يوم النجاة الأعظم .. “عاشوراء” بين الشيعة والسنة

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

يحتفل المسلمون في العاشر من محرم كل عام بيوم “عاشوراء”،  أو كما وصفوه بيوم “النجاة الأعظم”، حيث ورد في التاريخ والآثار أنه يوم شهد العديد من المعجزات والحوادث الهامة.

تحدث المؤرخون عن الكثير من مواقف نجي الله فيها المؤمنين، ثبت بعضها ولم يثبت الآخر، فهو يوم التوبة على آدم، ويوم استواء سفينة نوح وخروجه منها، ويوم نجاة الخليل إبراهيم من النار، ويوم نجاة موسي وبني إسرائيل ويوم رفع عيسى إلى السماء.

توبة آدم

يروي المؤرخون أنه في يوم “عاشوراء” تاب الله على أبي البشر آدم عليه السلام، الذي عصى ربه ونزل إلى الأرض بأمر من الله تعالى لتحقيق سنّة الاستخلاف في الأرض، وبدأ الخليقة، وتاب آدم عن ذنبه هذا وقبل الله توبته في هذا اليوم المجيد، يقول تعالى “فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ”، وذكر الحافظ ابن رجب في (لطائف المعارف): صح من حديث أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد أنه قال: “سألت عبيد بن عمير عن صيام يوم عاشوراء؟ فقال: المحرم شهر الله الأصم فيه تيب على آدم عليه السلام فإن استطعت أن لا يمر بك إلا صمته فافعل”.

نجاة نوح

ويمر الزمان وتستوى سفينة “نوح” في عاشوراء، يقول الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: “وقال قتادة وغيره: ركبوا في السفينة في اليوم العاشر من شهر رجب، فساروا مائة وخمسين يوما واستقرت بهم على الجودي شهرا”.

وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم، وقد روى ابن جرير خبرا مرفوعا يوافق هذا، وأنهم صاموا يومهم ذلك.

وعن عبد العزيز بن سعيد عن أبيه، وكانت له صحبة، قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رجب شهر عظيم، فذكر حديثا في فضل شهر رجب، وفيه: وفي رجب حمل الله نوحًا في السفينة، فصام رجب وأمر من معه أن يصوموا، فجرت بهم السفينة سبعة أشهر أخرى، ذلك يوم عاشوراء أهبط على الجودي، فصام نوح ومن معه والوحش شكرا لله عز وجل، وفي يوم عاشوراء فلق الله البحر لبني إسرائيل، وفي يوم عاشوراء تاب الله عز وجل على آدم صلى الله عليه وسلم وعلى مدينة يونس، وفيه ولد إبراهيم صلى الله عليه وسلم”.

نجاة موسى من فرعون

وكما أخبرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما راوه الإمام البخاري في صحيحه فإنه في يوم العاشر من المحرم نجى الله فيه سيدنا موسى عليه السلام من الغرق، وكان قد لقي من فرعون وأتباعه ما لقي من الأذى، فخرج سيدنا موسى ومن تبعه من بني إسرائيل من مصر، فلحقه فرعون هو ومن معه ليبيده، فلما وصل إلى البحر أوحى الله إلى نبيه موسى عليه السلام أن يضرب بعصاه البحر فانفلق البحر اثني عشر فرقا بين كل فرقين طريق يبس فاجتاز موسى ومن كان معه من المؤمنين، ثم جاء فرعون بعُدده وعَدده، فأمر الله البحر أن يلتطم فالتطم عليه هذه الأمواج القائمة فهلك هو وجنوده، ونجى سيدنا موسى ومن معه من المؤمنين.

لذلك ما وجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم اليهود يصومون يوم العاشر من المحرم وعلم أنهم يصومون ذلك اليوم شكرًا لله على نجاة سيدنا موسى، قال: “نحن أولى بموسى منهم” وأمر بصيام ذلك اليوم محتسبًا أن يكفر الله لمن صامه سنة قبله.

مأساة كربلاء

في اليوم العاشر من شهر محرم سنة 61 من الهجرة وقعت حادثة مروعة مفجعة ألمت بالمسلمين وأفجعتهم وملأت القلوب حزنا وأسى ومرارة، ففي يوم الجمعة في العاشر من شهر محرم قُتل سيدنا الإمام أبي عبد الله الحُسين بن علي بن أبي طالب حفيد سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم، ابن بنته السيدة فاطمة الزهراء البتول رضى الله عنهم على أيدي فئة ظالمة.

فاستشهد الإمام الحسين وهو ابن ست وخمسين سنة وهـو الذي قال فيه سيدنا الرسول وفي أخيه: “الحَسَن والحُسَين سيدا شباب أهل الجنة “. ودعــا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم للحَسَن والحُسَين فقال: “اللّهُمّ إني أحبُّهما فأحِبَّهُما “، وقال الرسول عنهما: “هُما ريحانتاي من الدنيا”.

وروى البخاري عن عبد الله بن عمر أن رجلًا من أهل العراق سأله عن المحُرِم في الحج الذي يقتل الذباب فقال: أهلُ العراق يسألون عن قتل الذباب، وقد قتلوا ابن بنت رسول الله.

البداية من هنا

 تصاعدت مظاهر الاحتفال الدموية للشيعة بذكرى عاشوراء  خلال عصر الدولتين “البويهية” و”الصفوية” التي حكمت غرب إيران والعراق، بعدما أمر حاكمها الدولة بإغلاق الأسواق في العاشر من محرم، وخرج وقتها النساء يلطمن الوجوه ويشققن الملابس حزنًا على مقتل الحسين.

 بعد ذلك تطورت مظاهر وطقوس الاحتفال حتى ظهرت مجالس التعزية، لمحاكاة الآلام التي عانى منها الحسين بمقتله، ومن هنا بدأت مظاهر الضرب بالسلاسل الحديدية على الظهر والسكاكين على الرأس، وتقييد أيدي النساء والزحف على أرجلهم في موكب الحسين يجسدون من خلاله وقائع ما حدث في كربلاء.

بينما تختلف طقوس الشيعة في الاحتفال بيوم عاشوراء حول العالم، ويعتبر اليوم عطلة رسمية ، في حين تقتصر مظاهر الاحتفال في البلدان السنية علي الصيام.

مرقد الحسين في العراق يحتشد آلاف الزوار بلباسهم الأسود عند مرقد الإمامين يستمعون من خلال مكبرات الصوت، إلى سيرة معركة كربلاء، حيث قتل الحسين، وتتحرك مواكب لمئات الرجال يرتدون ملابس بيضاء بممارسة شعائر التطبير بحز رؤوسهم بالسيوف والحراب قبل الضرب عليها وسريان الدم منها، ويحتشد حولهم آلاف الزوار عند مرقد الحسين.

 وفي المغرب يطلقون عليه “يوم زمزم” ويقوم فيه المغاربة برش الماء على بعضهم وعلى مقتنياتهم للتبارك، ويجتهد التجار في بيع كل بضائعهم، ويعقب عاشوراء “ليلة الشعالة”، حيث يجتمعون حول نار ويرددون الأناشيد ويقصون على الأطفال قصة مقتل الحسين.

ربما يعجبك أيضا