وسط موجة التشديد النقدي.. هل يغرق الاقتصاد الأمريكي في الديون؟

ولاء عدلان

"بنك أوف أمريكا": خطر انهيار سوق السندات الأمريكية يتزايد في ظل استمرار موجة التشديد النقدي وتصاعد التضخم وانسحاب الاحتياط الفيدرالي من السوق كمشترٍ للسندات.


أظهرت بيانات مكتب الميزانية بالكونجرس الأمريكي أن الدين الوطني ارتفع في أكتوبر الماضي، أول السنة المالية الجديدة، 83 مليار دولار.

وهذا الرقم يدفع سقف الدين الوطني في الولايات المتحدة إلى مستويات تاريخية، تتجاوز 31 تريليون دولار، وسط زيادة مطردة في تكلفة تمويل هذه الديون، مدفوعة بتسريع وتيرة رفع أسعار الفائدة من البنك المركزي الأمريكي.

مستويات حرجة لعجز الميزانية الأمريكية

ارتفع الدين العام الأمريكي خلال أكتوبر 2.7 مليار دولار يوميًّا، ما يجعل الحكومة الأمريكية في طريقها إلى تسجيل عجز مالي خلال السنة المالية الجديدة بتريليون دولار، وبحسب بيانات مكتب الميزانية بالكونجرس سجلت 7 أشهر فقط من 25 الماضية، عجزًا ماليًّا أقل من 100 مليار دولار مقابل 9 أشهر من هذه الفترة شهدت عجزًا أكثر من 200 مليار دولار.

وخلال السنة المالية 2022 المنتهية في 30 سبتمبر الماضي، بلغ عجز الموازنة الفيدرالية الأمريكية نحو 1.4 تريليون دولار، ما يمثل نحو 5.5% من حجم الناتج المحلي الإجمالي، انخفاضًا من 12.3% بالسنة المالية 2021، إلا أن الرقم لا يزال أكبر من مستويات 2019 البالغة 4.6%، وهو أكبر من متوسط 50 عامًا البالغ 3.6%، وفق “فوكس بيزنس”.

 

الديون مرشحة للارتفاع

خلال السنة المالية 2022، أنفقت واشنطن نحو 534 مليار دولار لخدمة الدين العام، وهو رقم مرشح للارتفاع في ظل استمرار نهج التشديد النقدي من الاحتياط الفيدرالي، المركزي الأمريكي، مع حقيقة أن عجز الميزانية انخفض من 2.8 تريليون دولار المسجلة في 2021.

ويقترب سقف الديون الأمريكي من 31.4 تريليون دولار، ما قد يدفع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، من سَنّ إجراءات استثنائية للحد من الاقتراض. وتوقعت رئيسة لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة، مايا ماكجينيس، في تصريح لـ”فوكس نيوز” أن يواصل الدين الأمريكي ارتفاعه.

ارتفاع تكلفة تمويل الديون

رفع الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة منذ مارس الماضي إلى 3.75% و4%، وتتوقع الأسواق رفعًا جديدًا في ديسمبر المقبل بـ50 نقطة أساس، ما يدفع تكلفة تمويل ديون أمريكا إلى مزيد من الارتفاع، فخلال السنة المالية 2022 دفعت واشنطن 475 مليار دولار كصافي مدفوعات فوائد ارتفاعًا من 352 مليار دولار في 2021.

وقالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني في مذكرة حديثة، إنه بحلول 2025 أو 2026 قد تتجاوز مدفوعات الفوائد الفيدرالية مستويات الإنفاق الدفاعي الأمريكي البالغة نحو 767 مليار دولار في السنة المالية 2022، وفق “سي إن إن”.

الاقتصاد الأمريكي يدفع ثمن الأموال السهلة

قال كبير مسؤولي الاستثمار في مجموعة “بليكلي فاينانشال جروب” بيتر بوكفار لـ”سي إن إن بيزنس” مطلع نوفمبر، إن الاقتصاد الأمريكي يدفع ثمن سنوات من الفائدة المنخفضة، فالتضخم المتصاعد هو أحد الآثار السامة لسياسة المال السهل والإنفاق المفرط.

ولسنوات تمكنت واشنطن من الاقتراض المجاني بقوة في ظل سياسات الفائدة المنخفضة، ولكن الأمر تغيّر مع بلوغ التضخم أعلى مستوياته في 40 عامًا، ورغم تراجعه خلال أكتوبر إلى 7.7% فإنه لا يزال بعيدًا للغاية عن هدف البنك المركزي، 2%.

أزمة وشيكة تهدد سوق السندات

يهدد استمرار الفيدرالي الأمريكي في رفع الفائدة الاقتصاد بركود وشيك، ويضع سوق السندات الأمريكية على حافة أزمة غير مسبوقة، وقالت “موديز” في مذكرة حديثة إن سوق سندات الشركات الأمريكية تلقت هذا العام ضربة قوية، ومن المتوقع استمرار الرياح المعاكسة خلال النصف الأول من 2023، مع ارتفاع في معدلات التخلف عن السداد، وفق “نيورك تايمز”.

وأدى تسريع وتيرة رفع الفائدة إلى خسائر بسوق السندات الأمريكية هي الأسوأ منذ 1926، في حين تشهد سوق سندات الخزانة الأمريكية تقلبات غير مسبوقة، وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ 2008، وقال بنك أوف أمريكا الشهر الماضي، إن خطر انهيار سوق السندات الأمريكية يتزايد في ظل استمرار موجة التشديد النقدي وتصاعد التضخم.

هل يتغلب الاقتصاد الأمريكي على الأزمة؟

يقول كبير مسؤولي الاستثمار في “بليكلي فاينانشال” بيتر بوكفار: “مع ارتفاع الفائدة ستتفكك فقاعة السندات السيادية، ولكن أمريكا ستكون قادرة على سداد ديونها ببساطة، فيمكنها طباعة المزيد من الدولارات لكن الأزمة الحقيقية ستكون في سعر الفائدة على هذه الديون”.

وأضاف أن سوق السندات الأمريكية ستعكس تداعيات هذه الأزمة لسنوات، وقد يبدأ حاملو الديون الأمريكية إعادة تقييم أوضاعهم بقوة خلال الفترة المقبلة، ويتوقع “بنك أوف أمريكا” أن يتدخل الاحتياط الفيدرالي في نهاية الأمر لدعم سوق السندات عبر إعادة تفعيل برنامج شراء السندات.

 

ربما يعجبك أيضا