وفيات موسم الحج.. تهديد مناخي للفئات الأكثر ضعفًا

إسراء عبدالمطلب

كان العديد ممن لقوا حتفهم هذا الشهر بسبب الحر الشديد في المملكة العربية السعودية من الحجاج غير المسجلين الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى مرافق التبريد أثناء الحج.


تعتبر موجة الحر القاتلة خلال موسم الحج في المملكة العربية السعودية هذا العام أمرًا مقلقًا للغاية.

وتفاقمت الظروف بشكل كبير بسبب درجات الحرارة الشديدة التي تجاوزت 125 درجة فهرنهايت في مكة المكرمة. إذ واجه الحجاج، بما في ذلك العديد من الذين لم يكونوا مسجلين، تحديات كبيرة في الحصول على الإقامة والخدمات الأساسية، ما تسبب في وفيات كثيرة بينهم.

الحج: معظمهم لا يحملون تصاريح لأداء الفريضة، ارتفاع حصيلة وفيات الحجاج إلى أكثر من ألف بينهم 650 مصري - BBC News عربي

موت الحجاج

حسب صحيفة واشنطن بوست، فإنه على الرغم من جهود الحكومة السعودية لتوفير بعض التسهيلات مثل طلاء الطرق بمادة تبريدية، واستخدام أنظمة الضباب وتوفير الظلال والمياه، إلا أن هذه الجهود لم تكن كافية لتخفيف الضغط الحراري الشديد على الحجاج. بالنظر إلى التحديات المتزايدة للتكيف مع الحرارة الشديدة في المنطقة والتغيرات المناخية المستمرة.

وقال شهود عيان وتقارير إعلامية إن آثار موجة الحر القاتلة خلال موسم الحج في المملكة العربية السعودية هذا الشهر تفاقمت بسبب نقص أماكن الإقامة وغيرها من الخدمات مثل مراكز التبريد لأولئك الذين سافروا إلى هناك دون تصاريح مناسبة.

125 درجة فهرنهايت

تجاوزت درجات الحرارة في مدينة مكة المكرمة 125 درجة فهرنهايت خلال أيام الحج الخمسة التي بدأت في 14 يونيو، وفقًا للمركز السعودي للأرصاد الجوية. ومن بين نحو ألف شخص تم الإبلاغ عن وفاتهم، وفقًا لإحصاء لوكالة فرانس برس، كان أكثر من نصفهم من الحجاج غير المسجلين، بما في ذلك 600 شخص من مصر وحدها، وفقًا لدبلوماسيين تحدثوا إلى وكالة فرانس برس ووكالات أنباء أخرى.

وقالت السلطات السعودية إن نحو 1.8 مليون حاج قاموا بهذه الرحلة، التي تعد واحدة من أركان الإسلام الخمسة. إذ أن الحج ملزم لكل مسلم قادر على أداءه مرة واحدة في حياته. وتتضمن العديد من المناسك قضاء فترات طويلة في الهواء الطلق والمشي لمسافات طويلة. وقد تكون هذه المناسك مكلفة أيضاً، وتوافق المملكة العربية السعودية على عدد محدد فقط من تأشيرات الحج كل عام، مع تحديد حصص لكل دولة ذات أغلبية مسلمة.

ومع ذلك، فإن مئات الآلاف من الأشخاص الذين لا يحصلون على التصاريح لا يزالون قادرين على المشاركة، وغالباً ما يكون ذلك بتأشيرات سياحية يتم ترتيبها من قبل مشغلي السفر غير المرخص لهم.

ارتفاع الحرارة في السعودية

مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، بما في ذلك في المملكة الصحراوية، والنظام المزدوج الذي يمنع العديد من الحجاج من الوصول إلى المرافق أو الخدمات، فإن الحج قد يصبح محفوفًا بالمخاطر بشكل متزايد، حيث تواجه الحكومة السعودية تدقيقًا متزايدًا بشأن دورها كمضيفة لأحد أكبر التجمعات الدينية في العالم.

وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، ارتفعت درجة الحرارة في المملكة العربية السعودية بمعدل أعلى بنسبة 50 في المائة من بقية نصف الكرة الشمالي، وفقًا لدراسة أجريت عام 2021 ونشرتها الجمعية الأمريكية للأرصاد الجوية، والتي قالت إنه إذا استمر هذا الاتجاه، “فسيكون بقاء الإنسان في المنطقة مستحيلًا بدون الوصول المستمر إلى تكييف الهواء”.

عتبة الخطر

ذكرت دراسة أخرى، نشرت في مجلة Geophysical Research Letters في عام 2019، أن تغير المناخ سيرفع الضغط الحراري للحجاج إلى مستويات تتجاوز “عتبة الخطر الشديد” من عام 2047 إلى عام 2052 ومن عام 2079 إلى عام 2086، “مع تزايد التردد والشدة مع تقدم القرن”.

ووصف الحجاج الذين أدوا فريضة الحج هذا العام درجات الحرارة المرتفعة التي كانت تخترق حتى الأماكن المكيفة. وتكدس الحجاج في المساجد المكتظة بالفعل أو رش بعضهم البعض بالماء في محاولة للتبريد. وسقط بعضهم أو ماتوا في الشوارع أثناء السير لأميال تحت شمس الصحراء.

حج بدون تصاريح

قال شهود عيان إن الحجاج غير المسجلين حُرموا في بعض الحالات من الوصول إلى الخيام المكيفة وغيرها من مراكز التبريد الرسمية حيث يمكن للحاصلين على تصاريح الحج الهروب من درجات الحرارة المرتفعة. وحثت السلطات الناس على البقاء في منازلهم مع ارتفاع درجات الحرارة، لكن “تقريبًا كل من كانوا يسيرون في الشوارع كانوا من الحجاج غير الموثقين”.

وبحسب رئيس اتحاد منظمي الحج والعمرة في إندونيسيا صيام رسفيادي، فإن الشرطة السعودية شنت حملة صارمة على الحجاج غير المسجلين قبل بدء موسم الحج. مضيفًا أن الشرطة أجرت عمليات تفتيش لبيوت الضيافة والفنادق واعتقلت المئات ممن لم يكن لديهم الوثائق اللازمة.

ولكن العديد من الحجاج، ومعظمهم من البلدان ذات الدخل المنخفض، يتعرضون للنصب والاحتيال في كثير من الأحيان من قبل السماسرة أو وكلاء السفر الذين ينتحلون صفة منظمي رحلات الحج الرسمية. فهم يدفعون المال مقابل ما يعتقدون أنه رحلة كاملة الخدمات، ولكنهم يصلون إلى هناك ليجدوا أنه لا توجد أي مساعدة متاحة لهم.

مصر تلغي تراخيص 16 شركة

قالت الحكومة المصرية، السبت، إنها ألغت تراخيص 16 شركة سياحية سهلت سفر الحجاج غير المسجلين، وستحيل أصحابها ومديريها إلى النائب العام. كما أن نسبة كبيرة من الحجاج من كبار السن، وبعضهم يستخدم مدخراته طوال حياته لأداء فريضة الحج قبل أن يموت. وهم أيضًا أكثر عرضة لدرجات الحرارة المرتفعة.

وبذلت الحكومة السعودية الجهود في السنوات الأخيرة، وكذلك قبل الحج هذا الشهر، لمحاولة التخفيف من الضغوط الحرارية على الحجاج، وفي وقت سابق من هذا الشهر، قالت السلطات السعودية إنها قامت بطلاء الأسفلت المحيط بمسجد نمرة، بالقرب من جبل عرفات، بـ”طبقة تبريد السطح” التي قال المسؤولون إنها ستعكس ضوء الشمس بشكل أفضل وتخفض درجات حرارة السطح بنحو 20 درجة مئوية، أو 36 درجة فهرنهايت، مما يخلق “بيئة أكثر راحة” للمشاة.

السعودية تكثف جهودها

في حين أن الطلاءات العاكسة قد تعمل على خفض درجة حرارة الأسفلت، فإن تأثيرها على درجات حرارة الهواء التي يتعرض لها المشاة محدود، كما تقول الأستاذة في جامعة ولاية أريزونا، أريان ميدل، والتي تركز على تنسيق الحدائق والبنية الأساسية للمناخ الحضري في مواجهة الحرارة الشديدة.

وأضافت: “إذا كنت تريد أن تحافظ على برودة الحجاج، فإن زيادة انعكاس أشعة الشمس على الطرق لن يساعد. فهو لا يقلل من الحمل الحراري على جسم الإنسان، وهو ما تريد تحقيقه من تبريد الناس”. متابعة: “إن توفير الظل على طول طرق الحج كان وسيلة أكثر فعالية لتبريد الناس عندما يكونون في الخارج”، مشيرة إلى الجهود السعودية لزراعة الأشجار وتوفير المياه والمظلات وتثبيت أنظمة الضباب.

وقالت: “مع ارتفاع درجات الحرارة، يتعين عليهم تكثيف هذه الجهود، لأن المزيد والمزيد من الناس سيحتاجون إلى تدابير التبريد هذه حتى لا يصابوا بأمراض مرتبطة بالحرارة أو يموتوا – وخاصة كبار السن الذين هم أكثر عرضة للحرارة”.

ربما يعجبك أيضا