بوتين وبايدن «يتفقان» على استمرار الحرب.. من ينتصر؟

ثروت منصور

أظهر الخطابان اللذان ألقاهما بوتين وبايدن قبل 3 أيام من ذكرى الحرب الروسية الأوكرانية، رؤية مختلفة للنظام العالمي، ومحاولة كلا الجانبين إثبات نظريته.


ألقى الرئيسان الروسي والأمريكي خطابان، الثلاثاء 21 فبراير 2023، قبل ثلاثة أيام من الذكرى الأولى للحرب الروسية الأوكرانية.

بدأ اليوم الذي وُصف بـ«يوم الخطب»، بوقوف فلاديمير بوتين أمام البرلمان الروسي، ليشدد على استمرار «العملية الخاصة» في أوكرانيا، فيما ظهر جو بايدن في المساء، ليلقي خطابًا أمام الآلاف في قلعة وارسو ببولندا، يعلن فيه أيضًا استمرار الدعم الأبدي لكييف.

الخطابان

نادى بايدن وهو تحيطه الأعلام البولندية والأوكرانية: «كييف تقف قوية.. كييف تقف فخورة، وشامخة، والأهم من ذلك، أنها تقف حرة”. على الجانب الآخر، بدأ بوتين خطابه “بلادنا تعيش فترة تحول معقدة، وهي فترة من التغييرات لا رجعة فيها في جميع أنحاء العالم، والأحداث التاريخية الحاسمة التي ستحدد مستقبل بلدنا وشعبنا”.

أظهر الخطابان اللذان ألقاهما بوتين وبايدن قبل ثلاثة أيام من ذكرى غزو روسيا لأوكرانيا، رؤية مختلفة للنظام العالمي، ومبارزة كلا الجانبين في إثبات نظريته. قال بايدن في حضرة آلاف من النساء، موبخا بوتين: “لقد استخدم الاغتصاب كسلاح حرب، وخطف الأطفال الأوكرانيين، كل هذا بغيض”.

أجمع الجانبان في موسكو ووارسو على أنهم مستمرين في الحرب حتى الانتصار، فتعهد بايدن بأن بوتين لن ينتصر في هذه الحرب، وشدد نظيره الروسي على أنه لن يقبل بالهزيمة وسيحقق أهدافه.

بوتين قال إن “روسيا تريد السلام دائمًا”، لكن “النظام النازي الجديد في السلطة في كييف” أجبرها على “الحرب لوقف الحرب (اعتداء أوكرانيا على الانفصاليين)”. وتعهد بايدن بأن الولايات المتحدة لن تكل في دعمها لأوكرانيا، واصفًا الالتزام الأمريكي بحلف الناتو وأوكرانيا على أنها معركة من أجل الحرية، قائلًا “الحرية أحلى كلمة”. 

لا تغيير في المسار

في الجانب الآخر، لم يُظهر بوتين أي علامة على أنه سيغير مساره، وبدلًا من ذلك أشار إلى أنه ينبغي على الروس الاستعداد لحرب طويلة في المستقبل. واتهم بوتين الغرب بمشروع “شمولي” للسيطرة على العالم تحت ستار انتشار القيم الليبرالية، وأعلن أن روسيا ستعلق معاهدة الأسلحة النووية (ستارت) مع الولايات المتحدة.

خلال حديثه في وارسو، ألقى بايدن باللوم على بوتين في الحرب، والتي أطلق عليها اختبار الولايات المتحدة وأوروبا والديمقراطيات في كل مكان. وقال الرئيس الأمريكي “إن دعمنا لأوكرانيا بدون تردد، ولن ينقسم حلف الناتو، ولن يكلوا”، مضيفًا “ستفشل شهوة الرئيس بوتين في الغزو والسلطة”.

هجوم إلكتروني

في خطابه، ادعى بوتين مرة أخرى أن الدول الغربية هي من “بدأت الحرب” في أوكرانيا، وهو ما نفاه بايدن في وارسو. وقال الرئيس الأمريكي: “الغرب لم يكن يخطط لمهاجمة روسيا”، داحضًا حجج بوتين بأن روسيا كانت هي الدولة المهاجمة لأوكرانيا.

خلال بث التلفزيون لخطاب بوتين، سقطت مواقع وسائل الإعلام الحكومية عدة مرات “لأسباب تقنية” وفقًا لوكالة الأنباء الحكومية “ريا نوفستي” التي زعمت وجود هجوم سيبراني.

وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك سوليفان في رد على بوتين: “لا أحد يهاجم روسيا. هناك نوع من العبث في فكرة أن روسيا كانت تتعرض لشكل تهديد عسكري من أوكرانيا أو أي شخص آخر”.

فيما رد مستشار الرئيس الأوكراني، ميخائيل بودولياك، قائلًا: “لقد أظهر بوتين علنًا أنه غير مبالي ومرتبك. ليس لديه حلول واعدة، ولن يكون لديه أي شيء، طالما كان هناك نازيين ومريخين الذي يتصورهم ونظريات المؤامرة التي يرددها”.

قتال روسي داخلي

عشية خطاب بوتين، اتهم رئيس جماعة المرتزقة الروسية فاجنر، يفجيني بريجوزين في تليجرام وزير الدفاع ورئيس الأركان في الجيش الروسي، بحرمان مقاتليه من الذخيرة في “محاولة لتدمير فاجنر”. تحدث بوتين عن الصداقة مع الغرب، مشيرًا الى أن “روسيا تعرف كيف تكون صديقًا” وذكر أن بلاده كانت “الدولة الأولى” في مساعدة إيطاليا خلال جائحة كوفيد-19. 

وأعلن زعيم الكرملين أيضًا عن “تعليق” تطبيق معاهدة ستارت النووية، آخر اتفاقية حول الحد من الأسلحة النووية التي لا تزال سارية مع الولايات المتحدة الأمريكية، لأن موسكو لا يمكن أن تسمح للمفتشين الأمريكيين بزيارة المواقع النووية الروسية بينما تعتزم واشنطن إلحاقها “هزيمة استراتيجية”.

الرد الأمريكي

في رده على بوتين، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في أثينا، إن معاهدة “ستارت” تواجه مشاكل منذ فترة طويلة، لكن اعتبر  إن قرار روسيا بالتراجع عنها بالـ “مؤسف للغاية وغير مسؤول”.

وقالت إدارة بايدن الشهر الماضي إن روسيا لم تكن متوافقة مع الاتفاقية، ولا تغطي الأسلحة النووية التكتيكية التي هدد بها بوتين في بعض الأحيان بأوكرانيا.

هزيمة استراتيجية

أكد بوتين أن “الغرب انخرط في الغش، وأغلق عينيه على جرائم القتل السياسية وقمع نظام كييف وشجع النازيون على ارتكاب أعمال إرهابية” ضد المناطق الانفصالية. وأضاف الرئيس الروسي أن هدف الغرب هو إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا: “يريدون القضاء علينا إلى الأبد. لهذا السبب، سيتم تنفيذ العملية الخاصة بشكل منهجي حتى يتم تحقيق الأهداف”.

من جانبه، علق المحلل في الإذاعة الألمانية رومان جونشارينكو قائلًا  إن “فلاديمير بوتين يشتهر بخلط الحقائق والخيال”. وقال جونشارينكو إن رسالة بوتين في خطابه هي أن الغرب “بدأ هذه الحرب” وأن روسيا تستخدم القوة فقط لوقفها، مضيفًا أن “هذه الفكرة بالطبع كذبة”.

التطبيع مع الحرب

في رسالة ذو حدين، طمأن بوتين جميع المشاركين في “العملية العسكرية الخاصة” بأنهم سيحصلون على إجازة زيارة للوطن لمدة أسبوعين كل ستة أشهر، لكن ذلك أعطى انطباع بأن الحرب ستطول. كانت هذه واحدة من العديد من المؤشرات في الخطاب على أن الكرملين يعد الروس لطبيعة جديدة للحرب ومواجهة مستمرة مع الغرب في المستقبل المنظور.

وكتب المحلل السياسي كيريل روجوف على فيسبوك إن “الفكرة الرئيسية للخطاب، كما فهمتها، كانت التعايش مع الحرب التعايش مع القمع والجنازات والسجون.. الخ”. وأعلن زعيم الكرملين عودة “بحر آزوف إلى بحر داخلي روسي بالكامل”، متعهدًا “بإحياء الصناعات وموانئ بحر آزوف”.

حديث عن الاقتصاد

في خلفية زرقاء فاتحة خافتة، انتقل بوتين من النقد اللاذع للولايات المتحدة وأوروبا، إلى مخاطبة الجمهور الروسي، عبر مزيج من الدعوات للوحدة مع التطمينات بأن كل شيء على ما يرام خاصة الاقتصاد.

أكد بوتين أن “الاقتصاد الروسي اجتاز جميع المخاطر”، رغم تراجع الناتج المحلي في عام 2022، 2.1 ٪ مقارنة بالتوقعات الأسوأ بكثير في مارس 2022. وقال الرئيس الروسي في خطابه: “لدينا كل شيء لضمان سلامة وتطوير البلاد. سنوسع التعاون الاقتصادي مع البلدان الأخرى وسنبني ممرات لوجستية جديدة”.

توبيخ من بوتين

خاطب بوتين رجال الأعمال قائلًا: “أولئك الذين نقلوا أموالهم إلى الخارج، تم تجميدها، وسرقتها، وفقدوا كل شيء. لا أحد من مواطنينا يأسف على أولئك الذين فقدوا رأس أموالهم في الخارج  أو اشتروا يخوت وأموالهم تم تجميدها”.

وتابع بوتين: “هناك خيار ثانٍ: العمل في وطنك، هناك رجال أعمال وهؤلاء كثيرون، يردون العمل هنا، وهنا هو مستقبل الأعمال”. وقال إن الاتحاد الروسي قد خصص أكثر من تريليون من روبل لدعم اقتصاده لمواجهة العقوبات، مشددا على أن العديد من الصناعات لم يتراجع إنتاجها في العام الماضي، ولكنها زادت بالفعل، وأظهرت الزراعة أيضًا نموًا في الإنتاج.

وعلق الخبير السياسي كيريل شامييف على تويتر: “خطاب بوتين يشبه جلسة علاج نفسي مجانية ضخمة، كل شيء على ما يرام، ودافئ، ولطيف، وناجح. أغلق عينيك وثق بنفسك”.

استدعاء المجتمع

تحدث بوتين عن انتشار نظريات الجنسين في الغرب وطالب بإنقاذ الأطفال من “الكارثة الروحية” التي ينفذها الغرب، قائلًا: “يارب اغفر لهم، إنهم لا يعرفون ماذا يفعلون”. وأضاف بوتين: “شاهدوا ما يفعلونه مع شعوبهم.. يتم إعلان تدمير الأسرة والهوية الثقافية والوطنية، والانحراف والسخرية من الأطفال، والاعتداء على الأطفال، كل ذلك أصبح القاعدة الطبيعية، يجب علينا حماية أطفالنا”.

 وتابع: “هناك أيضًا كهنة يوافقون على حفلات الزفاف المثلية. الأسرة هي الاتحاد بين رجل وامرأة”، مشيرا إلى أن هذا الأمر مؤكد “من قبل النصوص المقدسة لكل الأديان. لكن الغرب يتجاوز النصوص المقدسة”. وأضاف الرئيس الروسي: “يجب أن ندافع عن أولادنا  وأطفالنا  من التدهور الذي يحاول الغرب أن يدمر به مجتمعنا”. 

في رأي جونشارينكو، فإن بوتين كان يسعى لتعبئة الروس من أجل “حملة صليبية معادية للغرب” ليس فقط من خلال إلقاء اللوم على الغرب في بدء الصراع، ولكن أيضا من خلال إطلاق مزاعم مثل “الاعتداء الجنسي على الأطفال أمر طبيعي في الغرب”.

ربما يعجبك أيضا