13 رمضان.. الفاروق عمر يتسلم مفاتيح بيت المقدس

محمود سعيد

خشي عمر أن يصلي في كنيسة القيامة فيتخذها المسلمون من بعده مسجدًا.


سجل فتح الجيش الإسلامي لبيت المقدس ودخوله إلى ثالث الحرمين الشريفين المسجد الأقصى، صفحة جديدة في تاريخ الحضارة الإسلامية لأهميتها الدينية والروحية.

أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب، وصل إلى فلسطين في 13 رمضان 15هجريًا، الموافق 18 أكتوبر 636 ميلاديًا، وتسلم مفاتيح مدينة القدس، ليمنح أهالي المدينة الأمان على أرواحهم وشعائرهم الدينية، فيما عرف بـ”العهدة العمرية”.

معارك مهدت لفتح بيت المقدس

فرت جيوش الروم بعد هزائمها في معارك أجنادين وفحل بيسان وحمص وقنسرين واليرموك وغيرها من المعارك في بلاد الشام إلى بيت المقدس، التي كانت ملجأ للذين خرجوا من المدن التي فتحها المسلمون ورفضوا البقاء فيها مثل دمشق.

كان الأرطبون وهو القائد الأعلى للجيش البيزنطي الذي يلي إمبراطور بيزنطة هرقل في المكانة، من بين الذين هربوا إلى بيت المقدس وقاد عملية المقاومة ضد المسلمين.

حصار بيت المقدس

قاد قائد الجيش الإسلامي، عمرو بن العاص، حصار مدينة القدس فوجد صعوبة في امتصاص الهجمات البيزنطية، فأرسل إلى الأرطبون يطلب منه التسليم مثل بقية المدن، ووعده بالأمان، لكن جيش الروم قاوم بضراوة، وعانى الجيش الإسلامي من المناخ البارد القاسي، كون الحصار بدأ في شتاء عام “636/ 637 ميلاديًا.

استغل الأرطبون وضع الجيش الإسلامي، ورفض الصلح وأطال أمد الحرب وشدد ضرباته العسكرية في محاولة منه لفك الحصار عن بيت المقدس، واضطر عمرو بن العاص، أن يطلب المساعدة من عمر بن الخطاب، وطلب مشورته قائلا: “إني أعالج حربًا كئودًا صدومًا، وبلادًا أدخرت لك، فرأيك”.

مساعدات عمر بن الخطاب

أمد الخليفة عمر سريعا الجبهة الفلسطينية بقيادة عمرو بن العاص بمدد من المدينة المنورة، وأرسل إلى أبي عبيدة لينجد الجبهة لفلسطينية، وكان قد فرغ لتوه من تطهير شمالي بلاد الشام، فغادر المنطقة ونزل في الجابية، وقد صحبه خالد بن الوليد، وأرسل إلى يزيد بن أبي سفيان بأن يبعث أخاه معاوية لقيسارية ليحاصرها، بهد تشتيت قوى جيش الروم وإضعافه.

تولى أبو عبيدة عامر بن الجراح فور وصوله قيادة القوات الإسلامية، فارتفعت معنويات الجند وانهارت معنويات الروم، وتوالى سقوط المدن المحيطة ببيت المقدس فانقطعت عنهم الإمدادات العسكرية وعلموا أن خليفة المسلمين في طريقه إلى المنطقة، فأدركوا عندئذ أن مدينتهم لن تستطيع الاستمرار بالمقاومة.

ثمار استراتيجية عمر العسكرية

أسفرت خطة عمر عن انسحاب الأرطبون مستخفيًا في قوة من الجند إلى مصر، وتسلم البطريك العجوز صفرونيوس مقاليد الأمور في المدينة فأصلح استحكاماتها، وشحذ همم سكانها في محاولة أخيرة للصمود، وأجبرهم الحصار الطويل الذي استمر 4 أشهر على البقاء داخل أسوار مدينتهم، لكنهم أدركوا أن لا طائل من المقاومة.

لكن البطريرك ورهبان بيت المقدس قالوا: “لن يفتحها إلا رجلٌ، وذكروا بعض الأوصاف الجسمية لرجل معين، وأن اسمه يتكون من ثلاثة حروف، فوجد المسلمون أن هذه المواصفات لا تنطبق إلا على الفاروق عمر بن الخطاب”.

نص العهدة العمرية لأهالي بيت المقدس

ذهب عمر ليتسلم مفاتيح القدس، ولكنه لم يدخل عمر إلى القدس مباشرة، وإنما ذهب إلى منطقة الجابية وكان المسلمون هناك مستعدين لاستقباله، وبعد هروب الأرطبون، حضر البطريرك صفرونيوس وهو والي القدس بالوكالة إلى الجابية واتفق مع الخليفة الراشد على الصلح، وكتب عمر بن الخطاب العهدة العمرية، التي أجمع عليها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونصت العهدة العمرية على “بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحيمِ، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، وإيلياء هي القدس، أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرَهون على دينهم، ولا يُضَارّ أحدٌ منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود”.

الجزية والرحيل مع الروم

أضاف: “على أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يخرِجُوا منها الروم، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصُلُبَهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا أمنهم، ومن أقام منهم فعليه مثل ما على أهل إيلياء، ومن شاء أن يسير مع الروم، سار مع الروم وهو آمن، ومن شاء أن يرجع إلى أهله، رجع إلى أهله، وهو آمن”.

وختم بالقول: “على ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية، شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان وكُتِبَ وحُضِرَ سنة خمس عشرة”.

عمر في القدس

بعد ذلك دخل عمر بن الخطاب بيت المقدس وتسلم مفاتيح المدينة وأعطى سكانها الأمان والحرية في عبادتهم وشعائرهم الدينية، وذهب لتفقد كنيسة القيامة بناءً على دعوة البطريرك صفرونيوس، وأدركته الصلاة وهو فيها، فالتفت إلى البطريرك، وقال له: “أين أصلى؟”، فقال: “صلِّ مكانك”، فخشي عمر أن يصلي فيها فيتخذها المسلمون من بعده مسجدًا.

وقال: “ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجدا”، وابتعد عنها رمية حجر وفرش عباءته وصلى، بعد ذلك بُني مسجد “عمر” في البقعة نفسها التي صلى فيها الخليفة عمر بن الخطاب، واستمر الحكم الإسلامي على القدس لمدة 400 سنة، إلى أن جاءت الحملة الصليبية الأولى في عام 1099 ميلاديًا.

ربما يعجبك أيضا