مركز الإنذار المبكر: تحولات الرأسمالية العالمية وكيف تنعكس على الاقتصادات العربية؟

يوسف بنده

رؤية

نشر مركز الإنذار المبكر للسياسات تقريرًا أعده الباحث محمد العربي، حول مستقبل النظام الاقتصادي الرأسمالي وتحولاته في العالم. حيث يدور المسار المستقبلي الأكثر أمنًا للاقتصاد العالمي حول بناء نماذج للتنمية الاقتصادية تكون أكثر تضمينًا واستدامة، وأكثر حفاظًا على البيئة والموارد المستقبلية وحساسية تجاه المناخ، وأن تسعى إلى مزيد من المساواة وأن تضمن الرعاية الصحية للجميع وتبقي على روح الإبداع.

ويستطرد التقرير: منذ مطلع القرن الحالي، يمر النظام الاقتصادي الدولي بالعديد من الأزمات المتلاحقة التي دائمًا ما توصف بأنها دورية، مثل أزمة الرهن العقاري في ٢٠٠٨ وتداعياتها اللاحقة، مرورًا بأزمة الأسواق الناشئة والديون العالمية، وصولاً إلى التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا.  وتعبر هذه الأزمات عن تحولات أعمق في بنية نموذج الليبرالية الاقتصادية والسوق الحرة العالمية. وبقدر ما تحمل هذه التحولات من مخاطر، بقدر ما تجلب من فرص، ويمكن تلخيص هذه التحولات في النقاط التالية:-

الريعية: كشفت الأزمة الاقتصادية في العام 2007/ 2008 عن تحول الرأسمالية بشكل كبير إلى رأسمالية غير إنتاجية، حيث تضخم القطاع المالي والعقاري والريعي على نحو ضخم بحيث أصبحت الاقتصادات أقل تنوعًا، وأقل إنتاجًا مما كانت عليه في المرحلة المبكرة لنشأة النظام الرأسمالي. الريع هو أحد مكونات الإنتاج ويشير إلى تحقيق أرباح دون إنتاج للقيم، كالإيجارات والمضاربات، وحقوق الملكية الفكرية. وقد كشفت تقرير الجنة الأوروبية للحقوق الفكرية في 2018 عن ارتفاع مساهمة الصناعات كثيفة الملكية الفكرية في الناتج المحلي الأوروبي إلى 42% مقابل 39% في 2013.

عودة الدولة: كشفت الأزمات المتلاحقة عن فشل السوق الحرة في تصحيح مسارها، بحيث أصبحت اليد الخفية تحتاج إلى من يقودها. في الواقع ارتبط تطور النظام الرأسمالي بتصاعد قوة الدولة والحاجة إليها لعلاج الأعراض الجانبية للسوق الحرة، خاصة عدم عدالة توزيع الثروة، وفي أوقات الأزمات والحروب. ومع تلاحق الأزمات، أصبح دور الدولة يتجاوز القيام بوظائف الحراسة والعدل. ويتحول الجدل حاليًّا بين دعاة تقويم النظام والمزيد من الحريات مع إذا كان دور الدول “مُصَحِحًا” أم “شريكًا” في الاقتصاد، خاصة بعد الدعم الكبير الذي قدمته الحكومات الغربية للبنوك والقطاع المالي خلال الأزمة المالية العالمية. ومع صعود الصين وما تمثله من نموذج تنمية اقتصادية تسيطر عليه الدولة وتتحكم فيه، أصبح دور الدولة في التنمية مؤكدًا سواء.

الحمائية: كشفت الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة في عهد إدارة ترامب عن قصور الإطار المؤسسـي للنظام الدولي عن حل النزاعات القائمة بين الدول الكبرى. إلا أن الأهم أن هذه الحرب كشفت عن أن الدول الكبرى تضطر أحيانًا إلى اللجوء لإجراءات حمائية لحماية مصالحها بعيدًا عن مبادئ السوق الجمركية الحرة التـي حاولت لعقود فرضها على الدول النامية. لجأ ترامب إلى فرض تعريفات على السلع المستورد للسوق الأمريكية من الصين وأوروبا والمكسيك كأداة لمعالجة عجز الميزان التجاري الأمريكي وإنعاش الأسواق الوطنية، في نموذج واضح على تدخل الدولة لتصحيح اختلالات السوق. إلا أن استعار هذه الحرب، مع اتجاه الصين لاتخاذ إجراءات مماثلة على السلع الأمريكية، جعلت قدرة النظام الاقتصادي الدولي على الحفاظ على “سلاسل العرض” الضرورية لتوحيد الاقتصادي العالمي في خطر داهم. وعلى الرغم من التوافق الجزئي بين البلدين، فقد أكدت اتجاه الدول إلى التوسع في الاعتماد على مواد قوانين التجارة الخاصة بمبادئ الحماية والتدخل العنيف لحماية مصالحها.     

تفاقم الديون: بدأت الأزمة في الوضوح مع بلوغ إجمالي الديون العالمية أعلى مستوى على الإطلاق عند 281 تريليون دولار لنهاية 2020، أي أكثر من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 355%. وأصبحت الأزمة أكثر وضوحًا مع تعثر الشركات في الدول النامية في سداد ديونها، بداية من الحالات المعتدلة مثل تركيا إلى الحالات الأشد خطورة في فنزويلا التـي بلغت حد الهاوية. وأدى وقوع وباء كورونا إلى تفاقم الأزمة واتضاح شمولها معظم دول العالم حتـى الاقتصادات المتقدمة التـي راكمت ديونًا تتجاوز معدل الديون قبل الأزمة المالية في 2007/ 2008. قد يؤدي تفاقم هذه الأزمة إلى دفع الحكومات إلى تقليص الإنفاق العام، وبالتالي تقييد فرص النمو في مرحلة ما بعد الوباء.  

تفاقم عدم المساواة: تصف منظمة أوكسفام عدم المساواة العالمية بأنها حد الخروج عن السيطرة؛ حيث يعيش مئات الملايين في فقر مدقع، فيما يزيد عدد المليارديرات على نحو غير مسبوق، ويمتلك 1% من الأفراد الأكثر ثراء في العالم ضعف ما يمتلكه حوالي 6.9 مليار شخص. كما أن حوالي نصف البشرية يعيش على أقل من 5.50 دولار في اليوم الواحد. وتبقى المعضلة أن الحكومات تدفع نحو “عدم المساواة” بشكل حاد مع سياسات الضرائب التفضيلية أمام الشركات الكبرى خاصة تلك العاملة في مجال التكنولوجيا. ويعد جيف بيزوس، رئيس مجلس إدارة شركة أمازون، وأغنى رجل في العالم، هو المثال الأبرز على ذلك، حيث ذكرت وكالة “بلومبرج” للأنباء الأمريكية، أن “بيزوس”، الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، لم يدفع أي ضريبة دخل اتحادية خلال الفترة بين العامين 2007-2011.

للاطلاع على التقرير الأصلي، اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا