مالي.. المجلس العسكري يلغي الاتفاقيات الدفاعية مع فرنسا برعاية روسية

محمود سعيد

طردت مالي السفير الفرنسي، وسحبت رخصة فضائية فرانس ٢٤ وإذاعة فرنسا الدولية من البلاد بنحو نهائي.


يدور في مالي صراع معلن بين روسيا وفرنسا سبق حتى الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الكبيرة، فموسكو تحالفت مع المجلس العسكري المالي وتغلغلت رسميًّا عبر قوات فاجنر في مفاصل الدولة المالية.

التيار العام لدى الأفارقة، خاصة الدول الفرانكوفونية، يدرك أن فرنسا شارل ديجول وجاك شيراك انتهت، وأنهم أمام نسخة جديدة بوسعهم أن يحققوا حلمهم في الاستقلال بقرارهم والانتفاع بثرواتهم التي نهبها “الرجل الأبيض الفرنسي”.

المجلس العسكري يلغي الاتفاقيات الدفاعية مع فرنسا

بعد أسابيع من التهديدات ألغى المجلس العسكري الحاكم الاتفاقيات الدفاعية الموقعة مع فرنسا وشركائها الأوروبيين، شاجباً الانتهاكات الصارخة للقوات الفرنسية المتواجدة في مالي لسيادة البلاد وخروقاتها الكثيرة للمجال الجوي المالي، حسبما أوردت “الفرنسية”.

وكشف المتحدث باسم الحكومة المالية، الكولونيل عبدالله مايجا، في تصريح للتلفزيون الرسمي، أن الحكومة ألغت كل الاتفاقيات التي تحدد إطارًا قانونيًّا لوجود قوتي برخان الفرنسية وتاكوبا الأوروبية في مالي، وكذلك اتفاقية التعاون الدفاعي المبرمة في 2014 بين مالي وفرنسا.

ونددت مالي، في رسالة بعثتها إلى الأمم المتحدة نهاية إبريل الماضي، بـ “الانتهاكات المتكررة والمتعمدة للمجال الجوي المالي من قبل طائرات أجنبية لا سيما القوات الفرنسية، بهدف التجسس والترهيب والتخريب”. وأعلنت أنها “تابعت بأسف التدهور الكبير في التعاون العسكري مع فرنسا خلال الفترة الماضية”.

مبررات المجلس

أوضح الكولونيل مايجا أن حكومة بلاده “تلمس منذ فترة تدهورًا كبيرًا في التعاون العسكري مع فرنسا”.

وأشار إلى “سلوك أحادي” لفرنسا عندما علّقت العمليات المشتركة بين القوات الفرنسية والمالية في يونيو 2021، وإعلانها في فبراير 2022 “دون أي تشاور مع الجانب المالي” انسحاب قوتي برخان وتاكوبا من هذا البلد، و”الخروق الكثيرة” للطائرات الفرنسية للمجال الجوي المالي رغم إغلاق السلطات المالية المجال الجوي فوق قسم كبير من أراضي البلاد.

وطلبت مالي طلبت في ديسمبر تعديلات على الاتفاقيات الدفاعية، كذلك طردت مالي السفير الفرنسي في يناير الماضي، وسحبت رخصة فضائية فرانس ٢٤ وإذاعة فرنسا الدولية من مالي بنحو نهائي بسبب عدم المهنية في تغطية الأحداث.

الموقف الفرنسي من قرارات المجلس العسكري

بدوره كشف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن انسحاب القوات الفرنسية من مالي سيستغرق من 4 إلى 6 أشهر.

من جانبها اعتبرت وزارة الخارجية الفرنسية أن القرارات المالية “غير مبرر”، مؤكدة أن فرنسا ستواصل انسحابها العسكري “بقدر منظم” مثلما هو مخطط بحلول أغسطس المقبل.

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية: “بعد أن أبلغت فرنسا في 2 مايو بالقرار الأحادي الجانب للسلطات الانتقالية المالية إلغاء هذه الاتفاقات، تعتبر فرنسا هذا القرار غير مبرر وتنفي رسميًّا أي انتهاك للإطار القانوني الثنائي قد ينسب إلى قوة برخان”.

التدخلات الروسية في مالي

أما روسيا فسارعت إلى طلب عقد اجتماع غير رسمي لمجلس الأمن الدولي، على خلفية قرار مالي فسخ اتفاقياتها الدفاعية مع فرنسا.

وذكرت “روسيا اليوم” أن طلب روسيا لعقد اجتماع لمجلس الأمن جاء في الوقت الذي يتعين على هذه الهيئة أن تقرر، في يونيو المقبل، ما إذا كانت ستجدد مهمتها لحفظ السلام في مالي التي يبلغ قوامها 14 ألف جندي وشرطي.

وجنبًا إلى جنب مع انتشار قوات فاجنر الروسية، تسلم الجيش المالي في مارس الماضي، مروحيات قتالية من روسيا لدعم جيشها في مكافحة القتال الدامي والمستمر منذ أعوام في البلاد.

وأوضح وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في مقابلة مع شبكة ميدياسيت الإيطالية، أن مجموعة فاجنر العسكرية الروسية الخاصة موجودة في مالي وليبيا “على أساس تجاري”، و”لا علاقة لها بالدولة الروسية”.

رؤى مختلفة

يرى المحلل السياسي المالي، سيبي عبدالرحمن، أن “إنهاء الشراكة الأمنية مع القوات الفرنسية والقوات الأوروبية بنحو نهائي “نصر عظيم لمالي”.

وقال الباحث السياسي المالي، حمدي جوارا: “لا أدري ما الذي أصاب العقل الاستراتيجي الفرنسي وعدم تعامله بذكاء شديد لاحتواء أزمتها مع مالي، وكان بإمكانها تدارك الموقف، لكن التعنت يجعل موقف باماكو أقوى”. وبين رئيس معهد الأمن والاستشراف في أوروبا، إيمانويل دوبيو، أن روسيا لن تستطيع تعويض الإمكانات التي نشرتها فرنسا في مالي.

واعتبر أن إقدام مالي على إلغاء الاتفاق الأمني مع فرنسا أفقد باريس حليفًا في منطقة الساحل على الصعيدين الأمني والسياسي، ولكنه رأى أن باريس ستعمد بالمقابل على تقوية تعاونها ووجودها مع دول مجاورة لتحافظ على وجودها ودورها في مواجهة التمدد الروسي.

خروج فرنسا من إفريقيا

لطالما اعتبرت فرنسا إفريقيا السمراء “ملعبها الخلفي”، لكن الزمن في مالي وبلدان إفريقية أخرى يتغير، وباريس تصارع الوقت لمنع ذلك.

والنخبة الحاكمة في فرنسا تدرك أن نجاح قيادات بعض الدول الإفريقية خصوصًا مالي في الخروج من فلك فرنسا، سيمتد لا محالة لكل بلدان وسط وغرب إفريقيا الناطقة بالفرنسية في وقت قياسي، ما يعني أزمة اقتصادية لباريس التي قام اقتصادها عبر عقود على “نهب” ثروات البلدان الإفريقية.

ربما يعجبك أيضا