وسط ضغوط لحظره.. لماذا أرجأت الولايات المتحدة صفقة «تيك توك»؟

رنا أسامة
تيك توك

قوانين الأمن القومي الصيني تثير مخاوف أمريكية بشأن أمان "تيك توك" منذ إطلاقه قبل 6 أعوام.. فهل تنجح الصفقة المحتملة في درء تلك المخاوف؟


تواجه الصفقة بين الإدارة الأمريكية وشركة “تيك توك” الصينية، التي كانت متوقعة في نهاية العام الحالي 2022، إرجاءً محتملًا.

ويأتي ذلك وسط مخاوف أمريكية من تهديد تطبيق مشاركة الفيديوهات للأمن القومي، حسبما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، عن أشخاص وصفتهم بالمطلعين. في تقرير نشرته يوم أمس الاثنين 6 ديسمبر 2022.

غموض وضبابية

أبرز المخاوف، التي أثارها المسؤولون الأمريكيون، يرتبط بخوارزميات “تيك توك”، التي تحدد مقاطع الفيديو التي تظهر للمستخدمين، إلى جانب اهتزاز ثقة واشنطن في التطبيق المملوك لشركة “بايت دانس” الصينية.

وقال أشخاص مطلعون، لم تسمهم “وول ستريت جورنال”، إن المسؤولين الأمريكيين المعنيين بهذا الملف لم يطالبوا “تيك توك” بمعلومات إضافية لمعالجة تلك المخاوف، بما يضفي غموضًا وضبابية بشأن مصير الصفقة.

في انتظار الوقت المناسب

نقلت الصحيفة عن متحدثة باسم “تيك توك” أن الشركة بانتظار “الوقت المناسب لإبرام صفقتنا مع الحكومة الأمريكية، تلك الصفقة التي اتخذنا بالفعل خطوات جادة لإبرامها، بغية تنحية هذه المخاوف جانبًا”. وأضافت المتحدثة، التي لم تسمها الصحيفة أيضًا، أن الحكومة الأمريكية لم تشارك أي مخاوف أو هواجس غير ملباة مع الشركة الصينية.

تيك توك....

وذكر التقرير أن إرجاء الصفقة قد يزيد من المخاطر السياسية، التي تواجه “تيك توك” ومالكته “بايت دانس”، التي تتخذ من بكين مقرًا لها. وبينما يكثف مسؤولو إدارة الرئيس، جو بايدن، والجمهوريون المسيطرون حديثًا على الكونجرس، مباحثاتهم بشأن الشركة، أنفقت “بايت دانس” 9 ملايين دولار على حملات الضغط خلال العامين الماضيين، وفق التقرير.

تحذير استخباراتي

في حين تفاخر “تيك توك” بأنه يضم أكثر من مليار مستخدم عالمي نشط، العام الماضي، غالبيتهم أمريكيون، حذر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، كريستوفر راي، الشهر الماضي، من تهديد التطبيق للأمن القومي الأمريكي، باعتباره مملوكًا للصين، التي “لا تشاركنا قيمنا” ويمكنها “التلاعب بالمحتوى”.

وفي جلسة استماع بمجلس النواب الأمريكي، أكتوبر الماضي، ادعى راي أن الحزب الشيوعي الحاكم في الصين بإمكانه استخدام “تيك توك” لتعزيز نفوذه، بجمع بيانات مستخدميه، واستخدامها في أغراض تجسس، وفق تقرير سابق لمجلة “تايم” الأمريكية.

«تيك توك» في مرمى الحظر الأمريكي

تقضي قوانين الأمن القومي الصيني على الشركات الخاصة العاملة في بكين، بتقديم بياناتها إلى الحكومة في حال طلبت ذلك. الأمر الذي أثار مخاوف أمريكية بشأن أمان “تيك توك”، منذ إطلاقه قبل 6 أعوام، في حين كان التطبيق الأكثر تنزيلًا بالولايات المتحدة في عام 2018.

وفيما أمر الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بحظر “تيك توك” عام 2020، على اعتباره “تهديدًا للأمن القومي”، ألغى بايدن ذلك القرار في 2021، موكلًا وزارة التجارة بمراجعة التطبيقات المصممة والمطورة من طرف أشخاص ضمن “ولاية خصوم أجانب”، مثل الصين، حسب “تايم”.

تيك توك في الولايات المتحدة

اتفاق مبدئي

توصلت الشركة الصينية إلى اتفاق مبدئي مع الحكومة الأمريكية، هذا الصيف، لكن مسؤولين أمريكيين كبار، بينهم مسؤولون بوزارة العدل، لا يرون أن الصفقة المقترحة كافية، حسب ما نقلت “وول ستريت جورنال” عن أشخاص قالت إنهم مطلعون على الأمر.

ويقود المحادثات من الجانب الأمريكي، لجنة الاستثمار الأجنبي، وهي لجنة حكومية سرية معنية بتحليل أي صفقات تجارية، بحثًا عن ثغرات أمنية محتملة. وانطلقت المحادثات بهدف كبح جماح النفوذ الحكومي الصيني والحيلولة دون تأثيره في الحياة الأمريكية، من دون قطع العلاقات مع “تيك توك”، وفق التقرير.

التخزين على خوادم أمريكية

بموجب تلك المحادثات، اتفق الجانبان على تخزين بيانات مستخدمي “تيك توك” الأمريكيين على خوادم شركة “أوراكل” الأمريكية، لتقنية المعلومات وقواعد البيانات. وقالت “تيك توك” إنها تتوقع حذف بيانات مستخدميها الأمريكيين من مراكز البيانات الخاصة بها في فرجينيا وسنغافورة، في حين ستبدأ في تخزين البيانات بالكامل على البنية التحتية السحابية لـ”أوراكل”.

وأشارت الشركة الصينية أيضًا إلى أن الوصول إلى بيانات المستخدمين الأمريكيين سيكون مقيّدًا وخاضعًا للمراقبة والإشراف من “أوراكل”، ويقول مدافعون عن “تيك توك” إن الصفقة تمنح الحكومة الأمريكية صلاحيات موسعة، تمكنها من الوصول إلى مزيد من المعلومات عن “تيك توك”، على نحو أكبر من المسموح لها على أي منصة تواصل اجتماعي أخرى.

حظر تيك توك في امريكا

ضغط أمريكي ونفي صيني

يسعى مسؤولون بإدارة بايدن إلى الوصول إلى اتفاق أمني أكثر صرامة مع “تيك توك”، يعالج المخاوف المتزايدة بشأن الوصول إلى بيانات مستخدمي التطبيق، واستخدامها في عمليات تأثير محتملة، في وقت بدأ فيه جمهوريون الضغط من أجل حظر التطبيق تمامًا بالولايات المتحدة، وفق تقرير “وول ستريت جورنال”.

لكن “تيك توك” نفت ذلك. وقالت متحدثة باسمه لـ “وول ستريت جورنال”، إن جمع المعلومات يجري في إطار تحسين أداء التطبيق، من أجل عرض نتائج بحث ذات صلة، وعدم تكرار عرض مقاطع الفيديو لمستخدميه.

وحسب “وول ستريت جورنال”، فإن أي صفقة محتملة بين إدارة بايدن و”تيك توك” تستوجب موافقة من بكين، التي لا تريد السماح لشركات أمريكية بالوصول  إلى الخوارزميات السرية للتطبيق. وقال أشخاص مطلعون للصحيفة إن مسؤولي “بايت دانس” لم يستشروا الحكومة الصينية بشأن الصفقة المحتملة.

تحقيق جمهوري

في تلك الأثناء، يستعد نواب جمهوريون لإدخال تشريعات لحظر التطبيق بالولايات المتحدة، في خطوة من المرجح أن تكون على أساس قانوني أكثر صلابة من الآلية التي حاول ترامب استخدامها. وتعهدوا بإجراء رقابة صارمة على تحركات إدارة بايدن، بما يزيد من المخاطر السياسية للبيت الأبيض.

وبدأ النائبان الجمهوريان جيمس كومر، عن ولاية كنتاكي، وكاثي ماكموريس رودجرز، عن ولاية واشنطن، تحقيقًا بشأن “تيك توك” هذا الصيف. وفي نوفمبر الماضي، انتقد النائب الجمهوري مايك جالاجر، والسيناتور ماركو روبيو، بايدن لمواصلته العمل مع منصة الفيديوهات ومؤثريها.

تيك توك في أمريكا

 المهمة شاقة

قال مساعدو جالاجر إن مخاطر الأمن القومي تتجاوز الترفيه والتربح من تطبيق مشاركة الفيديوهات الشهير، مشيرين إلى أن شعبية منصات التواصل الاجتماعي تنخفض بسرعة، ويمكن للأمريكيين العثور على بديل لـ”تيك توك” بسهولة.

في الوقت نفسه، أبدى ديمقراطيون في الكونجرس مخاوف مماثلة. وفي مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية، الشهر الماضي، قال رئيس لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ، مارك وارنر: “أظن أن وزارة العدل (الأمريكية) تحاول التوصل إلى حل. لكن المهمة شاقة”.

هل الحظر ممكن؟

قالت مجلة “فوربس” الأمريكية، في تقرير نشرته يوم 3 نوفمبر 2022، إنه من الممكن حظر “تيك توك” في الولايات المتحدة، كما حدث في الهند، لكنها أوضحت أن الأمر يتطلب من الكونجرس إنشاء قوانين فيدرالية شاملة، تعالج مسألة خصوصية بيانات المستخدمين، في حين لا يزال الغموض يكتنف مصير الصفقة.

وبصرف النظر عن مخاطر “تيك توك” للمستخدم العادي، أشارت المجلة إلى أن الارتباك الحالي يثير أسئلة مهمة بشأن تنظيم خصوصية البيانات والأمان والتجارة الرقمية، في ظل اقتصاد عالمي مترابط على نحو بالغ التعقيد.

ربما يعجبك أيضا