هآرتس | مداهمات الفَجر.. لم يكن هذا ليحدث بمنطقة يهودية!

مترجمو رؤية

رؤية

ترجمة – محمد فوزي

إذا تخيلنا مشهد استيقاظ عائلة يهودية من منطقة رمات هشارون الساعة السادسة صباحًا على ضجيج مداهمة عناصر شرطة ملثمين ومسلحين لمنزلهم، من أجل إخراج جميع أفراد العائلة من المنزل بهدف إجراء تفتيش يستمر لمدة ساعتين، دون أن ينتبهوا لممتلكات العائلة، دون أي دليل على ارتكاب أي عمل إجرامي، ثم تظهر بعد انتهاء عملية التفتيش طائرة مروحية يقفز منها رجال شرطة آخرون ليقتحموا المنزل، ثم يتضح في النهاية أن العملية كانت مجرد تمثيلية دعائية قام بها جهاز الشرطة ليبثها من على شاشات التلفزيون، ما رأيكم في هذا التخيل؟!

ما جرى سرده في الأعلى حدث بالضبط خلال الشهر الماضي، ولكن مع اختلاف جوهري واحد، إذ لم تحدث هذه الواقعة في منطقة رمات هشارون اليهودية، بل في قرية أبو تلول العربية في النقب، حيث لم تكن العائلة التي عايشت هذه الواقعة عائلة إسرائيلية؛ بل كانت عائلة بدوية، حيث تحول أفراد عائلة أبو سبيلة إلى كومبارس، وتحول منزلهم في أبو تلول إلى موقع تصوير لإنتاج إعلانات ترويجية لحملة الشرطة لمحاربة الجريمة في المجتمع البدوي، بل ولم يكن هذا كافيًا، فقد عرض استوديو الجمعة الإخباري بالتلفزيون الإسرائيلي أحدها كتقرير تناول أداء ومسيرة مفوض الشرطة كوبي شبتاي، وأنه راقب عرض القوة التمثيلي من مكان مجاور، ليقوم مع انتهائه بالإعلان بشكل احتفالي بأنهم قد حققوا الهدف، وعثروا على ما كانوا يبحثون عنه، وذلك رغم أن قوات الشرطة لم تجد شيئًا في الأساس.

عُرضت تلك المسرحية على مرأى ومسمع مئات الآلاف من المشاهدين، الذين بدورهم اقتحموا خصوصية منزل عائلة أبو سبيلة؛ بل والأصعب إعلان الطواقم الإخبارية عن العثور على وسائل قتالية ومخدرات في قرية بدوية في النقب، وذلك دون التحقق من صحة الخبر!

بالطبع لا حاجة لنا للقول بأن الشرطة لم تكن لتجرؤ على انتهاك حقوق عائلة إسرائيلية – يهودية تقطن بلدة يهودية بهذا الشكل، لأغراض دعائية فقط، فلو كانت العائلة المذكورة يهودية، لاحتج السياسيون في البلاد وتصدر هذا الانتهاك الصارخ جميع عناوين وسائل الإعلام الرئيسية، لكن وكالعادة عندما يتعلق الأمر بالمجتمع العربي، وتحديدًا بالسكان البدو في القرية غير المعترف بها، فكل شيء مباح، ولن نبالغ إذا أسهبنا في حديثنا عن تبعات هذه الواقعة السلبية على المجتمع البدوي بالذات على عائلة أبو سبيلة، ناهيك عن الضرر الذي لحق بسجل جهاز الشرطة الأخلاقي.

ولمن لا يعرف، فقد كان انتشار العنف والجريمة والفوضى في المجتمع البدوي في النقب، وليد إهمال الدولة المستمر، حيث إنها ترفض التعامل مع 300 ألف شخص يسكنون النقب كمواطنين وكبشر، ولا تميز بين المجرمين والمواطنين العُزّل، بل وتصرُّ على اعتبارهم مذنبين ما لم يثبت عكس ذلك، ولا يسود هذا التوجه في صفوف الشرطة فقط، بل أيضًا على المستوى السياسي، فالمجتمع البدوي هو الضحية الأولى والأخيرة للجريمة، ومن ثم فإن علاج المشكلة من خلال أساليب مستوحاة من أفلام الحركة، ستبوء بالفشل لأن الدولة ترفض معاملة مواطنيها البدو كمواطنين متساوين.

وللأسف حوّلت هذه العروض الدعائية التدابير الحالية إلى حملة دعائية عبثية وجوفاء أضعفت من ثقة الجمهور الإسرائيلي بشكل عام، والبدوي بشكل خاص بجهاز الشرطة وسائر مؤسسات الدولة، فقد تلقت الشرطة قبل سنتين ضربة قوية، عندما كشفت سلسلة وثائقية حول أداء أفراد شرطة تل أبيب، وأنهم زرعوا سلاحًا في منزل أحد سكان منطقة العيسوية العربية في القدس الشرقية، رغم أن التفتيش لم يسفر عن شيء!

ووفقًا للبيانات الصادرة من المعهد الإسرائيلي للديمقراطية هذا العام، فإن نحو 41% من الإسرائيليين اليهود، وحوالي  25% من المواطنين العرب فقط يثقون بجهاز الشرطة، ويرجَّح أن أحد أسباب ذلك هو الشعور العام بأن الشرطة لا تخدم الجمهور؛ بل إنها تعمل ضده وضد مصالحه في بعض الأحيان، ولهذا ينبغي على جهاز الشرطة أن يدرك أنه في حاجة إلى ثقة الجمهور العربي، لا سيما البدوي في النقب الذي يُصنَّف على أنه مجموعة من المجرمين، ولن تحظى الشرطة بهذه الثقة ما لم تُثبت أنها تستهدف المجرمين فعلًا وليس المجتمع البدوي بأكمله، لكن ما نراه اليوم يوحي بعكس ذلك تمامًا!

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا