سنان أنطون يروي لـ«رؤية» آلام اغترابه عن العراق وكواليس رواياته الحزينة

رنا الجميعي

يتحدث الروائي العراقي في حواره لـ"رؤية" عن علاقته بالعراق وشعور الاغتراب المسكون فيه، وعن رواياته المهمومة بالعراق، وروايته الجديدة.


استقبلت العاصمة المصرية القاهرة، يوم الجمعة 17 يونيو 2022، الشاعر والروائي العراقي، سنان أنطون، لمناقشة وتوقيع أعماله الأدبية مع مكتبة تنمية.

سنان من مواليد العاصمة العراقية بغداد عام 1967، وضعته رواياته الأربع “إعجام، ووحدها شجرة الرمان، ويا مريم، وفهرس”، على خارطة أبرز الروائيين العرب. ويكشف في حوار مع “شبكة رؤية الإخبارية”، الكثير عن همومه الممزوجة بهموم العالم العربي.

الروائي العراقي سنان أنطون

الروائي العراقي سنان أنطون

كيف أثر الاغتراب في حياة سنان أنطون؟

هاجر أنطون في عمر الـ24 إلى أمريكا، ليترك الاغتراب أثره في نفسه، فيقول: “لازمني شعور الاغتراب كنت أشعر أني في سجن صغير اسمه البيت، وداخل البلد كان صدام حسين السجان الأكبر، أحب العيش بحرية بعيدًا عن تقاليد المجتمع، ففرحت حين سافرت للخارج، لكن بكيت بعد تحرك الحافلة نحو عمان، حينها أدركت أني ربحت حريتي الفردية، وأن بعض الأشياء ستظل عالقة في نفسي تجاه العراق”.

يضيف أنطون: “يسألني البعض عن سبب كتابة 4 روايات عن العراق، والإجابة أن الوطن ظل يقترب أكثر كلما ابتعدت، فالوطن ليس مجرد حيز وإنما ذاكرة وأغنيات ولغة وحكايات، وعمر عشته، كنت أعد دومًا نفسي أني حين أعود للعراق بعد سنوات ستكون مختلفة، غير أني وجدت بعد عودتي أن منزلي مُباع ومن أعرفهم غادروا، كان الأمر حزينًا للغاية”.

ما كواليس الرواية الأولى؟

يقول سنان: “أنهيت روايتي الأولى “إعجام” من القاهرة، وشاهدت غزو العراق في التليفزيون، انضممت إلى المظاهرات الغاضبة التي ملأت ميدان التحرير نهتف ضد الغزو، وتحولت تلك المظاهرات لهتافات ضد نظام الرئيس المصري الراحل، محمد حسني مبارك، كان المتظاهرون يهتفون يا مبارك قول لأبوك الشعب المصري بيكرهوك حتى اعتقدت أن الثورة ستحدث الآن”.

ويتابع: “رغم محاولاتي التصالح مع الغربة إلا أنها تركت أثر في نفسي، أنا محظوظ لأني ذهبت لأمريكا في عمر الـ24، كانت شخصيتي تشكلت، لكن الغربة أعطتني الكثير، أولها الحرية الشخصية، والابتعاد عن المكان جعلني أتأمل وضع العراق من بعيد، وأعدت تثقيف نفسي بعيدًا عن سيطرة العراق، لأن الدراسة بها كانت تحت نظام ديكتاتوري أيدلوجي”.

لماذا استغرق 7 سنوات في كتابة «إعجام»؟

نشر أنطون روايته الأولى “إعجام” في عام 2004، موضحًا “عملت على رواية إعجام 7 سنوات في فترات متقطعة، وتعرضت لصدمة بسبب فقداني الدفاتر التي كتبت فيها، فقد أصابها المطر وحولها إلى لوحة انطباعية، وأعدت كتابتها من جديد من الذاكرة”.

وتحكي الرواية قصة عراقي يدرس اللغة الإنجليزية، ويلقى فجأة في سجون حزب البعث خلال حكم صدام حسين، وفي السجن يكتب نصوصًا تسخر من الإيدلوجية الحاكمة.

جمهور حفل توقيع أعمال سنان أنطون 1

جمهور حفل توقيع أعمال سنان أنطون

كيف استعد لرواية «مغسل الجثث»؟

لا تعتبر أعمال أنطون “سعيدة” فالواقع العراقي القاسي يسكن بها، ففي روايته الثانية “وحدها شجرة الرمان” كتب حكاية شاب عراقي يهوى الفن التشكيلي، لكنه يضطر لاحتراف مهنة أبيه في غسل وتكفين الموتى. يحكي أنطون عن الشخصية قائلًا: “قرأت مقالات صحفية عن مغسل جثث عمره 35 عامًا يريد مغادرة العراق حتى لا يرث ابنه وظيفته.. بكيت كثيرًا حين قراءتها”.

يضيف: “تأثرت بتلك الشخصية التي غفل عنها المشهد الأدبي العربي، وقررت كتابتها.. حدثت تغييرات كثيرة عن الشخصية الأصلية، لكن قبل ذلك بحثت كثيرًا وراء تلك المهنة، وانغمست كليًا في عالم الشخصية، حتى أني علقت صور عن الحرب بالعراق على جدران بيتي، كنت أتقرب من عالم الموت، حتى تمكنت من كتابتها”.

كيف نسج علاقة الأجيال العراقية بالوطن؟

قدم أنطون رواية مريم، والتي وصلت للقائمة القصيرة لجائزة لبوكر العربية عام 2012، تتحدث الرواية عن علاقة المرء بالوطن عبر جيلين مختلفين من أسرة عراقية مسيحية، ويقول عنها أنطون: “بعض النقاد يقولون إنها رواية تتحدث عن مسيحيي العراق، غير أنها حكاية يمكن أن تحدث لأي أسرة عربية من ديانة أخرى، ويفرحني محبة القراء من مصر وسوريا الذين يخبروني أنها تعبر عن مشكلاتهم أيضًا”.

كل رواية لأنطون تعد مغامرة جديدة، لكن المغامرة الكبرى جاءت في روايته “فهرس”، ويوضح: “حاولت هدم الحدود بين الأجناس الأدبية في الرواية، أكثر من قارئ وناقد رأى أن بعض المقاطع من الأفضل أن تنفصل عن بقية الرواية كقصائد نثر، لكن جزء من الرواية أعتبره محاولة للتحاور مع الكتب العربية القديمة، هي أشبه بجدارية ضخمة تضم أعمالًا منفصلة، لكنها مرتبطة ببعضها البعض في نهاية الأمر”.

كيف نجح سنان في الفصل بين الحديث عن الكوارث والميلودراما؟

الكتابة عند سنان أنطون قاسية وموجعة، لكنها تعبر عن القليل فقط من وجع العراق وحروبه، يحكي أنطون عن بعض المشاهد الصعبة في رواياته، قائلًا: “مشاهد رواية وحدها شجرة الرمان جميعها صعبة، منها مشهد الرأس المقطوع، ومشهد النهاية بتفجير كنيسة سيدة النجاة في يا مريم صعب لأنه مشهد حقيقي”.

يعتري أنطون صعوبة أكبر حين الكتابة عن مأساة، ويقول: “يوجد حد بسيط بين الكتابة عن كارثة والانزلاق إلى الميلودراما، وأحرص دائمًا على الحفاظ على جماليات النص الأدبي حينما أتكلم عن العنف والألم”.

جمهور حفل توقيع أعمال سنان أنطون

جمهور حفل توقيع أعمال سنان أنطون

العنف في العالم العربي

لا يرى أنطون أن العنف يقتصر على المنطقة العربية فقط، أو كما يصدر البعض أن العنف نابع من المجتمعات العربية وحدها، موضحًا: “أكره الفكرة السيئة التي يقدمها الكثير من العرب أن مجتمعاتنا عنيفة، وظهر ذلك عند كتابة بعض المثقفين عن داعش، كأن الاستعمار الفرنسي والبريطاني وتاريخ البشرية كله لم يكن ملئ بالعنف وتقطيع الرؤوس”.

كيف ينظر الغرب إلى العرب؟

ساعدت الغربة أنطون في تكوين وجهة نظر عن نظرة الغرب إلى العرب والمسلمين عمومًا، منوهًا بأنه “قبل أحداث 11 سبتمبر تخلخلت نظرة الغرب للعرب، وبدأت موجات من إعادة التفكير في العلاقة مع الآخر، لكنها عادت أسوأ مما كان مع ضرب مركز التجارة العالمي على يد تنظيم القاعدة، وصور المستشرقون ما حدث أنه صدام حضارات، أثر هذا الاختزال في نظرة الغرب تجاه العرب”.

ويكمل: “يحتاج المرء لقراءة تاريخ أفغانستان خلال 30 عامًا، ليعرف كيف ظهر المجاهدين، توجد صورة للرئيس الأمريكي، رونالد ريجان، يرحب فيها بالمجاهدين الأفغان في البيت الأبيض، ويقول عنهم إنهم أبطال مدافعين عن الحرية، ونقفز بعدها إلى الأمام سنوات حين وجهت أمريكا غضبها على ذات الأشخاص، وقالوا إنهم رأس الشر في العالم، نحتاج للقراءة والتأمل لفهم كيفية صناعة الإرهاب في العالم”.

من حفل توقيع أعمال الروائي العراقي سنان أنطون في مكتبة تنمية بالقاهرة 1

من حفل توقيع أعمال الروائي العراقي سنان أنطون في مكتبة تنمية بالقاهرة

ما أحدث روايات سنان أنطون؟

لا تزال العراق تشكل روح أنطون، يبدو ذلك أيضًا في روايته الجديدة التي يعمل عليها “خزامى”، وعنها يقول: “تدور الرواية حول شخصين عراقيين من طبقات مختلفة يهاجرون إلى أمريكا هروبًا من، ويظهر تناقضًا في الشخصيتين، أحدهما يريد أن يصبح أمريكيًا محاولًا التخلص من ذاكرته، والآخر الأكبر بالعمر يحاول التشبث بهويته العراقية، وهي رواية ليست فرحة أيضًا”.

ربما يعجبك أيضا