وزير خارجية فرنسا في طهران .. يحمل مفتاح “اللوفر” أم المشكلة النووية

يوسف بنده

رؤية

يرفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجديد التوقيع على الاتفاق النووي، إلا بعدما القيام بمراجعات للإتفاق المُبرم بين إيران ومجموعة 5 1 الدولية، والتي واشنطن واحدة منهم.

ويصف ترامب الاتفاق مع إيران، بأنه “أسوأ اتفاق جرى التفاوض عليه على الإطلاق”، وقد منح طهران الفرصة الأخيرة لتعديل الإتفاق حتى 12 مايو المقبل، وإلا ستنسحب واشنطن منه؛ بما يهدد بعودة العقوبات الدولية مرة أخرى على طهران.

وهو ما وضع القوى الأوروبية المشاركة في الإتفاق في حرج، ولذلك هي تسارع لإنقاذ الإتفاق عبر الضغط على طهران، فهي تطمح في الحصول على مكاسب ما بعد الاتفاق النووي من إيران. ولا تريد أن تُحسب أيضًا على معسكر إيران والابتعاد عن الولايات المتحدة. ولذلك بدأت بريطانيا وفرنسا وألمانيا محادثات بشأن خطة لتلبية مطالبه من خلال معالجة تجارب إيران في مجال الصواريخ الباليستية ونفوذها الإقليمي مع المحافظة على اتفاق 2015.

تريد المجموعة الأوروبية بذلك، المحافظة على مصالحها من الإتفاق النووي ومحاولة إنقاذه، وكذلك المشاركة في تحجيم إيران الصاروخي، سيما أن فرنسا باتت تقلق من إقتراب إيران من السواحل المتوسطية، عبر التواجد في سوريا.

وكان وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لو دريان، قد انتقد طهران ديسمبر 2017 قائلا: إن باريس لا تقبل توسع طهران العسكري إلى البحر المتوسط واتهم روسيا بالتقاعس عن استخدام نفوذها لدفع محادثات السلام السورية التي تقودها الأمم المتحدة والحد من العنف.

وبموجب القرار الذي دعم الاتفاق النووي المبرم في 2015 بين طهران والقوى العالمية الست بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة، فإن إيران “مطالبة” بالامتناع لمدة ثماني سنوات عن العمل على تطوير صواريخ باليستية مصممة لحمل أسلحة نووية.

زيارة تعطلت

يعتزم الرئيس الفرنسي زيارة العاصمة الإيرانية طهران، تسبقها زيارة يقوم بها وزير الخارجية الفرنسي، وهي الزيارة التي تأخرت كثيرًا، ظاهريًا بذريعة الاحتجاجات التي اندلعت في إيران منذ أواخر العام 2017م، بينما حقيقة الأمر بسبب الموقف الإيراني الرافض للدخول في مفاوضات حول الإتفاق النووي، أو حتى مفاوضات منفصلة حول المسألة الصاروخية.

وفي يناير الماضي، اتهم وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان إيران، بعدم احترام جزء من قرار للأمم المتحدة يدعو طهران للامتناع عن العمل على تطوير صواريخ باليستية مصممة لحمل رؤوس حربية نووية.

وأشار الوزير الفرنسي إلى أن فرنسا بدأت محادثات مع طهران لمناقشة برنامجها الصاروخي وأنشطتها في المنطقة. وهو ما نفته طهران على لسان المتحدث باسم خارجيتها. وكررت رفضها القاطع للدخول في مفاوضات حول مسألة الصواريخ، التي تعتبرها دفاعية وليست هجومية.

وتعتبر طهران أن التركيز على دورها الإيجابي في محاربة داعش في المناطق أهم من الحديث عن المخاوف الإقليمية من مسألة الصواريخ الباليستية، لكن الدور الذي تلعبه إيران في تزويد حلفائها من الجماعات المسلحة بتكنولوجيا الصواريخ في سوريا ولبنان والعراق واليمن، يثير مخاوف القوى الإقليمية والدولية من التهديدات الإيرانية، ويُضعف الرؤية الإيرانية حول أولوية التركيز على محاربة داعش.

ضغوط أوروبية

ويهدد الرئيس الأمريكي بنسف الاتفاق النووي إذا لم تستجب طهران للمطالب الدولية. ولكن ما أزاد الموقف تعقيدًا هو التعنت الإيراني، وتلميحات مساعد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقتشي في لندن، التي أشار فيها إلى إمكانية أن تبادر طهران هي أيضًا بالخروج من الاتفاق النووي.

حقيقة الأمر، أن الأزمة الاقتصادية والعقوبات الغربية المفروضة على إيران، وكذلك تعثر عمل المستثمرين الأجانب في السوق الإيراني، يفرض على طهران هذا الرفض طالما لم يكن هناك الكثير من المحفزات والمكاسب من أجل الانصياع لتنفيذ شرط وقف تطوير البرنامج الصاروخي الباليستي.

ولطالما تكرر حكومة روحاني التأكيد على أهمية الاتفاق النووي ومكاسبه بالنسبة لإيران، قد يكون الأمر لحفظ ماء وجه الحكومة المعتدلة أمام هجوم المحافظين والمتشددين في النظام الحاكم؛ لكن حكومة روحاني بالفعل تطمح إلى الحصول على مكاسب اقتصادية بأقل التنازلات، حتى لا تثير غضب النظام الحاكم في إيران.

حسب تقرير “نيويورك تايمز” فالإدارة الأمريكية تسعى إلى تحقيق ثلاث أهداف، وهي:-

– التزام طهران بالحد من التجارب الصاروخية.
– قدرة المفتشين الدوليين على الوصول غير المحدود والمشرود المقيد إلى القواعد العسكرية داخل إيران.
– تمديد مدة الحد من مستوى التخصيب المرتفع لليورانيوم إلى مدة تتجاوز المتفق عليه في 2030م.

وهو ما يعني أن التعديلات المطلوبة لن تكون عبر محادثات منفصلة تخص المسألة الصاروخية، وإنما ستكون مرتبطة بالاتفاق النووي المُبرم مع مجموعة 5 1، وهو ما يصعب الأمر أمام المجموعة الأوروبية.

وهو دفع المجموعة الأوروبية إلى حشد الحلفاء الأوروبيين للاتفاق على فرض عقوبات جديدة على إيران ليثبتوا لترامب أنهم يتعاملون مع مخاوفه بجدية.، حسب لمجلة دير شبيجل الألمانية. وإن كان الأمر غير معلن بشكل رسمي حتى الآن ولكن له مؤشراته، إلا أن عدم التوافق الأوروبي لا يؤدي إلى إتمام هذه الخطوة حتى الآن. وهو ما يفسر التحركات الفرنسية والألمانية لحث طهران على الاستجابة للمطالب الجديدة.

فقد ناشدت الحكومة الألمانية طهران الانضمام إلى القوى الأوروبية والولايات المتحدة في المناقشات معللة ذلك بمخاوف من برنامجها الصاروخي وأنشطتها في المنطقة. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الألمانية ماريا أديبار إن مسؤولين من ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي سيدشنون محادثات رفيعة المستوى بشأن بواعث قلقهم. وقالت “هناك أمور كثيرة ينبغي مناقشتها، ونحن الآن نتعامل مع ذلك”.

من أجل اللوفر أم المشكلة النووية

وبعد تأخر زيارته إلى طهران وتأجيلها، أعلنت السفارة الفرنسية في طهران أن وزير الخارجية الفرنسي سيزور إيران في الخامس من مارس/آذار القادم.

ظاهريًا، تكون هذه الزيارة من أجل مشاركة الوزير الفرنسي في مراسم افتتاح معرض “اللوفر” في المتحف الوطني في طهران، الذي يعرض مجموعة من آثار متحف اللوفر، وفق إتفاق مشترك بين البلدين لتبادل المعارض الاثرية، حيث سيُعرض في باريس أيضًا مجموعة من الآثار التي تعود للعهد القاجاري في إيران.

بينما، يعتزم لودريان لقاء المسؤولين الإيرانيين، والتباحث حول سبل إنقاذ الاتفاق النووي. حيث قال الوزير الفرنسي في حوار مع صحيفة “لو فيجارو الفرنسية”، إنه سيناقش هذا الاتفاق النووي التاريخي بعد الإنذار الذي وجهه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 12 كانون الثاني/يناير، لبريطانيا وفرنسا وألمانيا بضرورة “إصلاح” الاتفاق وإلا سينسحب منه.

 وكانت قد تزايدت حدة التوتر بين إيران وفرنسا في الأشهر الأخيرة، مع تبادل الجانبين التصريحات اللاذعة التي تضمنت اتهام لو دريان إيران بأنها تتملكها “إغراءات الهيمنة” في المنطقة.

وتعرضت خارجية الرئيس روحاني لانتقادات بسبب التصريحات الفرنسية، وخرجت مطالبات من مسئولين إيرانيين يرفضون زيارة الوزير الفرنسي. حتى أن مستشار المرشد الأعلى، على ولايتي، الذي يمثل وجه السياسة الخارجية للنظام، وصف الرئيس الفرنسي بأنه منفذ لأوامر “البلطجي” ترامب، على حد تعبير ولايتي.

وطالب ولايتي من فرنسا الابتعاد عن الحديث عن المسألة الدفاعية، وقال: “إن هذا الموضوع لايمت بصلة إلى ماكرون، فما هو موقعه كي يتدخل؟ إذا أراد أن تكون العلاقات بين إيران وفرنسا متنامية فعليه أن لا يتدخل في مثل هذه القضايا لأنها تتعارض مع مصالح فرنسا الوطنية”.

وتأتي زيارة الوزير الفرنسي إلى طهران تحضيرًا لزيارة قد يقوم بها الرئيس الفرنسي، ماكرون إلى طهران، وكذلك إلى روسيا.

وتعتبر مهمته في طهران صعبة، ولكن نجاحها مرهون بالمكاسب التي ستتحصل عليها طهران، وإن كان النظام الإيراني يعلن حتى الآن الرفض التام للنقاش حول المسألة الصاروخية، ولكن القدرة على كيفية صياغة المطالب الجديدة وكيفية إتمام عملية التباحث بما يحافظ على مصالح الجميع، سبيل نجاح التحركات الأوروبية.

ربما يعجبك أيضا