تجمع بين رحاها جوانب الأزمات الدولية المتمثلة في تخلخل موازين القوى العالمية وجوانب الحرب الأهلية، ومن جهة ثانية تحمل طابع نزاعٍ أوروبي، وفي الآن ذاته طابع نزاع عالمي، وبهذا الشكل سينتهي سؤال الحرب إلى سؤال ما إذا كانت روسيا ستظل مرتبطة بأوروبا، أو تنتقل لتصبح مخفرًا آسيويًّا على الحدود الأوروبية.

من جانب آخر، رأى كيسنجر أن استقرار ميزان القوى شرط مسبّق لسير العلاقات الدولية، وأوضح أن الميزان ليس هدفًا بذاته، بل أهميته تأتي في كونه يشكّل أساسًا لبناء استقرار عالمي، وبغياب هذا التوازن سيكون من المستحيل تحقيق الاستقرار.

الحرب الكبرى خسارة للجميع

قال كيسنجر إن وضع العالم الآن يعيد إلى الذهن الظرف التاريخي إبان الحرب العالمية الأولى، عندما تجاوزت التكنولوجيا قدرة الإنسان على السيطرة عليها، وبالنظر إلى التطورات التكنولوجية والنووية، وسيطرة الخوارزميات والذكاء الاصطناعي، بات الظرف العالمي أخطر بمرات عدة من نظيره أيام الحرب العالمية الأولى.

وتابع كيسنجر قوله “في الحرب يغدو من الصعب على القادة التحكم بالتكنولوجيا والسيطرة عليها، وهذا التزام ضروري لمنع أي حرب يمكن فيها استخدام مثل هذه التكنولوجيا المتقدمة، لا سيّما حال نشبت حرب بين أقوى دولتين في العالم، الصين والولايات المتحدة، وإذا وقعت لن ينتصر أي منهما، فعلى العكس من حروب مماثلة في الماضي لن تأتي هذه الحرب بأي رابح.”

تحدي اليوم والصدامات الثقافية

عادةً ما يصوَّر الصراع العالمي اليوم بأنه صراع بين الديمقراطية والاستبداد، وفي تعليقه على هذا قال كيسنجر إنه يميل بطبيعة الحال إلى الديمقراطية، ولكن في العالم المعاصر لا يمكن جعلها الهدف الرئيس أو الوحيد، لأنه بهذه الطريقة يميل تأييد الديمقراطية إلى أن يصبح ضربًا من التبشير، ما يحمل معه مخاطر الصراع العسكري الطويل، على حد قوله.

أضاف أن التحدي اليوم يتمثل باستيعاب دور موازين القوى والدور الجديد للتكنولوجيا المتقدمة والحفاظ على القيم الأساسية، موضحًا أن الدول تختلف في ما بينها باختلاف ثقافاتها التي تتباين بدورها في ما تُعليه من قيم، ما يخلق تعارضات على الصعيد الدولي، ويتميز العصر الحالي من منظور كيسنجر بأن هذه المناطق المتباينة ثقافيًّا باتت تمارس تأثيرًا متبادلًا في بعضها بلا انقطاع.

عن القضية التايوانية والنووي الإيراني

استبعد كيسنجر فكرة أن تكون الحرب الروسية الأوكرانية حفّزت الصين على حل قضية تايوان، وقال إن الصينيين لن يستخدموا القوة الشاملة ضد تايوان إلا بعد استنفاد كل الوسائل السلمية، النقطة التي لم يصلوا إليها بعد، على حد وصفه. وعن الاختلاف بين تايوان وأوكرانيا، أشار كيسنجر إلى أن الأخيرة تمثل حربًا بالوكالة، لكن إذا ما نشبت حرب في تايوان فستكون مباشرة بين الصين والولايات المتحدة.

وعارض كيسنجر الاتفاق النووي الإيراني بالأصل، ولكنه عارض لاحقًا الانسحاب الأمريكي منه، ويعزو كيسنجر موقفه هذا إلى أن الاتفاق لم يحمل في بنوده ما يمنع تحوّل إيران إلى دولة بأسلحة نووية، بل كل ما كان سيفعله هو إبطاء هذا التحوّل، ووصف العودة إلى الاتفاق بصيغته القديمة بالهزيمة الأخلاقية، معبرًا عن مخاوفه من سباق تسلح نووي في المنطقة.

أقدار القوى الكبرى

قبل الحرب الروسية الأوكرانية، ساد اعتقاد بأن على الولايات المتحدة التقارب مع روسيا للضغط على منافستها، الصين، لكن مع نشوب الحرب بات السؤال هل يجب على الولايات المتحدة تخفيف التوترات مع بكين لمواجهة التهديد الروسي، على غرار ما حدث أيام الحرب الباردة؟

ورأى كيسنجر بهذا الصدد أن مواجهة منافسين اثنين في وقت واحد، مع تصعيد للتوترات بين جميع الأطراف سيكون أمرًا سيئًا، لكنه من جهة أخرى أيّد جهود الناتو لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، ومحاولة إعادة الوضع فيها إلى ما قبل 24 فبراير، لكن حتى مع وصول الحرب إلى حل ما، فإن المسألة التي تحتاج إلى معالجة ستظل موقف روسيا من أوروبا وموقعها فيها.

نظرة إلى 2003

بصدد موقفه من غزو العراق وصحة هذا الموقف من عدمها، قال كيسنجر: “كنت مؤيدًا لها، شعرت أن نية الرئيس جورج بوش كانت إظهار أن الأنظمة الداعمة لإرهاب تخلق حالة دائمة من انعدام الأمن. وكان للإطاحة بصدام حسين مبررات عقلانية وأخلاقية عديدة”.

ولكن كيسنجر استدرك قائلًا “غير أن محاولة حكم العراق على نحو مشابه لاحتلال ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، كان خطأً تحليليًّا، لأن الأوضاع لم تكن قابلة للمقارنة، بعد استنزاف محاولة احتلال البلاد قدراتنا”، وأضاف بأنه عند الغزو في العام 2003 كان خارج الحكومة، ومضى عليه أكثر من 20 عامًا بعيدًا عن مناصبها.

ربما يعجبك أيضا