فريق «ديناصور هابيل» يكشف لـ«رؤية» كواليس الحفرية التاريخية

ياسمين سعد
بلال سالم

اكتشف الفريق المصري من علماء جامعة المنصورة حفرية ديناصور هابيل عام 2016، وأجرى الفريق أعمال الترميم عليها لمدة عامين


احتفت الأوساط العلمية باكتشاف حفريات ديناصور عاش في مصر قبل 98 مليون عام، أُطلق عليه اسم هابيل، تكريمًا للأرجنتيني، روبرتو هابيل، الذي اكتشف أول حفريات هذه العائلة.

وتوصل إلى هذا الاكتشاف فريق بحثي مصري تكون من علماء مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية، بالتعاون مع علماء من وزارة البيئة، وتكللت الجهود بإثبات وجود الديناصور المفترس هابيل في منطقة الواحات البحرية.. فما قصة هذا الاكتشاف التاريخي؟

رحلات الاستكشاف في الواحات البحرية

المؤلف الرئيس للدراسة التي نشرت في مجلة Royal Society Open Science البريطانية، والمعيد بكلية العلوم في جامعة بنها، بلال سالم، قال لـ«شبكة رؤية الإخبارية» إن أنظار العلماء من كل أنحاء العالم تتجه حاليًّا صوب منطقة الواحات البحرية، نظرًا إلى تاريخها الكبير في دراسة حفريات الديناصورات الذي بدأ عام 1911.

وأوضح سالم أنه في هذا العام وصل العالم الألماني، إرنس شترومر، إلى مصر، باحثًا عن حفريات الثدييات القديمة في الفيوم، ووجد بعضها بالفعل، فعاد ووضع خطة لدراسة مناطق وادي النطرون، والرواسب القديمة بالأقصر وأسوان والواحات البحرية.

الديناصور المصري ذو الأشواك

حسب بلال سالم، سجل شترومر اكتشافه للديناصور المصري الذي لُقب بـ”ذي الأشواك” وهو أضخم وأشرس ديناصور في التاريخ، لأن طوله يتخطى 17 مترًا، ووزنه يتخطى 10 أطنان، وهو أشرس من ديناصور “تي ريكس” وإن لم يعش في نفس حقبته، واشتهر البحث عن هذا الديناصور في هذه الحقبة، خصوصًا بعد اكتشاف هيكل آخر من فصيلته في المغرب.

واحتجزت الشحنة الثانية من أحافير شترومر التي اكشتفها، بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى، وظلت الأحافير حبيسة الصناديق حتى وصلت إلى شترومر بنهاية العام 1928، أي بعد ما يقرب من 12 عامًا على اكتشافها.

وفوجئ شترومر بكسور في بعض الحفريات بسبب طول مدة حجزها، ولكنه استطاع تسمية ديناصورين آكلين للحوم، وديناصور آكل للعشب، و3 أنواع من التماسيح، ونوع من الزواحف البحرية، وآخر من الزواحف البرية، ليضع كل اكتشافاته عن مصر مجمعة في بحث نشره في العام 1936.

أرض الديناصورات الضائعة

في 25 إبريل 1944، قصف سلاح الجو البريطاني العاصمة الألمانية، برلين، خلال الحرب العالمية الثانية، ودمر متحف برلين الطبيعي، وتدمرت الحفريات المصرية معه، ولم يتبق من ديناصورات شترومر سوى حديثه ورسوماته عنها التي سجلها في أبحاثه.

شترومر مع إحدى اكتشافاته

شترومر مع إحدى اكتشافاته

وعن هذا يقول سالم إنه العلماء أطلقوا على منطقة الواحات البحرية أرض الديناصورات، وأضافوا إليها كلمة الضائعة بعد تدمير الحفريات المصرية بمتحف برلين الطبيعي، وكانت هذه الحفريات حافزًا كبيرًا للعلماء المصريين لإعادة اكتشاف أحافير شترومر، وزادت أهميته لأنه تأكيد لاكتشافات شترومر، وفي نفس الوقت يسجل كاكتشاف جديد.

ما اكتشافات جامعة بنسلفانيا؟

اكتشفت بعثة لجامعة بنسلفانيا ديناصورًا خامسًا يضاف إلى الديناصورات المصرية، صنف في العام 2001 على أنه أحد أضخم الديناصورات الآكلة للعشب في التاريخ، لأن طوله تخطى 27 مترًا، ووزنه تخطى 35 طنًا. وأوضح سالم أن الديناصورات آكلة العشب عادة ما تكون أكبر في الوزن من آكلة اللحوم، حتى تستطيع الأخيرة الجري وراء فريستها بسهولة.

واكتشف الفريق المصري من علماء جامعة المنصورة، حفرية ديناصور هابيل عام 2016، وأجرى الفريق أعمال الترميم عليها لمدة عامين، فبحثوا في هذه النقطة تحديدًا من الواحات البحرية، بسبب وجود رواسب الأنهار. ومن المعروف أن الديناصورات والكائنات الطائرة أو الزواحف كانت تعيش على ضفاف الأنهار.

الفريق المصري بعد اكتشاف هابيل

الفريق المصري بعد اكتشاف هابيل

وتكون الفريق البحثي من أستاذ الحفريات بالجامعة الأمريكية ومؤسس مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية، هشام سلام، وهو قائد الفريق البحثي، إضافة إلى مات ليمانا وباتريك أوكانر من مؤسسات أمريكية، والنائب السابق لمدير مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية، الدكتورة سناء السيد، بجانب ممثلين من وزارة البيئة.

كيفية اكتشاف الديناصور هابيل

شرح مؤلف الدراسة لـ«رؤية» أنه بعد اكتشاف العينة واستخراجها، بدأت مرحلة الترميم التي جرت من خلال استخدام جهاز ضغط الهواء لإزالة الرواسب الموجودة على الفقرة، ثم بدأت مرحلة الوصف التشريحي والرقمي، وبعدها عملية التصوير المقطعي والفوتوغرافي، وتسجيل الحفرية في بعض المصفوفات الخاصة.

وأضاف المؤلف، بلال سالم، أنه أعيد بعدها بناء النظام البيئي لمنطقة الواحات البحرية قبل 100 مليون سنة، لتحديد رسم تخيلي للديناصورات التي كانت موجودة في هذه البقعة. وأوضح أن عمر أقدم حفرية في السجل الجيولوجي يبلغ 350 ألف سنة، وبمقارنة عمرها بآخر حفرية يمكن حساب عمر الجنس الواحد، الذي يصل إلى مليوني سنة، في حين أن المدى الزمني لجنس الديناصورات ككل هو 6 ملايين سنة.

رسم تخيلي للديناصور هابيل

رسم تخيلي للديناصور هابيل

سر سوء سمعة عائلة هابيل

يقول سالم إن النظام البيئي في الواحات البحرية في ذلك الوقت كان أساسه الحروب الضارية بين الديناصورات، فالواحات البحرية منذ 98 مليون سنة كانت أرض الموت بسبب كثرة أعداد الديناصورات الآكلة للحوم التي تتغذى على نظيرتها آكلات للعشب وغير البالغة، بجانب الديناصورات النافقة.

وأوضح سالم أن الديناصور الذي اكتشفه مع فريقه البحثي يندرج من عائلة سيئة السمعة لأنها تتغذى على آكلات العشب، وتسرق الفرائس من الديناصورات الأكبر حجمًا منها، وتأكل الأصغر حجمًا، بل ويأكل بعضها بعضًا، مشيرًا إلى أن هذا الجنس لديه صفات آكلي لحوم البشر لأنها تأكل نفس جنسها.

وأضاف أن تلك العائلة من الديناصورات كانت الوحيدة المرشحة للبقاء رغم انقراض الفصائل الأخرى، لتكيفها الكبير مع ظروف الحياة، فهي تأكل عن طريق الافتراس والترمم وأكل جنسها، وما قضى عليها نهائيًّا هو حادث سقوط النيزك على كوكب الأرض، ولولا ذلك لكان من المحتمل أن تحيا حتى الوقت الحالي.

هل عاش الإنسان مع الديناصورات؟

نفى مؤلف الدراسة التي اكتشفت حفريات الديناصورات، وجود الجنس البشري خلال فترة حياة الديناصورات على سطح الأرض، وقال: “ظهر أسلافنا من البشر منذ مليون ونصف سنة، ولولا انقراض الديناصورات لما كانت استطاعت الثدييات الحياة وإعمار الأرض”.

وأوضح أن عمر الأرض 4 مليارات و600 مليون سنة، منذ أن كانت كرة ملتهبة في طور التكون من المجموعة الشمسية، في حين أول حفرية مكتشفة للثدييات تعود إلى 3 آلاف و700 سنة، وحفريات الديناصورات عمرها 98 مليون سنة، أي إن كوكب الأرض في بدايته كان ملكًا للديناصورات، وجاء البشر بعد ذلك لإعمارها.

ما سبب انقراض الديناصورات؟

رجح بلال سالم صحة نظرية وجود مجموعة من العوامل التي أدت بتكاملها معًا إلى انقراض الديناصورات، مشيرًا إلى أنه منذ 3 ملايين سنة قبل انقراض الديناصورات، كان كوكب الأرض يمر بفترة تجلّد كبيرة، وقبل مليوني سنة قبل الانقراض شهد فترة احتباس حراري بسبب زيادة نشاط البراكين، وخروج حمم تصاحبها الغازات التي سممت الهواء.

وتابع: “بعد ذلك سقط نيزك ضخم جدًا على كوكب الأرض، ما أصابها بموجة تسونامي وزلازل هائلة، واضطراب في القشرة المحيطية والقارية لكوكب الأرض، ليطوق الكوكب بغبار بركاني منع أشعة الشمس من الوصول إلى جميع الكائنات الحية، فماتت النباتات أولًا، ثم تبعتها الديناصورات آكلة العشب، فآكلة اللحوم، وفي النهاية انقرضت جميع الديناصورات”.

هل يمكن للديناصورات أن تعود؟

قال سالم إن الديناصورات تنقسم إلى نوعين، الطائرة وغير الطائرة، والأخيرة هي التي انقرضت فقط، في حين أن الديناصورات الطائرة استمرت في الحياة، مشيرًا إلى الاعتقاد بأن الطيور الموجودة على كوكب الأرض حاليًّا متطورة عن أسلاف من الديناصورات، حتى إن العلماء يستخدمون تشريح بعض الطيور للاستدلال على تشريح الديناصورات، لشدة تقاربها.

وأشار أيضًا إلى صعوبة عودة عصر الديناصورات مجددًا أو استنساخها، وذلك بسبب انقراضها منذ 66 مليون سنة، في حين مدة حفظ الـDNA تبلغ 10 آلاف سنة فقط، موضحًا أن كل ما يقال عن استنساخ الديناصورات في الأفلام السينمائية “محض خيال”.

ما الخطوة المقبلة لاكتشاف الديناصورات؟

أوضح سالم أن المشروعات البحثية ستستمر في الواحات البحرية، وأن الخطوة المقبلة لهم ستكون استكشاف المزيد من أنواع الديناصورات والزواحف الأخرى، مشيرًا إلى اكتشاف 6 أنواع ديناصورات من مصر حتى الآن، في حين أن أكثر الأماكن اكتشافًا للديناصورات هي منطقة يودا بالولايات المتحدة، تليها الأرجنتين والبرازيل والصين.

الفريق البحثي بالواحات البحرية

الفريق البحثي بالواحات البحرية

ويعتبر سالم أن أهمية اكتشاف ديناصور هابيل تكمن في أن البحث في مصر اقتصر على فترة بحث شترومر وجامعة بلسنفانيا فقط، وللمرة الأولى في التاريخ يتكون فريق بحثي مصري المؤلف الرئيس له مصري، وتنفذ مرحلة البحث والدراسة وحتى النشر عنها في المجلات العلمية أيادٍ مصرية.

ربما يعجبك أيضا