هل تغير موقف ألمانيا بشأن المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا؟

جاسم محمد

ألمانيا، تغيير جذري في سياسات الأمن والدفاع والخارجية، هل كانت نتيجة رغبة حقيقية، أم ضغوطات خارجية وداخلية؟


أعلنت ألمانيا في الأول من شهر مارس الحالي 2022 أنها سوف ترسل 1000 قطعة سلاح مضاد للدبابات و500 آلة من أنظمة الدفاع المضادة للطائرات من طراز” Stinger” إلى أوكرانيا من مخزونها الخاص.

وقال المستشار الألماني أولاف شولتز في بيان “الحرب الروسية الأوكرانية تمثل نقطة تحول” ففي الأسبوع الثاني لحرب روسيا مع أوكرانيا يأتي التحول في ألمانيا في الوقت الذي يحشد فيه العديد من الحلفاء الغربيين لإرسال المزيد من الأسلحة والذخيرة وحتى أنظمة الدفاع المضادة للطائرات إلى أوكرانيا، في حين تهاجم القوات الروسية المدن الأوكرانية الكبرى.

هل تغيَّرت سياسة برلين بعد الحرب العالمية الثانية؟

قد يعني الانعكاس زيادة سريعة في المساعدة العسكرية الأوروبية لأوكرانيا، لأن كثيرًا من الأسلحة والذخيرة في القارة تصنيعها يكون جزئيًّا على الأقل في ألمانيا، ما يمنح برلين سيطرة قانونية على نقلها. لكن موقف برلين المتغير لا يعني بالضرورة الموافقة على جميع طلبات شحنات الأسلحة. فقد استمر “التحفظ” الألماني في الأيام الأخيرة حتى مع بدء الدول الأوروبية الأخرى والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي التعبئة في الأيام الأخيرة لإرسال معدات عسكرية وأسلحة الى أوكرانيا.

وقال مصدر حكومي: ألمانيا تعتزم تزويد أوكرانيا بصواريخ مضادة للطائرات. ودافعت ألمانيا عن موقفها كجزء من سياسة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي تهدف إلى منع إراقة الدماء، لكن آخرين أشاروا إلى أن هذا الموقف يعني أن الأسلحة المخزنة في جميع أنحاء أوروبا لا يمكن إرسالها إلى أوكرانيا، وفي حين أن القوانين يمكن أن تكون معقدة فإن الدولة المصنعة غالبًا ما تحتفظ ببعض السلطة القانونية بشأن إعادة بيع الأسلحة أو التبرع بها لأطراف ثالثة. فهل حسابات بوتين الخاطئة تُغير عقيدة ألمانيا الدبلوماسية؟

ألمانيا تزيد الإنفاق العسكري

أعلن المستشار شولز، خلال جلسة برلمانية طارئة بشأن أوكرانيا يوم 27 فبراير الماضي 2022 عن ضخ 100 مليار دولار إضافية للجيش الألماني. فكانت “صدمة” في البرلمان الألماني وصفق بعض النواب وبعضهم أطلق صيحات الاستهجان. كانت بالفعل “صدمة للجميع”. كما أعلن شولز عن تدابير جذرية لم يكن من الممكن تصورها حتى ما قبل أسبوع واحد، بما في ذلك التزام دستوري بهدف الإنفاق العسكري لحلف الناتو البالغ 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي.

وأوضح أن ألمانيا سترسل أسلحة مباشرة إلى أوكرانيا. ويمكن القول إن هذا هو أحد أكبر التحولات التي شهدتها سياسة ألمانيا الخارجية بعد الحرب العالمية الثانية. فقد عانى الجيش الألماني سنوات من الإهمال المالي، وكشف قائد الجيش البري الألماني عن الحالة “السيئة لقوات الدفاع الاتحادية “البوندسفير” في اليوم الذي أمر فيه بوتين قواته بدخول أوكرانيا. واعترف على شبكة التواصل الاجتماعي: “الخيارات التي يمكننا تقديمها للسياسيين لدعم الناتو محدودة للغاية”. مضيفًا: “القوات المسلحة الألمانية عارية إلى حد ما”.

مشكلات الجيش الألماني والسياسة الخارجية لبرلين

منذ نهاية الحرب الباردة خفضت ألمانيا عدد قواتها من 500 ألف في وقت إعادة التوحيد إلى نحو 200 ألف فقط اليوم. دق مسؤولو الدفاع على مدى السنوات الماضية ناقوس الخطر مرارًا بشأن مشكلات معدات الجيش، وسلسلة من الأعطال التي ابتليت بها الطائرات المقاتلة والدبابات والمروحيات والسفن الجيش الألماني. لقد عزز ماضي ألمانيا المظلم من الحرب تقليدًا سلميًّا قويًّا وسبق أن رفضت ألمانيا مناشدات كييف وحلفائها إرسال أسلحة إلى أوكرانيا .

المبادئ الثابتة في سياسة ألمانيا الخارجية ترجع إلى “ويلي برانت”، زعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني من 1964 إلى 1987 ومستشار جمهورية ألمانيا الاتحادية منذ 1969 إلى 1974 وتتمثل في: “الضغط من أجل السلام ونزع السلاح ودعم الحوار ومنع الصراع مع التزام ألمانيا تجاه الناتو وأوروبا”. ويبدو أن ألمانيا ستتراجع عن دبلوماسيتها التقليدية. والتغيير المفاجئ في سياستها يأتي انعكاسًا لمزاج الشارع الألماني عقب مظاهرات ضخمة في برلين تؤيد أوكرانيا بجانب ضغوط أمريكا ودول أوروبا الشرقية على ألمانيا.

 

ربما يعجبك أيضا