ولاية خراسان في أفغانستان.. التحدي القادم في جنوب آسيا

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد

إن استمرار حالة «الضبابية» في المشهد السياسي والأمني في أفغانستان، يعطي فرصة لتنظيم «ولاية خراسان»  لتمثل تحديا أمنيا صعباَ ويتزايد هذا التحدي مع خروج القوات الأمريكية بالكامل من أفغانستان، المقرر في 31 أغسطس 2021 .

لا شك أن ولاية خراسان ـ داعش في أفغانستان شهدت تراجعا وضعفا من الداخل بعد الضربات التي وجهتها القوات الأمريكية في معاقله شرق أفغانستان، بالإضافة إلى اعتقال بعض قياداته من الخط الأول عند الحدود الأفغانية الباكستانية. وكانت الولايات المتحدة قد نفذت سلسلة عمليات منسقة ضد ولاية خراسان وبالتعاون مع الحكومة الأفغانية السابقة، لكن رغم ذلك يستغل التنظيم الطبيعة الجغرافية للمنطقة والتي جعلته يحتفظ بمعاقله لحد الآن.

 التنظيم خسر ما بين عام 2015  ـ2021، ستة من كبار قادته، قُتل الأربعة الأوائل في عمليات مكافحة الإرهاب وتم القبض على اثنين آخرين. بالإضافة إلى ذلك، قُتل أو أُلقي القبض على أكثر من 550 من القادة من المستوى المتوسط ​​بين عامي 2015 و2019. وعندما كان تنظيم داعش لا يزال يسيطر على مناطق في العراق وسوريا، كان يُنظر إلى أفغانستان على أنها امتداد لخلافة داعش في جنوب وسط آسيا. وقد ذكر بعض المحللين أن تنظيم  داعش أراد إنشاء شبه محافظة في شرق أفغانستان متصلة بباكستان وآسيا الوسطى.

ألقت الاعتقالات الأخيرة التي قامت بها السلطات الأفغانية على العديد من خلايا خراسان وأعضاء الشبكات في جميع أنحاء كابول والمناطق الحضرية الأخرى مزيدًا من الضوء على هذا الاتجاه ، لا سيما في سياق هجمات خراسان المتزايدة في المناطق الحضرية الآمنة التي أثارت تساؤلات حول المخبرين المحتملين والدعم اللوجستي لـ خراسان في تنفيذ تلك الهجمات.

تقارير إعلامية غربية ـ موقع  STIMSON  الصادر في اللغة الإنجليزية في تقرير له يوم السادس من أغسطس 2021 ذكر أن ولاية خراسان عندما كانت في ذروتها عام 2016 وصل عدد مقاتليها إلى 8500 مقاتل في أفغانستان، وإن صح هذا الرقم يعتبر حجم التنظيم كبيرا نسبيا في أفغانستان، وأضاف التقرير أن التنظيم يتمركز في منطقة ننجرهار وكونار.

استهدفت  خراسان بشكل متزايد المناطق الحضرية والأصول الأجنبية ، كما يتضح من الهجمات في عام 2020 بما في ذلك هجوم كابول غورودوارا ، والهجوم على عيادة في كابول، وعلى سجن جلال أباد، وهجوم جامعة كابول، تفجير مدرسة كابول وغيرها منذ توقيع طالبان اتفاقها مع الولايات المتحدة في الدوحة فبراير 2020. 

شن تنظيم داعش خلال عام 2020 هجمات صاروخية في وسط مدينة كابول باستخدام نظام قاذفة صواريخ متعددة مثبتة على مركبات في مناسبتين منفصلتين في وضح النهار ونفذ غارة على سجن في جلال أباد لتحرير مئات السجناء. تلك الموجودة في المناطق النائية ولكنها في الواقع توفر لخراسان مجموعة متنوعة من الأهداف السهلة أو عالية القيمة. الهجمات الأخيرة على الهزارة المذكورة سابقًا هي جزء من تكتيك متسق طويل الأمد لخراسان لإذكاء التوترات الطائفية بهجمات على الأقليات الدينية.  

ويقول الخبير الأفغاني برهان عثمان ، إن جميع هجمات تنظيم داعش وكذلك طالبان في كابول استخدمت نفس الشبكات المتشددة من خلال “الاستعانة بمصادر خارجية لوجستياتهم” من أجل اختراق الإجراءات الأمنية المشددة حول العاصمة.  

الهدف من تصعيد خراسان لعملياتها هو الحصول على الدعاية. يمكن ملاحظة ذلك في دعاية داعش الأخيرة المصممة خصيصًا لجمهور جنوب آسيا مثل مجلتها الإلكترونية صوت هند التي نُشرت في فبراير 2020 وبثتها إذاعة صوت خراسان التي أعيد تنشيطها في يناير 2021 ، بالإضافة إلى المشاركة النشطة المرئية لجنوب آسيا. 

هيكلية تنظيم خراسان

يتمتع التنظيم ب “الولاية” أي أن يكون هناك أمير مسؤول عن التنظيم ويتبعه أمراء المقاطعات الفرعية وكل واحد مسؤول عن منطقته بالتوازي مع  وجود رؤساء إلى اللجان والمجالس المختلفة مثل الجيش والتمويل والتجنيد واللوجستيات وما إلى ذلك. الزعيم الحالي لـ خراسان ، المعروف باسم شباب المهاجر يبدو أنه عربي، خبير في حرب المدن ويُنسب إليه الفضل في التخطيط لبعض الهجمات والعمليات الأكثر تعقيدًا التي يشنها تنظيم داعش، مثل مداهمة سجن جلال آباد التي استمرت 20 ساعة في أغسطس 2020. ومع ذلك ، منذ أيامه الأولى ، كان تنظيم ولاية خراسان قد ابتلي بالاقتتال الداخلي.

وقد كتب باحثون معنيون بالتطرف في جنوب آسيا، مثل أنطونيو جوستوزي عن الخلافات بين أعضاء أو فصائل باكستانية وأعضاء من آسيا الوسطى في  خراسان لأن هذا الأخير يشتبه في أن الأول يتواطأ مع باكستان . تكمن مشكلة هذا الاعتقاد التقليدي في أنه يتجاهل حقيقة أن خراسان قد ركزت محاولتها لتوطين فرعها في خراسان من خلال تجنيد الأفغان بشكل متزايد، واستغلال المظالم المحلية ، ومناشدة الشباب المحليين باستخدام الدعاية عبر الإنترنت.  وهذا ربما كان وراء بقاء خراسان كجماعة “جهادية” في أفغانستان على الرغم من دخولها الجديد نسبيًا في المشهد الجهادي الأفغاني في هذا السياق.

النتائج

ـ أصبحت أفغانستان نقطة انطلاق للتنظيم خراسان ـ داعش لإعادة بناء نفسه في المنطقة  رغم تفرعات  تنظيم داعش وفروعه في الهند وباكستان وبنغلاديش ، وسمح تراجعها في السنوات الأخيرة للتنظيم بالتركيز على أهداف قصيرة المدى وقابلة للتحقيق ، مثل استهداف المسؤولين الأفغان ، والسعي إلى إطلاق سراح مقاتليه الأسرى بعنف من السجون.

ـ فشل الهيكل التنظيمي الرسمي لـ خراسان في ممارسة القدرة الإدارية والحوكمة  حتى الآن ، كان خمسة من القادة الستة المعروفين لـ خراسان ، باكستانيين – ثلاثة منهم كانوا ينتمون سابقًا إلى حركة طالبان باكستا  وواحد منشق عن طالبان .

ـ هناك افتراض تقليدي يعتبر خراسان كيان “أجنبي” إلى حد كبير أو أيديولوجية غريبة على المشهد الجهادي في أفغانستان.

ـ إن الانتشار المتزايد للأفكار “السلفية الجهادية” بين الشباب الأفغان المتعلمين في المناطق الحضرية تحول إلى محرك لتجنيد  تنظيم خراسان للخلايا الحضرية ويكمن ذلك وراء مشكلة الفراغ الأمني . 

ـ ظهور تنظيم خراسان ـ داعش  على المسرح “الجهادي” العالمي ومن ثم في أفغانستان قد غيّر بشكل تدريجي الميول”  الجهادية “بين الشباب السلفيين  ليتحولوا من عناصر هامشية إلى عناصر تحظى بالاهتمام لدى خراسان، وما يزيد في ذلك أن خراسان ينشط في منطقة تشكل فيها العلاقة بين الإسلام والدولة جزءًا لا يتجزأ من رواية أي جماعة إسلامية . وهذه الفكرة كانت وراء توجه أتباع” السلفية الجهادية ” في أفغانستان بالتعاطف مع  خراسان بهدف إنشاء ولاية محلية (مقاطعة) كجزء من “خلافة عالمية ” على عكس طالبان الذين يتبعون عمومًا المذاهب الديوبندية والحنفية الإسلامية ويريدون إنشاء إمارة إسلامية داخل أفغانستان. 

ما ينبغي العمل عليه، أن يكون هناك تحالف إقليمي في جنوب أسيا، من شأنه أن يتحمل مسؤولية محاربة تنظيم خراسان، كونه أصبح يمثل تهديدا لدول المنطقة، خاصة بعد سيطرة طالبان على أفغانستان، فالتنظيم يحاول أن يثبت وجوده من خلال تنفيذ عمليات إرهابية خاصة في داخل المدن وداخل أفغانستان، ومنها محيط مطار كرازي في كابول.

ربما يعجبك أيضا