أول استراتيجية شاملة لتشكيل العلاقات الأوروبية الخليجية.. ما ملامحها؟

رنا أسامة

أمن واستقرار الخليج له أهمية قصوى لاقتصادات دول الاتحاد الأوروبي.


وضع الاتحاد الأوروبي استراتيجية شاملة جديدة لتشكيل علاقاته المستقبلية مع دول مجلس التعاون الخليجي على المستويات كافة، بما في ذلك أمن الطاقة العالمي والتجارة وتغيّر المناخ والتحول الأخضر والرقمنة.

وأوضح رئيس السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، يوم 18 مايو 2022، أنه في ظل انعدام الأمن والتحديات الكبيرة التي تواجه النظام الدولي القائم على القواعد، يتأهب الاتحاد الأوروبي ودول الخليج لشراكة أقوى وأكثر استراتيجية، بحسب ذا ناشونال الإماراتية.

ما ملامح الاستراتيجية الأوروبية؟

بيّن سفير الاتحاد الأوروبي في الإمارات، أندريا ماتيو فونتانا، لذا ناشونال، أن الخطة الجديدة ستكون بالغة الأهمية لرسم ملامح العلاقات الأوروبية الخليجية، مُضيفًا يُطلق عليها شراكة استراتيجية بعيدة المدى مع الخليج، ستستغرق سنوات لتنفيذها بالكامل. وتابع: “إنها أشبه بخارطة طريق”.

وأشار إلى أنها الاستراتيجية الأولى من نوعها بين أوروبا والخليج، في وقت يعتزم فيه الاتحاد الأوروبي زيادة بعثاته الدبلوماسية بالمنطقة، مع إنشاء بعثة جديدة في قطر بوقت لاحق من هذا العام. لدى الاتحاد بالفعل وفود في الإمارات والسعودية والكويت.

نهج إقليمي شامل

في الوقت نفسه، قال الدبلوماسي الأوروبي البارز إن استعادة العلاقات الخليجية في قمة العلا بالسعودية في يناير 2021 مهّد الطريق إلى نهج إقليمي شامل.

وأضاف: “نحن الآن في وضع يسمح لنا بتنفيذها (الاستراتيجية الأوروبية الجديدة) بعد رأب الصدع الخليجي، الذي وضع لسنوات عديدة عقبات أمام علاقاتنا مع دول التعاون الخليجي”.

الأمن أولوية في العلاقات الأوروبية الخليجية

قال فونتانا، الذي تولى منصبه في عام 2019، إن الاستراتيجية الجديدة ستعطي الأولوية للتعاون الدفاعي والأمني ​​مع دول مجلس التعاون الخليجي. مُضيفًا إن منطقة الخليج مهمة من الناحية الاستراتيجية، ليس فقط لما يتعلق بقطاع للطاقة لكن للتجارة أيضًا.

وتابع: “بالنسبة لنا، فإن أمن واستقرار الخليج له أهمية قصوى لاقتصاداتنا، بسبب الأنشطة التجارية التي تحدث في الخليج عبر مضيق هرمز وفي المحيط الهندي، لذلك سنعطي الأولوية مُستقبلًا لاستقرار وأمن الخليج”. وشهدت المنطقة عدة هجمات على ناقلات وسفن شحن خلال الـ3 سنوات الماضية. ألقت أمريكا خلالها باللوم على إيران التي نفت بدورها ضلوعها في أي منها.

وبالإضافة إلى الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة شبه اليومية على السعودية، شن الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن، هجمات إرهابية على أبوظبي في يناير، قتلت إحداها 3 عمال أجانب. في عام 2020 أطلقت فرنسا ودول أخرى أعضاء بالاتحاد الأوروبي حملة توعية بحرية أوروبية في مضيق هرمز، المُسماة “إيماسوه”، ردًّا على تلك الهجمات.

“الاتفاق النووي” حجر الزاوية الرئيس

في حين يقع المقر الرئيس لبعثة المراقبة البحرية الأوروبية في أبوظبي، قال فونتانا إن حجر الزاوية الرئيس لاستراتيجية الاتحاد الأوروبي لتعزيز الأمن في الخليج هو إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، المعروف رسميًّا بخطة العمل الشاملة المشتركة. وأضاف: “نحن ندعم هذا الاتفاق منذ البداية. نعتقد أنه من المهم للغاية للمنطقة ضمان عدم إنتاج إيران أسلحة نووية”.

وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يُنسق محادثات إحياء الاتفاق النووي في فيينا، مُتابعًا: “ثمة اتفاق على الطاولة الآن، ورغم اختتام المفاوضات لا تزال إيران والولايات المتحدة تبحثان في التفاصيل”.

مُنتج مستقبلي للهيدروجين لأوروبا

فيما العالم يمر بمرحلة انتقالية في مجال الطاقة الخضراء، يتطلع الاتحاد الأوروبي إلى الخليج كمنتج رئيس للهيدروجين الأخضر. قال فونتانا إن منطقة الخليج، تحديدًا الإمارات، مجهزة جيدًا لتكون مركزًا عالميًّا لإنتاج الهيدروجين، مع انتقال العالم من الوقود الأحفوري إلى تقنيات خالية من الكربون بحلول عام 2050، متوقعًا زيادة الطلب على الهيدروجين الأخضر في أوروبا مُستقبلًا.

وأضاف: “بإمكاننا إنشاء سوق عالمية للهيدروجين، يشبه إلى حد ما سوق النفط الذي سيتعين تنظيمه، بالتالي ستلعب منطقة الخليج دورًا مهمًّا للغاية في هذه السوق الجديدة”.

ويُعد إنتاج الهيدروجين دعامة أساسية في استراتيجية الإمارات لعام 2050 في ما يتعلق بمكافحة تغير المناخ العالمي، تهدف إلى أن تكون مصدرًا رئيسًا للهيدروجين. وتسعى أوروبا إلى تعزيز علاقاتها في مجال الطاقة مع الخليج وشركاء آخرين لخفض اعتمادها على النفط الروسي، في ظل الحرب الروسية الأوكرانية.

تعزيز تجاري أوروبي خليجي

على المستوى الاقتصادي، قال فونتانا إن الاستراتيجية الجديدة مبنيّة على التجارة القوية بالفعل بين أوروبا ودول الخليج، مُستشهدًا في هذا الصدد بحجم التجارة بين دول الاتحاد الأوروبي والإمارات، على سبيل المثال، البالغ 41.9 مليار دولار سنويًا. أضاف: “الاستثمار مهم للغاية”، لذا ستركز الاستراتيجية الجديدة على الاستثمارات من الاتحاد الأوروبي للإمارات والعكس.

وتمثل دول مجلس التعاون الخليجي الستة، الإمارات والسعودية والبحرين والكويت وعمان وقطر، شريكًا تجاريًّا رئيسًا لأوروبا، و تُعد كتلة الاتحاد الأوروبي المؤلّفة من 27 دولة، ثالث أكبر شريك تجاري لدول الخليج بعد كلٍّ من الصين والهند، بحسب ذا ناشونال.

تشكيل المستقبل بالذكاء الاصطناعي

ستولي الاستراتيجية الجديدة، بحسب فونتانا، الاهتمام بثورة الذكاء الاصطناعي، التي غيرت قطاعات عديدة وأعادت تشكيل طريقة حياة الناس. قال سفير الاتحاد الأوروبي إن الإمارات نشطة خصوصًا في الفضاء الرقمي، والاتحاد الأوروبي رائد في البحث والابتكار، مُشيرًا إلى أن استراتيجية الاتحاد للذكاء الاصطناعي “تتمحور حول الإنسان”، بدمج تطبيقات وبرامج جديدة في جوانب حياتية عديدة.

وأضاف: “إن الرقمنة أولوية لنا، لكن نريد أن يكون محوره الإنسان، لذلك فإننا قلقون من ​احتمالية أن يتحكم الذكاء الاصطناعي بدرجة أكبر في حياتنا، لأن ثمة المزيد من القرارات التي تتخذها آلات، لذا من المهم ضمان التأكد من أن البشر يتخذون هذه القرارات ويتحكمون في كيفية عمل تلك الآلات”.

ربما يعجبك أيضا