الجيش الألماني يدخل حقبة جديدة.. لماذا تعيد برلين هيكلة سياستها الأمنية؟

علاء بريك

بعد عقود النهج العسكري الحَذِر، بوتين يدفع ألمانيا إلى حقبة عسكرية جديدة.


“لقد أصبحنا في حقبةٍ جديدة”، بهذه الكلمات تحدَّث المستشار الألماني أولاف شولتس أمام البرلمان، معلنًا عزم برلين على إعادة هيكلة سياستها الأمنية.

وألقى شولتس خطابًا في جلسة خاصة للبرلمان الألماني يوم الأحد 27 فبراير 2022، ندَّد فيه بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وأعلن تخصيص مبلغ 100 مليار يورو للجيش لمرةٍ واحدة، وعزم برلين على استثمار أكثر من 2% من إجمالي الناتج المحلي في مجال الدفاع، بحسب ما نقلت قناة دويتشه فيله الألمانية.

توجه جديد

في خطابه، قال شولتس إنّه “ما من ردٍ آخر على عدوان بوتين”، والرد الذي تحدَّثَ عنه شولتس كان تطوير الجيش الألماني (البوندسفير) وأسلحته وتغيير التوجه العسكري الألماني الحَذِر، وتخفيف القيد للمرة الأولى على الصادرات العسكرية الألمانية إلى مناطق النزاع.

ويحمل الجيش الألماني تاريخًا من المغامرات والهزائم، منذ الحرب العالمية الأولى فالثانية، وبعدهما انقسام ألمانيا إلى شرقية وغربية وأخيرًا توحيدها، خلَّفت كل تلك الأحداث آثارًا في الجيش الألماني كان آخرها إعادة توحيد الجيشين الغربي والشرقي بعد سنوات من القطيعة التامة.

قيد تاريخي

بعد التاريخ الدموي للعسكرية الألمانية، عملت قوات الحلفاء على نزع سلاح برلين، لكن بمقدم مايو 1955 سمحت لها بإعادة تسليح نفسها وتأسيس جيشها (البوندسفير) الذي ضم أعضاء من الجيش النازي المنحل (الفيرماخت)؟

ووقعت ألمانيا مع الناتو الاتفاقية الخاصة بوجود القوات الأجنبية على أراضي جمهورية ألمانيا الاتحادية، ومذاك تتبع ألمانيا نهجًا سلميًا، رغم ما واجهته من انتقادات داخلية تتهمها بالسذاجة. وتبرز هذه السياسة العسكرية الحذرة في عدم مقابلة ألمانيا لنسبة الإنفاق العسكري المتفق عليها بين أعضاء الناتو (2% كحد أدنى من الناتج الإجمالي المحلي)، فالأرقام الحالية لا تتعدى نسبة 1.3% على الرغم من أنَّها تزيد عن السنوات السابقة واستمرار تزايدها منذ 2015.

http://

لقد انفك القيد

تعهد المستشار الألماني بزيادة نسبة الإنفاق العسكري إلى أكثر من 2% من الناتج المحلي خطوة نحو تفعيل الدور الألماني داخل حلف الناتو، لا سيما أنَّ هذا التوجه لم يأت وليد اللحظة الروسية الأوكرانية، بل بالعودة إلى 2014 نجد أنَّ ألمانيا أعلنت على لسان وزير خارجيتها آنذاك انتهاء عصر الانكفاء العسكري واللافت أنّ الإعلان آنذاك أتى في سياق الثورة الأوكرانية.

وكتب جوهانس شتيرن في مقالة على موقع وورلد سوشاليست بعنوان يختصر كل ما يمكن قوله عن التوجه العسكري الألماني “العقيدة السياسية الجديدة للجيش الألماني: التجهيز للحرب العالمية الثالثة“. يستند شتيرن إلى وثيقة لوزارة الدفاع الألمانية تعود للعام 2018 تتحدث عن التوجه نحو عقيدة قتالية متعددة الأبعاد، ورفع قدرات عناصر الجيش وأنماط الانتشار والتحرك، وأشكال الاشتباك، إلى جانب الارتقاء بالتسليح والتدريب.

ألمانيا والتصرف كقوة كبرى

يحتل الاقتصاد الألماني المرتبة الرابعة على مستوى العالم من حيث الناتج المحلي (سبحتل المرتبة الثانية إذا أخذنا بالحسبان عدد السكان) بحسب بيانات 2020، ويساهم وحده بنحو 4.5% من الناتج العالمي.

مع هذا الوزن العالمي تقف ألمانيا إلى جانب القوى العالمية الكبرى (الولايات المتحدة والصين واليابان وبريطانيا) لكنَّها رغم هذه المكانة الاقتصادية الرفيعة عالميًا، فإنَّها تحضر كقوة أوروبية أكثر منها قوة عالمية.

للل

يدعم هذا الطرح ما صدر عن وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير في 2014 بأنَّه لا يمكن ترك أمن إفريقيا لفرنسا وحدها، إلى جانب ما ذكره في مقابلةٍ مع صحيفة سوديوتشه تزايتونج “إنَّ ألمانيا أكبر من مجرد التعليق على أحداث السياسة العالمية… لم تفقد الولايات المتحدة اهتمامها بأوروبا والعالم، لكنَّها لا تقدر على الوجود في كل مكان، وشئنا أم أبينا فهذا يحمِّلنا المزيد من المسؤولية عن أمن أوروبا”.

بوتين وعواقب غير مقصودة

هكذا، لم يكن لتدخل بوتين في أوكرانيا بعد سنوات من أوروبا هادئة إلا أن عجل من التوجه الموجود أصلًا في العسكرية الألمانية، وبدأ الخبراء العسكريون يستشعرون خطر السياسة الأمنية القديمة والتهديد الروسي للمصالح الأوروبية.

في آخر المطاف، لن يكون هذا التحول الجديد نافذًا على الفور فبحسب النائب في البرلمان الألماني رودريش كيسفيتر “100 مليار ستختفي سريعًا دون أن يصبح الجيش أقوى، زد على هذا صعوبة دمج المجندين في جيشٍ عالي التقنية، فهذا يستغرق وقتًا أطول في التدريب والخدمة العسكرية لاستيعاب تعقيد المعدات الجديدة والتمكن من التعامل معها”.

ربما يعجبك أيضا