«وحش أمريكا».. كيف دعمت واشنطن عمليات الاختطاف والتعذيب والقتل في أفغانستان؟

الدعم الأمريكي للجنرالات الفاسدين وراء انهيار الحكومة وكراهية الأفغان للديمقراطية الأمريكية

بسام عباس
عبدالرازق في قصره وسط حراسه

اعتمدت براعة الجنرال الأفغاني “عبدالرازق”، المدعوم أمريكيًّا، على التعذيب والقتل خارج نطاق القانون، وكان مسؤولًا عن أكبر حملة اختفاء قسري معروفة خلال الحرب الأمريكية التي استمرت 20 عامًا في أفغانستان.

ونشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تحقيقًا تناولت فيه عمليات الاختطاف والتعذيب والقتل في أفغانستان، خلال الحرب الأمريكية، التي امتدت 20 عامًا، والضالع فيها الجنرال عبدالرازق.

دعم أمريكي

أوضحت صحيفة “نيويورك تايمز”، في تحقيق نشرته 22 مايو 2024، أن عبدالرازق تولّى ساحة المعركة في قندهار، أحد معاقل حركة طالبان، خلال فترة كان فيها عدد القوات الأمريكية على الأرض أكبر من أي فصيل آخر في الحرب، وترقّى إلى رتبة فريق بفضل الدعم الأمريكي له.

وأضافت أن جنرالات أمريكيين كانوا يقومون بزيارات منتظمة له، مشيدين بشجاعته ومعاركه الشرسة في الحرب، وولاء رجاله الذين دربتهم الولايات المتحدة وحلفاؤها، وسلحتهم ودفعت إليهم رواتبهم، وكان الأمريكيون إلى جانبه حتى مقتله على يد قاتل سرّي من حركة طالبان في عام 2018.

جنود أمريكيون مع جنود أفغان

جنود أمريكيون مع جنود أفغان

وحش أمريكا

وفقًا لتحقيق الصحيفة، فقد كان عبدالرازق، بالنسبة إلى عدد لا يحصى من المدنيين الأفغان في عهده، شيئًا مغايرًا تمامًا.. كان “وحش أمريكا”، وحصلت على مئات الوثائق، التي كتبتها الحكومة السابقة المدعومة أمريكيًّا، وهي عبارة عن دفاتر مخفية تعود إلى أكثر من 10 سنوات، تحمل أدلة على حملة انتهاكات شنهّا عبدالرازق.

وأمضت الصحيفة أكثر من عام في زيارة أجزاء من أفغانستان، في محاولة لمعرفة ما حدث فعلاً خلال أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة، وأجرت مقابلات مع مئات من الأشخاص، ممن اختفى آباؤهم وأزواجهم وأبناؤهم وإخوتهم في عهد عبدالرازق، ورأوا أن حكمه ليس إلا حملة وحشية ضد المدنيين، بتمويل أمريكي.

تحقيق ثأر شخصي

قالت الصحيفة إن الولايات المتحدة رفعت مستوى أمراء الحرب والسياسيين الفاسدين والمجرمين، ومكنتهم من خوض حروب ذات منفعة عسكرية، الغاية فيها تبرر الوسيلة، ولكن كان من الخطأ “الاحتفاظ بمجرم سيئ جدًا، لأنه كان مفيدًا في محاربة المجرمين الأسوأ”، كما قال الجنرال الأمريكي جون ألين.

الجنرال الأمريكي جون ألين

الجنرال الأمريكي جون ألين

ونقلت عن فضل الرحمن، الذي اختُطف شقيقه أمام شهود في عهد عبدالرازق، قوله: “لم يؤيد أحد منا طالبان، على الأقل ليس في البداية، لكن عندما انهارت الحكومة، ركضت في الشوارع مبتهجًا”، لافتًا إلى أن طالبان استفادت من عداء الأفغان لعبدالرازق، وحولت وحشيته إلى أداة تجنيد، من أجل جذب مقاتلين جدد.

وقال قاري محمد مبارك، الذي كان يدير مدرسة للبنات في قندهار، وكان يدعم الحكومة في البداية: “ما جلبوه تحت اسم الديمقراطية كان نظامًا في أيدي عصابات المافيا، لقد أصبح الناس يكرهون الديمقراطية”، فيما يقول كثير من الأفغان إن عبدالرازق استخدم الأمريكيين وقوتهم العسكرية لتحقيق ثأر شخصي ممن كانت قبيلته تقاتلهم منذ عقود.

آلاف الضحايا

راجعت صحيفة “نيويورك تايمز” أكثر من 50 ألف شكوى مكتوبة بخط اليد، في دفاتر حاكم قندهار، منذ عام 2011 حتى نهاية الحرب في عام 2021، ووجدت فيها تفاصيل أولية لنحو 2200 حالة من الانتهاكات، وحالات الاختفاء المشتبه فيها، وتعقبت قرابة 1000 شخص قالوا إن أحباءهم قُتلوا أو اعتقلتهم قوات الأمن الحكومية.

وأوضحت أن هذه الأرقام هي أقل كثيرًا من الفظائع التي ارتُكبت في عهد عبدالرازق، لافتةً إلى أنها لم تتمكن من مراجعة قندهار بأكملها، التي يسكنها أكثر من مليون شخص. وأكثر من 2000 حالة مشتبه فيها، والتي وجدناها في دفاتر حسابات الحكومة، وأن هذه الأرقام مجرد فكرة عما حدث.

وأضافت أن معظم العائلات لم تبلغ رسميًّا عن فقدان أحبائها، خوفًا من الانتقام، إذ كانت الشرطة تختطف الأشخاص الذين يأتون ويقدّمون شكوى بشأن اختطاف أحبائهم، وكانت تضربهم بعنف، مشيرة إلى أن عائلات المخطوفين دفعت رشىً للحصول على معلومات، وصرفوا أموالًا كثيرة لضباط الشرطة عديمي الضمير، ولكن من دون جدوى.

الجناة الحقيقيون

قالت الصحيفة أن المسؤول عن هذه الانتهاكات هي الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة التي شاركت باستمرار في عمليات الاختفاء القسري في قندهار، بحسب ما قال مسؤولون سابقون ومقاتلون وعائلات الضحايا، وكانت الشرطة، مثلما يقول المثل “حاميها حراميها”، هم الجناة الحقيقيون.

وأضافت أن قوات الأمن في قندهار، في عهد عبدالرازق، اشتهرت باختطاف من تشتبه في أنه يعمل مع طالبان، ولم يكن من الممكن المساس بعبدالرازق، بفضل الدعم القوي من الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو، وكان بعض المفقودين من حركة طالبان، ولكن الكثير منهم كانوا من الطبقة العاملة ولا علاقة لهم بالحرب.

 الشرطة الأفغانية مع الميليشيات

الشرطة الأفغانية مع الميليشيات

اختفاء.. تعذيب.. فدية

أشارت الصحيفة إلى اختفاء الكثيرين، وظهور آخرين جثثًا مشوّهة ملقاة في الشوارع، وتم إطلاق سراح عدد قليل من المحظوظين أحياءً، وهم يحملون جروحًا ويحتفظون بروايات عن التعذيب. وتبين أنّ القتلى تعرضوا للاختناق، أو إطلاق النار على رؤوسهم، أو أُلقي بهم وأيديهم مقيدة.

وحتى أواخر عام 2016، حدثت مفاجأة، عاد أحد المفقودين، ليقدّم وصفًا دقيقًا لما كان يحدث للمخطوفين، وقال نزار أحمد الذي اختُطف وتناوب عدد من الرجال على ضربه داخل حاوية شحن، ووضعوا كيسًا بلاستيكيًّا في فمه وسكبوا الماء على وجهه، الأمر الذي أدى إلى اختناقه تقريبًا. وقال إنّهم تسببوا بأذى دائم لأعضائه التناسلية.

وفي النهاية، تلقى والد نزار، محمد فضل الدين، مكالمة هاتفية من ضابط شرطة، على حد قوله، يطالبه بما يعادل 900 دولار – وهو مبلغ كبير في أفغانستان – للإفراج عن ابنه. وافق الأب، وسلم الأموال إلى ورشة لتصليح السيارات، وفقاً للتعليمات، وتم إطلاق سراح ابنه.

تبخر الآمال

ذكرت الصحيفة أن الأفغان، عندما بدأت الحرب، تصوروا أن الأمريكيين سيجلبون الاستثمار والفرص ووظائف جيدة ومنازل أفضل، ولكن حسن نيتهم تبخّر بسرعة، وخاب أملهم بسبب الفساد الواسع والانتهاكات غير المبررة للأمريكيين وشركائهم الأفغان، ما كان سببًا أساسيًّا لانهيار قندهار، كما كانت الحال في كل مكان من البلاد.

وبمجرد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، وانهيار الحكومة الأفغانية عام 2021، انتقلت حركة طالبان من سجن إلى سجن، وأفرغت الزنازين، وانتظر المئات أمامها بحثًا عن أحبائهم المفقودين، بينما ظهرت مقابر جماعية في قندهار، وبعض المفقودين لا أثر لهم حتى اليوم.

واختتمت الصحيفة الأمريكية تحقيقها بالقول إن التحقيقات الأممية والدولية تركز فقط على الانتهاكات التي ترتكبها حكومة طالبان الجديدة، بينما تتجاهل الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الأمريكية والقوات الأفغانية المدعومة منها.

ربما يعجبك أيضا