عشقت الميدان الصحفي وماتت فيه.. «كانت معكم شيرين أبوعاقلة»

رنا الجميعي
قتل المراسلة الفلسطينية شيرين أبو عاقلة على يد القوات الإسرائيلية

قُتلت المراسلة الفلسطينية شيرين أبوعاقلة خلال تغطيتها اقتحام مخيم جنين، وأنهت الرصاصة حياة أشهر الصحفيات الفلسطينيات على مدار 3 عقود. 


“كانت معكم شيرين أبوعاقلة”.. بهذه العبارة ارتبطت الصحفية الفلسطينية في ذاكرة العرب، فوثّقت بصوتها أحداث القضية الفلسطينية على مدار 3 عقود.

اختارت شيرين أبوعاقلة مجال الإعلام للدراسة، كان طريقها المقدر الذي سارت إليه بكامل إرادتها، فوهبت نفسها للقضية الفلسطينية، لتضع بصماتها على التغطيات كافة حتى أنهى رصاص الاحتلال حياتها في أثناء تغطية اقتحام مخيم جنين.

«كنت عايزة أكون قريبة من الناس»

رحلت أبوعاقلة عن عمر ناهز 51 عامًا بعد عمر طويل قضته في تغطية القضية الفلسطينية، وكانت طيلة حياتها مميزة، “كنت شاطرة والأولى على صفي” كما تقول في لقاء تلفزيوني مع برنامج “بعد الضهر” الذي بثته فضائية النجاح الفلسطينية قبل 5أعوام.

وبسبب تميزها اتجهت لدراسة الهندسة، فتقول الصحفية الراحلة: “أهلي اتأملوا إني أدرس اشي عملي”، وبالفعل دخلت كلية الهندسة قسم العمارة بجامعة العلوم والتكنولوجيا في الأردن، لكنها وجدت هاتفًا داخليًّا يشير لها بدخول كلية الإعلام “كنت عايزة أكون قريبة من الناس”.

حصلت أبوعاقلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام من جامعة اليرموك الأردنية، ولم تخلف عهدها أبدًا منذ ذلك الحين، فبدأت حياتها العملية في إذاعة فلسطين، وقناة عمان الفضائية، وكانت الانطلاقة الحقيقية لها مع التحاقها بقناة الجزيرة عام 1997، فكانت من الرعيل الأول لمراسليها الميدانيين، لتصبح صوتًا حقيقيًّا متماسًّا مع أوجاع الفلسطينيين.

«أرض الميدان ده مكاني»

“كانت معكم شيرين أبوعاقلة”.. صوت قوي لا ينساه من تابع الأحداث الفلسطينية، خصوصًا خلال الانتفاضة الثانية في العام 2000، وامتازت أبوعاقلة بشجاعة فائقة جعلتها في قلب الحدث دومًا .

ولم تجعل أبوعاقلة الخوف سدًا أمامها، كانت أولويتها بالطبع الحفاظ على الطاقم الصحفي المصاحب لها، وبمجرد الاستعداد للتغطية تنسى ذلك الخوف، شاعرة أن أرض الميدان مكانها الطبيعي، ففي لقاء تليفزيوني سابق قالت: “ما بقدر أكون في المكتب، بنسى كل شي لما أكون في الميدان، بحس ده مكاني”.

مسيرة صحفية لامعة

غطت أبوعاقلة الكثير من المواجهات  بين قوات الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين، من أهمها الانتفاضة الثانية بين عامي 2000 و2004، وكذلك كانت شاهدة على المواجهات في القدس وغزة والضفة الغربية والداخل، وكان آخرها المواجهات الأخيرة في القدس والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح.

ومن أصعب التغطيات التي قدمتها الصحفية الراحلة حرب غزة في 2014، حين شنت إسرائيل عملية عسكرية على القطاع أودت بحياة أكثر من ألفين و100 فلسطيني. وكانت آخر تغطية شاركت بها في مصر قبل عدة أشهر عقب إعادة فتح مكتب قناة الجزيرة في القاهرة، وكذلك برزت في تغطية عدة أحداث عالمية، من بينها الانتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة.

«ولا مرة فكرت في الهجرة»

لم يرى المتفرج الجانب الآخر من أبوعاقلة، كان كل ما يراه امرأة قوية ذات جَلَدٍ تغطي الحدث مهما كانت خطورته، حتى إنها كانت تغطيه أحيانًا مرتدية قناعًا يقيها الغاز المسيل للدموع، ورغم الغضب الفائر داخلها كفلسطينية تعيش تلك المرارة يوميًّا فإنها لم تظهر مشاعرها تلك على الشاشة.

وعن هذا تقول “بشوف مآسي كتير بالميدان، لكن مشاعري إلي بالآخر، كل اللي بعمله هو إني بحاول أوصل الصورة الحقيقية”. كانت هذه هي مهمة الصحفية الراحلة في الحياة، إيصال صوت الفلسطينيين وأوجاعهم للعالم، ورغم ثقل القضية لكنها لم تشتك أو تفكر في الهجرة.

وتقول شرين في لقاء تلفزيوني: “الخوف موجود والكوابيس بنحلم فيها كتير، لكن ولا مرة فكرت في الهجرة”، وكل ما فعلته أنها آمنت بدورها كصحفية، وتعرضت أبوعاقلة وزملائها للتنكيل والاعتداء من قوات الاحتلال، وأصيبت برصاصهم أكثر من مرة.

شيرين أبوعاقلة.. ابنة القدس

احتلت القدس مكانة عظيمة في قلب أبوعاقلة، فهي مسقط رأسها، وعاشت بها سنوات طويلة، وفي رمضان الماضي جلست أبوعاقلة على سلالم باب العامود مثل بقية المقدسيين الذين توافدوا احتجاجًا على غلق المسجد الأقصى، لكن لم تنس واجبها كصحفية، قائلة: “احنا الصحفيين لا بنهدى في رمضان ولا عيد ولا في احتياج، جايين نراقب”، بحسب لقائها مع برنامج “ناس وحراس“.

في السادسة و13 دقيقة من صباح الأربعاء، أرسلت أبوعاقلة رسالة إلكترونية لشبكة الجزيرة، تخبرهم فيها بذهابها إلى تغطية اقتحام القوات الإسرائيلية مخيم جنين، وفعلت ما تفعله دومًا على مدار 3 عقود ارتدت السترة المميزة للصحفيين، وذهبت إلى منطقة الجابريات المجاورة للمخيم رفقة زملائها الصحفيين، لتتلقى رصاصة من قناص إسرائيلي وضعت خاتمة الفصل لواحدة من أشهر المراسلات الفلسطينيات.

ربما يعجبك أيضا