وسط انقسامات داخل “النهضة”.. الغنوشي يتسلل للسلطة عبر سلم البرلمان

محمود طلعت

رؤية – محمود طلعت

قبل يومين أعلن حزب حركة النهضة الإخواني في تونس رسميًا، ترشيح زعيمه راشد الغنوشي لخوض الانتخابات البرلمانية في السادس من أكتوبر المقبل في خطوة يٌنظر إليها على نطاق واسع على أنها محاولة للحصول على منصب قيادي كبير في البلاد.

وترشيح الغنوشي للمنافسة على مقعد بالبرلمان في الانتخابات البرلمانية يعزز التكهنات بأنه يسعى إلى لعب دور أكبر في الفترة المقبلة ربما كرئيس للوزراء أو رئيس للبرلمان في حال فوز حزبه بالانتخابات.

إخوان تونس والعراك الداخلي

ومع اقتراب سباق الانتخابات البرلمانية، تصاعد مؤشر العراك الداخلي لحركة النهضة بين الغنوشي والقيادات التاريخية، بعد إطاحة الغنوشي بقيادات تاريخية في التنظيم واستبدال أسمائهم بأسماء شخصيات من خارج الحركة للدفع بهم في الانتخابات التشريعية.

وأثارت خطوة تنظيم الإخوان بالدفع بزعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، إلى واجهة المشهد السياسي من جديد تساؤلات بشأن الهدف الذي تسعى هذه الحركة ذات الشعبية المتراجعة تحقيقه عبر مرشحها صاحب الـ 78 عاما والذي عاش بالمنفى في لندن نحو 20 عاما خلال فترة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

انسحابات واستقالات واتهامات

ولا يزال فتيل الأزمة الداخلية المتصاعدة بين قيادات النهضة مشتعلا، حيث يواجه زعيمها موجة غضب وتذمر واسعة من داخل حزبه، بعد انقلابه على نتائج الانتخابات الداخلية لاختيار أعضاء قوائم الحزب، التي ستترشّح للانتخابات البرلمانية وإقصائه لقيادات بارزة من رئاسة القوائم.

ويبدو أن الاجتماع الأخير للمكتب التنفيذي للنهضة لم يفلح في تطويق الأزمة، بعد تواصل الانتقادات التي طالت الحركة من قبل قيادات ذات أقدمية تاريخية في الحزب.

الدكتورة تسنيم قزبار رفضت ترشيح اسمها ضمن قائمة حركة النهضة في دائرة “تونس 1” إلى جانب راشد الغنوشي، وقالت في بيان “تفاعلا مع الرأي العام أطلب من حركة النهضة عدم ترشيحي ضمن قائماتها للانتخابات التشريعية.. ترشيحي كمستقلة لا ينسجم مع حركة تنادي بالانفتاح ولا تؤمن به.

انسحاب سبقه بيوم إعلان القيادي الجهوي بحركة النهضة عن محافظة قفصة علي الشرطاني استقالته نهائيا من الحركة، بعد قرار المكتب التنفيذي سحب اسمه من القائمة الانتخابية.

ووجه الشرطاني في سلسلة من التدوينات الفيسبوكية اتهامات مباشرة إلى رئيس الحركة راشد الغنوشي وإلى المكتب التنفيذي بتوخي سياسة الانحياز والإقصاء مع مناضلي الحركة.

وكتب الشرطاني: “ديمقراطية قيادة حركة النهضة هي إقصاء كل صاحب صوت حر وكل صاحب موقف، قيادة لا تريد استمرار وجود الأحرار في صفوف الحركة”.

من جانبه أكد القيادي في حركة النهضة محمد بن سالم:”أن الاستهداف السياسي الذي يشنه المكتب التنفيذي على بعض الوجوه القيادية ما يزال متواصلا، وهو ما يمس حتما من مصداقية الديمقراطية داخل الحركة وفقا لقوله.

رئاسة البرلمان.. حلم إخواني

خوض الغنوشي الانتخابات التشريعية يعني أن الرجل يخطط لأن يكون رئيس البرلماني التونسي حال حصول النهضة على الأغلبية البرلمانية، لكن يبدو أن طريقه لهذا الحلم لن يتحقق بسهولة، حيث ضربت الانشقاقات التنظيم وبدأت المعاركة الداخلية تتصاعد.

من جهتهم فإن قيادات إخوان تونس المعروفين بـ”صقور التنظيم” يرون ضرورة عزل راشد الغنوشي ردا على تصرفاته الأخيرة، قائلين “الغنوشي سيتسبب في خراب التنظيم”.

ويرى مراقبون أن قرار الغنوشي أسقط كل التوقعات، التي كانت تشير إلى إمكانية ترّشحه إلى الانتخابات الرئاسية، خاصة بعد تراجع طموحات الرجل القوي في النهضة، في الوصول إلى قصر الرئاسة بقرطاج، بسبب تدني شعبيته.
 

راشد الغنوشي يتسلل للسـلطة

متابعون للشأن التونسي يرون أن الغنوشي ربما يسعى أيضا لرئاسة الوزراء، في حال فوز حزبه بالأغلبية، إذا هي محاولات لإعادة تصدر المشهد السياسي ضمن مناورات تنظيم الإخوان ولعبه على جميع الحبال لتنفيذ أجندته.

يقول المحلل السياسي التونسي، خالد عبيد إن “قرار حركة النهضة الذهاب إلى الانتخابات التشريعية بالنسبة لزعيمها يأتي من اعتقاد الغنوشي حاليا بأنه لا أمل لديه في إمكانية الوصول إلى قصر قرطاج والنوم على فراش عدوه الأكبر الحبيب بورقيبة”.

ويضيف: “حركة النهضة انحسر حضورها كثيرا في 2011، صوت لها مليون ونصف في 2014، وفي 2018 صوت لها 500 ألف، لذا فإن أقصى غايات النهضة هو الحضور البرلماني والحصول على رئاسة البرلمان بعد تدهور شعبيتها”.

ويرغب الغنوشي في حصانة برلمانية تجنبه المساءلة فيما يتعلق ببعض الملفات الأمنية مثل الجهاز السري والتغاضي عن أنشطة الجماعة التكفيرية”.

وبحسب مراقبين فإن وجود الغنوشي في رئاسة البرلمان قد يعطيه هامشا أكبر في التحكم بمفاصل القرار السياسي من قصر قرطاج وربما يتمكن من رئاسة الحكومة إذا فازت قائمته بالانتخابات وبالتالي يسيطر على السلطة التنفيذية.

لماذا يترشح زعيم النـــهضة؟

ويتضح من مختلف ردود الفعل التي عقبت الإعلان عن ترشح راشد الغنوشي للانتخابات التشريعية أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية تكمن مبدئيا وراء هذا القرار وهي التالية:

أولا: حصول قناعة لدى راشد الغنوشي بأنه من الصعب جدا أن يفوز بمنصب رئيس الجمهورية في أعقاب الانتخابات الرئاسية التي ستجري في نوفمبر المقبل في حال الترشح لهذا المنصب وذلك لعدة أسباب منها أن الناخب التونسي ليس مستعدا حتى الآن لتسليم حزب “حركة النهضة” التونسية مقاليد السلطة التنفيذية.

ثانيا: أنه بإمكان الغنوشي أن يتحكم في دواليب القرار السياسي في تونس انطلاقا من البرلمان لا من منصب رئيس الجمهورية لأن النظام الذي أُرسي في تونس بعد ثورة 2011 هو نظام شبه برلماني يمنح رئيس الوزراء صلاحيات أساسية فيما يتعلق بالقرارات المتعلقة أساسا بالسياسة الداخلية على نحو يجعله يدير السلطة بشكل غير مباشر دون أن يكون في واجهة الانتقادات الموجهة للسلطة التنفيذية.

ثالثا: هناك قناعة لدى الغنوشي وكثير من المرشحين الآخرين المنتمين إلى حزب حركة النهضة أو أحزاب أخرى أن أفضل مكان بالنسبة إلى الذي يرغب في ممارسة العمل السياسي في تونس اليوم هو البرلمان نظرا لأن من يجلس فيه يضمن لنفسه حصانة في وقت يشتبه بتورط أحزاب كثيرة في قضايا لديها علاقة بالحكم غير الرشيد والفساد.

ربما يعجبك أيضا