واشنطن تهدد وطهران تتحدى.. الاتفاق النووي على حافة الهاوية

حسام السبكي

حسام السبكي

واصلت الولايات المتحدة لغتها التهديدية ضد طموحات إيران النووية، والتوسعية أيضًا في منطقة الشرق الأوسط، التي تعج بالصراعات والتوترات، التي كان “الفرس” أحد أسبابها، وداعميها، يأتي هذا في تصريحات متكررة، وعداء ليس بالخفي، يبديه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بين الحين والآخر، بدأ منذ حملته الانتخابية، التي تعهد خلالها بـ “تمزيق” الاتفاق النووي الإيراني، وحتى وصفه اليوم للاتفاق بـ “الكارثي” و”غير المعقول”.

ولم يُتوقع أن يأتي الرد الإيراني أقل حدة من نظيره الأمريكي، والتي باتت تخشى من العودة مجددًا إلى “حظيرة العقوبات الدولية”، التي أرهقت بلاد الفارس، وسلطت عليها سيف الأوضاع الاقتصادية المتردية، فهذا رئيسها “روحاني” يطالب نظيره الأمريكي “ترامب” بالإبقاء على الاتفاق النووي، وإلا فـ “الإجراءات الصارمة” ستكون الرد، دون أن يحددها، قبل أن يهدد أحد المسؤولين الإيرانيين الكبار بالتلويح بالانسحاب من “معاهدة حظر الانتشار النووي”.

في غضون ذلك، تسعى بعض الدول للعب دور الوساطة، لإقناع الرئيس الأمريكي، الذي أمهل المشاركين في الاتفاق النووي حتى 12 مايو المقبل، لتغليظ شروط الاتفاق، بالعدول عن تلميحاته بالانسحاب من الاتفاق، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، الذي يلتقي “ترامب” في العاصمة الأمريكية واشنطن، فيما تتحدث المؤشرات عن صعوبة إثناء الرئيس الأمريكي، الذي يبدو متشددًا في هذا الأمر، بينما تحذر الأمم المتحدة من مغبة تدمير الاتفاق، مطالبةً جميع الأطراف “بتنفيذه والإبقاء عليه لمدى أطول”.

ترامب يندد بالاتفاق ويصفه بـ “الكارثي”

بأوصاف سلبية عديدة، أقلها “الكارثي”، وصف الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” الاتفاق النووي المبرم بين القوى الكبرى وإيران قبل نحو ثلاثة أعوام، وذلك في إطار نظرة تشاؤمية وجهها “ترامب” صوب النظام الإيراني، منذ قدومه إلى البيت الأبيض قبل أكثر من عام.

فخلال لقاءه نظيره الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، أعرب “ترامب” عن استيائه للاتفاق النووي المبرم مع إيران، واصفًا إياه بـ “الكارثي”، متحدثًا عن مشاكل كبرى ستواجه إيران، حال إقدامها على إعادة إطلاق برنامجها النووي.

كما واصل الرئيس الأمريكي هجومه على الاتفاق، فوصفه بـ”الفظيع” و “السخيف”، و”غير المعقول”، قائلًا أن” الجميع يعرف رأيي بالاتفاق النووي مع إيران، لقد كان اتفاقا فظيعا، ولم يكن يجب أن يتم”، وأضاف الرئيس الأمريكي عن نفس الاتفاق: “إنه سخيف وجنوني، لم يكن يجب أن يتم أبدا، ولكننا سنتحدث عنه”.

وبرر الرئيس الأمريكي نظرته للاتفاق الإيراني قائلا: ” أينما ذهبنا سنجد إيران خلفنا”، وأضاف: “روسيا تتوغل وتتدخل بشكل أكبر”، وتابع “يبدو أن إيران تقف خلف أي مشكلة في أي مكان”، وأضاف ترامب قائلا: “إنهم يقومون باختبار صواريخ، ماذا يعني هذا الأمر؟”، وتساءل الرئيس الأمريكي متعجبا: “أي اتفاق هذا الذي لا تتم مناقشته؟”، حسب تعبيره.

ماكرون: الاتفاق استراتيجي.. واحتواء إيران ضرورة

اتبعت فرنسا، نهج التهدئة هذه المرة، بعد أن كانت أكثر تشددًا في مواجهة النظام السوري وحلفاؤه، وفي القلب منهم إيران، وتجلى ذلك في الضربة الصاروخية الثلاثية التي استهدفت مواقع بارزة للنظام السوري مؤخرًا، فضلًا عن إقناع الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” نظيره الأمريكي “دونالد ترامب” بالبقاء في سوريا، فكان موقفها من الاتفاق النووي الإيراني، على النقيض، حيث طالب رئيسها باحتواء الإيرانيين، والتمسك بالاتفاق.

وعلى هامش اللقاء الذي جمع الجانبين، في البيت الأبيض، اليوم الثلاثاء، فقد رأى الرئيس الفرنسي أن الاتفاق النووي مع إيران “مهم”، مشددًا على كونه يمثل “جزءًا من استراتيجية إقليمية”، مطالبًا بالنظر إليه “كجزء أكبر من صورة أمن منطقة الشرق الأوسط”، وداعيًا إلى احتواء إيران في المنطقة.

يُشار إلى أن الرئاسة الفرنسية قد أبدت في وقتٍ سابقٍ، تمسكًا بالاتفاق النووي، في الوقت الذي حذرت فيه بشدة من فرص إقناع الرئيس الأمريكي، لكون “المؤشرات ليست مشجعة”، وأكد “الإيليزيه” أن “لا يتوقع تحقيق اختراق دبلوماسي”.

إسرائيل تحرض ضد الاتفاق

لم يكن أشد المتفائلين، يتوقع موقف إسرائيلي، أقل تشددًا من الحرص على إشعال منطقة الشرق الأوسط، والصراع مع إيران، التي طالما كانت “الخنجر المغروس في خصرها”، خاصةً مع دعمها للفصائل والميليشيات المقاتلة للاحتلال كـ “حزب الله” و”حماس” وغيرها، علاوة على التهديدات الإيرانية المباشرة بـ “تدمير إسرائيل”.

فقد دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو”، لتعديل الاتفاق النووي الإيراني أو إلغائه، مؤكدًا أن “إسرائيل لن تسمح للأنظمة التي تسعى لفنائها بالحصول على أسلحة نووية”.

وأضاف “نتنياهو” أن هذا الاتفاق من الضروري أن يُعدَّل كليًا أو يُلغى كليًا، موضحًا أن الاتفاق يجعل طهران قادرة على إعادة إحياء برنامجها النووي بسرعة لإنتاج أسلحة نووية.

وقال إنه “يعطي إيران طريقا واضحا لترسانة نووية (…) إنه يسمح في خلال سنوات قليلة بتخصيب غير محدود لليورانيوم العنصر الرئيسي اللازم لإنتاج قنابل نووية”.

تحذيرات أممية.. ومطالبات بالإبقاء على الاتفاق

انحنت الأمم المتحدة، إلى ما يمكن اعتباره “صوت العقل”، في أزمة الاتفاق النووي، التي تكاد الإدارة الأمريكية، تسلك فيه توجهًا متشددًا، اللهم إلا إسرائيل، التي ترد في النظام الإيراني “التهديد الوجودي” لها، خاصةً بعد تصريحات “عبد الرحيم موسوي” قائد الجيش الإيراني، حول الحد الأقصى لكيان الاحتلال الإسرائيلي بمدى زمني 25 عامًا.

وبالعودة إلى الموقف الأممي، فقد وجهت الممثلة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح، “إيزومي ناكاميتسو”، رسالة إلى الأطراف المشاركة في الاتفاق النووي الإيراني، مطالبةً بعدم التخلي عن الاتفاق.

وخلال مؤتمرٍ تنظمه الأمم المتحدة عن حظر الانتشار النووي، أعربت “ناكاميتسو” عن أملها في “أن يظل جميع المشاركين فيه ملتزمين بتنفيذه والإبقاء عليه على المدى الطويل”.

إيران.. تحذيرات وتهديدات

يبدو أن إيران، اختارت لنفسها لعب دور كوريا الشمالية، “المارقة سابقًا”، فتتمرد على التلميحات والتهديدات الأمريكية، وتؤكد رفضها أي رجوع للوراء فيما يخص الاتفاق النووي، الذي يعد استراتيجيًا بالنسبة له، والملاذ الآمن لاقتصادٍ هشٍ عاني الأمرين خلال سنوات عجاف، من العقوبات الاقتصادية الدولية.

رد الفعل الإيراني جاء على أعلى المستويات، إذ هدد الرئيس الإيراني “حسن روحاني”، نظيره الأمريكي دونالد ترامب بـ”عواقب وخيمة”، حال انسحابه من الاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع القوى العالمية في عام 2015.

وفي خطابٍ بثه التلفزيون الرسمي، اليوم الثلاثاء، صرح “روحاني” قائلًا: “أقول للذين في البيت الأبيض إنهم إذا لم يفوا بالتزاماتهم فإن الحكومة الإيرانية سترد بحزم”، مضيفًا “إذا كان أي شخص يخون الصفقة، فعليهم أن يعلموا أنهم سيواجهون عواقب وخيمة”.

وعلى ذكر التهديدات الإيرانية، فجاءت هذه المرة من “علي شمخاني” أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، حيث هدد بانسحاب بلاده من معاهدة الحد من الانتشار النووي إذا تخلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الاتفاق النووي، مشيرًا إلى أن منظمة الطاقة الذرية الإيرانية مستعدة لبعض ”التحركات المفاجئة“.

وعن إمكانية انسحاب طهران من معاهدة الحد من الانتشار النووي، أوضح “شمخاني” أن ”هذا خيار من ثلاثة خيارات نبحثها“.

ربما يعجبك أيضا