أمن إفريقيا مهدَّد.. عواقب الاستراتيجية الأمريكية في بوركينا فاسو

هالة عبدالرحمن

أدى الصراع الإقليمي في منطقة الساحل على مدى السنوات العشر الماضية إلى نزوح 2.5 مليون شخص، وخلَّف آلاف القتلى والصدمات بسبب عنف الجماعات المسلحة والدولة ضد المدنيين.


فيما تتجه أنظار واشنطن نحو أوكرانيا، فإنها، من ناحية أخرى، تخاطر بتجاهل أزمة الساحل الإفريقي وفرص إيجاد حل لأزمات أخرى، تؤثر أيضًا في ملايين الأشخاص، وفقًا لمركز الأبحاث “ريسبونسبل ستيت كرافت”.

وبحسب المركز، تقع إحدى هذه الأزمات في منطقة الساحل، بخاصة بوركينا فاسو التي تشهد محادثات محتملة بين حكومتها والجماعات المسلحة، والتي قد تؤتي ثمارها الأولية نحو وقف إطلاق النار، ونزع السلاح والمصالحة، فماذا يحدث في الدولة الإفريقية، في غياب انتباه إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن؟

جذور الصراع الإقليمي في منطقة الساحل الإفريقي

من جانبها، كانت إدارة بايدن صامتة بشأن سياستها تجاه بوركينا فاسو، منذ قررت إنهاء الدعم المادي للمجلس العسكري، في أعقاب انقلاب يناير، إلا أنه إذا كانت إدارة بايدن جادة بشأن التزامها “بإنهاء النزاعات الأكثر دموية في القارة ومنع نشوب نزاعات جديدة”، فعليها أن تدعم إنهاء النزاع المسلح في بوركينا فاسو ومنطقة الساحل أولًا.

وأدى الصراع الإقليمي، في منطقة الساحل على مدى السنوات الـ10 الماضية إلى نزوح 2.5 مليون شخص، وخلَّف آلاف القتلى والصدامات. وكثيرًا ما تجاهل المجتمع الدولي وقائع الظلم المجتمعي والتفاوتات الهيكلية السياسية والاجتماعية والاقتصادية العميقة، التي خلّفها الاستعمار الأوروبي، والتي أسهمت في العنف السياسي في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، حسب ما أفاد “ريسبوتسبل ستيت كرافت”.

الحكومة الانقلابية في بوركينا فاسو تزيد الوضع سوءًا

بعد أكثر من 3 أشهر على الانقلاب في بوركينا فاسو، لم يتمكن الجيش من عكس اتجاه انعدام الأمن المتزايد، فتشهد البلاد حوادث عنف يوميًّا، ومثلت منطقة إفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى، 48% من الوفيات الناجمة عن الإرهاب العالمي في عام 2021، وفقًا لتقرير مؤشر الإرهاب العالمي 2022، الصادر عن معهد الدراسات الأمنية الإفريقي “أي إس إس”.

وحذرت مجموعة من كبار المسؤولين الأمريكيين والأجانب، خلال تجمع سنوي للتحالف العالمي لهزيمة “داعش” في مراكش، من أن منطقة الساحل في إفريقيا هي الآن موطن الجماعات الإرهابية الأسرع نموًّا، والأكثر فتكًا في العالم، وأدى انعدام الأمن إلى زيادة عدد النازحين بزيادة قدرها 4.17%، لذلك تواجه بوركينا فاسو أكبر أزمة نزوح قسري في منطقة الساحل 64% من مجموع النازحين بالمنطقة، وفقًا لـ“فورين بوليسي”.

التدخلات الخارجية الأمريكية والفرنسية في منطقة الساحل

بينما قادت فرنسا معظم التدخلات الدولية في منطقة الساحل، بسبب تاريخها الاستعماري هناك، زاد دعم الولايات المتحدة للحكومات والجيوش الأجنبية في منطقة الساحل جدًّا، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وتلقى جيش بوركينا فاسو أقل قدر من المساعدات الأمنية الأمريكية، وفقًا لـ”ريسبونسبل ستيت كرافت”.

وسعت واشنطن وباريس وراء أهداف عسكرية قصيرة المدى، منفصلة عن احتياجات السكان المحليين في المنطقة، ما جعل الحكومات الأجنبية متواطئة في الانتهاكات الحكومية وغير الحكومية ضد المدنيين، ومنها اتهامات ضد جيش بوركينا فاسو، بارتكاب فظائع واسعة النطاق ضد المدنيين، منها عمليات قتل مستهدفة وعقاب جماعي ضد مجتمع الفولاني العرقي، وهم أغلبية مسلمة في شمال بوركينا فاسو.

اتهامات تلاحق إدارة واشنطن في بوركينا فاسو

وفقًا لـ”ريسبونسبل ستيت كرافت”، أشارت تقديرات إلى أن الجيش، في بوركينا فاسو، هو مصدر نصف الانتهاكات ضد المدنيين، عام 2021، وأشارت دراسات حول تأثيرات التدريب العسكري الأجنبي الأمريكي، إلى أن القائد العسكري البوركينافي، بول هنري سانداوجو داميبا، قاد انقلابًا ضد الرئيس المنتخب ديمقراطيًّا، روش كابوري، في يناير 2022، بعدما تلقى تدريبات في أمريكا وفرنسا.

وعلى الرغم من تقييد الإدارة الأمريكية، برئاسة بايدن، للمساعدات، منذ الانقلاب، فقد قرر الرئيس الأمريكي مضاعفة دعم التدخل العسكري الفرنسي، في مكافحة الإرهاب ومواصلة المساعدة الأمنية لحكومات منطقة الساحل، بما في ذلك بوركينا فاسو.

لماذا تتجاهل واشنطن نزاعات الساحل الإفريقي؟

إذا كان منع ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية يظل هدفًا أساسيًّا للأمن القومي للولايات المتحدة، فلماذا تستمر حكومة الولايات المتحدة في تجاهل إشارات استراتيجيات منع النزاعات وحلها، مثل المحادثات الناشئة في بوركينا فاسو اليوم؟ وفقًا لسؤال طرحته “ريسبونسبل ستيت كرافت”.

وأضافت: “لا ينبغي لهذا التوقف القسري في المساعدة الأمنية الأمريكية لبوركينا فاسو، أن يمنع الحكومة الأمريكية من انتقاد استمرار الحكم العسكري، أو دعم حل النزاع دبلوماسيًّا، وذلك من خلال دعم الحوار والمصالحة والمساءلة بقيادة المجتمع”.

ربما يعجبك أيضا