غواصات نووية أسترالية تدشن مرحلة جديدة من الصراع في المحيط الهادي

علاء بريك

كيف استفادت أستراليا من التنافس الأمريكي الصيني في المحيط الهادي؟


تسعى الولايات المتحدة إلى استعادة الريادة في منطقة المحيطين الهندي والهادي بتحديث تحالفاتها وتعزيز شراكاتها وإقامة روابط جديدة في مواجهة الصعود الصيني.

ودخلت أستراليا والولايات المتحدة مرحلة جديدة من التنافس مع الصين بحسب مساعدة وزيرة الخارجية الأسترالية، جين هاردي، عبر تعميق التعاون الاستراتيجي والعسكري، والاتفاق على تزويد كانبرا بـ8 غواصات نووية بعد إلغاء صفقة شراء غواصات هجينة من فرنسا.

لماذا أرادت أستراليا شراء غواصات جديدة؟

في دراسة أعدها معهد العلوم والتكنولوجيا التابع لوزارة الدفاع الأسترالية، تلخصت الإجابة عن سؤال الشراء في أنَّ أستراليا بحكم طبيعتها الجغرافية، وبُعدها النسبي عن بقية دول العالم، تعتمد تجارتها مع الدول الأخرى، وبالتالي ازدهارها، على ضمان حرية الملاحة في الطرق البحرية في المنطقة، لا سيّما الواصل منها إلى شرق آسيا.

وعلاوة على الأهمية التجارية، تبرز مسألة الحضور البحري القوي بصفتها مسألة مهمة استراتيجيًّا على الصعيد الأمني لرد أي تهديد أو عدوان بحري محتمل قد تتعرض له أستراليا. وبحسب الدراسة، تمثِّل الغواصات أفضل خيار عسكري في الحالة الأسترالية يتفوق على شراء الطائرات أو السفن، لا سيّما من ناحية جمع المعلومات والمراقبة والاستطلاع.

وفي دراسةٍ نشرها مركز الدراسات الاستراتيجية والدفاعية عام 2018، يشير الزميل في معهد لوي، سام روجيفين، إلى أنَّ تطور القوة البحرية الصينية في المحيط الهادي لتكون ثاني أقوى قوة بحرية فيه، يطرح أمام أستراليا تحديًا لم تشهد له مثيلًا منذ الحرب العالمية الثانية، لأنَّ المشهد الأمني في مجالها الحيوي بات أعقد.

الاتفاق والتخلي عنه

في 2016، قدَّمت فرنسا واليابان وألمانيا عروضًا لبناء غواصات إلى الحكومة الأسترالية، وانتهى الأستراليون آنذاك إلى اختيار العرض الفرنسي ورد العرضين الياباني والألماني، وكان الاتفاق مع الشركة الفرنسية “DCNS” لشراء 12 غواصة هجينة بكلفة أولية تقرب من 40 مليار دولار.

ولكن في سبتمبر 2021، فاجأت الحكومة الأسترالية نظيرتها الفرنسية بإلغاء الاتفاق والتعاقد مع شركات أمريكية وبريطانية لشراء 8 غواصات نووية في إطار تحالف يُعرَف بـ “AUKUS”، وهو اختصار الأحرف الأولى لهذه الدول، ووصفت فرنسا هذا الإلغاء بالطعنة في الظهر، وبعد مفاوضات اتفق الطرفان، في 11 يونيو 2022، على أن تدفع أستراليا تعويضًا يقرب من مليار دولار.

نقاط الضعف في الاتفاق القديم؟

بحسب موقع بوبيولار ميكانيكس، فإنَّ حصول أستراليا على الغواصات النووية يجعل منها سابع دولة في العالم تحوز هذا السلاح، وتتفوق الغواصات النووية على نظيرتها التقليدية من ناحية السرعة والمدى وفترة البقاء بعيدًا عن الميناء وانخفاض الصوت. فضلًا عن ذلك، يمثِّل الاتفاق مع بريطانيا والولايات المتحدة تحالفًا استراتيجيًا وأمنيًا يلائم أستراليا المتخوفة من القدرات الصينية.

وبحسب الزميل في معهد السياسة الخارجية، فيلِكس شانج، فإن الاتفاق فرض على الحكومة الأسترالية عبءً ماليًا كبيرًا يصعب تبريره، وتضاعفت كلفة العقد المتوقعة مع الشركة الفرنسية لتصل إلى نحو 100 مليار دولار، إلى جانب أنَّه كان من المتوقع بدء تسليم الغواصات بين 2030 و2040، ما ترك أستراليا مكشوفةً على التهديدات الخارجية، بحسب بوبيولار ميكانيكس.

مزايا الاتفاق الجديد

بحسب بيان الخارجية الأسترالية، لن يقتصر الاتفاق (التحالف) على الغواصات النووية، بل يمتد ليشمل تحديثًا عسكريًّا شاملًا، ويسمح لأستراليا بالحصول على أكثر التقنيات تقدمًا في المجال العسكري والتكنولوجي، فضلًا عن الاتفاق على حصول أستراليا على أسلحة بعيدة المدى لتحسين قدرات جيشها، من بينها صواريخ توماهوك والصواريخ المضادة للسفن، وأرض جو وغيرها.

وإضافةً إلى مزية التحديث العسكري الشامل، يحمل الاتفاق مزية استراتيجية تتمثل في تعميق العلاقات الأمنية والاستراتيجية لأستراليا مع حلفائها التاريخيين، في إطار سياسة الردع الاستراتيجي التي تنتهجها واشنطن في المنطقة، ما شدَّدت عليه مساعدة وزير الخارجية والتجارة الأسترالي، جين هاردي.

تمدد النفوذ الصيني

خلال العقد الأخير، توسع النفوذ الصيني في منطقة المحيط الهادي، لا سيّما علاقة بكين مع جزر المحيط الهادئ، وهذه كانت بالأساس منطقة نفوذ لأمريكا وحلفائها في المنطقة، وكان مصدر التهديد الآخر نمو القوة البحرية الصينية بتسارع كبير مكّنها من امتلاك أسطول بحري ضخم ومتطور، يهدّد المصالح الأمريكية في المحيط الهادي.

ما الخيار الأفضل؟

بحسب موقع فايننشال ريفيو، فإنَّ أستراليا ابتعدت عن سياسة الحياد، واختارت صف الولايات المتحدة، ومن مؤشرات هذا التحول ما انتهى إليه الاجتماع التشاوري الأسترالي الأمريكي في 2021 بزيادة وحدات القوى الجوية الأمريكية في شمال أستراليا، وإنشاء قاعدة لوجستية مشتركة لدعم العمليات العسكرية والحربية.

ومع ذلك، يرى وزير الخارجية الأسترالي السابق، جاريث إيفانز، أنَّ الاعتماد الاستراتيجي على الولايات المتحدة يجب أن يقترن باستقلال القرار الأسترالي، والتعقل والإقرار ببعض الطموحات الصينية المشروعة، وبحسب إيفانز ما من شيء مما يراه يعارض تحالف أوكوس، لكن يجب تنفيذه بما لا يخلق أي عداوة أو ارتياب من أي طرف إقليمي.

ربما يعجبك أيضا