إيران وحرب الجاسوسية.. «رويترز»: أمريكا تخذل عملاءها

علاء بريك
المخابرات المركزية الأمريكية

نشرت وكالة أنباء "رويترز" تحقيقًا مطولًا يرصد تعامل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية مع عملائها في إيران.


دعا الضابط في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، جيمس لاولر، لتجنيد عملاء في إيران، وقال إن “اختراق البرنامج النووي الإيراني أهم من أي أمر آخر”.

وكشف تحقيق مطول نشرته وكالة أنباء “رويترز“، أمس الخميس 29 سبتمبر 2022، عن عدة حالات لفشل “سي آي إيه” في الحفاظ على سلامة عملائها. وتأتي أهمية هذا التحقيق من ندرة المعلومات الموثقة عن عمليات التجنيد والتجسس لصالح الوكالة داخل إيران.

الاختراق والمعلومات

وفقًا للتحقيق، لا تملك الولايات المتحدة أي تمثيل رسمي في إيران منذ الثورة الإسلامية في 1979، لذا تعمد وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى تجنيد الإيرانيين خلال زياراتهم لدول أجنبية، أو بعد مبادرة الشخص بالتواصل مع الوكالة إلكترونيًّا، أو بالحضور الشخصي في إحدى القنصليات أو السفارات الأمريكية بالخارج.

وبحسب الشهادات في التحقيق، تغيرت المعلومات المطلوبة من الجواسيس مع تغير الإدارات الأمريكية، فقد كانت قبل إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، معلومات تساعد على شن عملية عسكرية تضرب أهدافًا حساسة، مثل شبكات الكهرباء المغذية للمحطات النووية، وبعد وصول أوباما صارت معلومات تساعد على الضغط السياسي وكسب قوة تفاوضية.

دوافع التجسس

ركز التحقيق على تناول حالات أعرب فيها الجواسيس عن رغبتهم في خدمة وكالة الاستخبارات المركزية بمبادرة ذاتية، وفي هذه الحالات كان الدافع تجربة ذاتية مر بها الجاسوس. ففي حالة الجاسوس الإيراني، غلام رضا حسيني، كان الدافع بحسب ما أخبر به “رويترز” هو شعوره بالغبن بعد اقتحام الجيش لقطاع الأعمال، ومقاسمته أرباح شركته من دون وجه حق.

أما الجانب الآخر الذي لم يركز عليه تحقيق “رويترز”، فيتمثل في محاولة تجنيد وكالة الاستخبارات المركزية لبعض الشخصيات الإيرانية، وهنا تكون الوكالة هي المبادر وصاحب الخطوة الأولى. وتعتمد الوكالة في البداية على أسلوب الترغيب، كالإغراء بتسهيل السفر إلى الولايات المتحدة، ومن ثم إلى أسلوب الترهيب. وتختار الوكالة الشخص بناءً على ما تعتقد أنه قد يحمله من معلومات حساسة.

كيف وقعت شبكة التجسس في إيران؟

استطاعت السلطات الإيرانية إلقاء القبض على عدة جواسيس داخل البلاد، على اتصال مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، خلال العقد الأول من القرن الحالي. ولم يقتصر سقوط هذه الشبكات على إيران، بل حدث الأمر نفسه في دول أخرى من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

ولم يكن تكرار سقوط شبكات التجسس الأمريكية بالخارج وليد الصدفة، فبحسب التحقيق، كانت “سي آي إيه” تعتمد في الاتصال بعملائها على مواقع مغمورة في الإنترنت، فكانت تعطي العميل رابطًا لموقع مع كلمة سر، لإجراء محادثة سرية مع أحد عناصر الوكالة، لكن الوكالة لم تهتم حينها بمستوى الأمن السيبراني لهذه الطريقة، وكان لذلك التساهل أثره في إسقاط جواسيس عدة دون صعوبة.

طبقات الجواسيس‌

من منظور وكالة الاستخبارات المركزية، ليس كل الجواسيس سواسية، وبالتالي آلية التعامل مع هؤلاء ليست واحدة، على الرغم مما قد يزعمه بعض ضباط الوكالة علانية، بأنها لن تدخر جهدًا في حماية وتأمين هؤلاء الجواسيس، بحسب ما يورد تحقيق “رويترز”. ففي الغرف المغلقة يعترف الضباط بأن بعض المصادر أثمن من بعض.

وعلى سبيل المثال، ترى الوكالة أن جاسوسًا يشغل منصبًا عاليًا في دولة ما، هو مصدر ثمين لا بد من تأمينه وحمايته، وقد تكرِّمه لاحقًا وتؤمن انتقاله هو وعائلته إلى داخل الولايات المتحدة، وإذا سقط في أيدي سلطات بلده فستحاول رعاية عائلته، وترعاه إذا خرج. أما الجاسوس العادي الذي يأتي بمعلومات جيدة أحيانًا، فلا تبذل الوكالة جهدًا كبيرًا في حمايته أو تأمينه لاحقًا.

مخاطرة كبيرة وأضغاث أحلام

يمثل إفشاء أسرار الدولة أمرًا جللًا يعاقب عليه صاحبه بحسب العقوبات المنصوص عليها في كل بلد، لكن الأخطر هو إفشاء الأسرار لدولة معادية، فهذه جريمة قد تصل إلى الخيانة العظمى. ومع ذلك، يبادر الجواسيس بالتواصل مع وكالة الاستخبارات المركزية، وفي أذهانهم أنها لا بد أن توفر لهم الحماية، وأنها لن تترك عائلاتهم أو تتركهم هم شخصيًّا بعد الخروج من السجن، حال خرجوا.

وعلى العكس، فالغالبية العظمى من الجواسيس لا يلتفت إليهم أحد بعد كشف أمرهم وسجنهم، وإذا خرجوا لا تحاول الوكالة معاودة التواصل معهم. وقد برر أحد ضباط “سي آي إيه” هذا القرار بأن الجاسوس بعد خروجه من الأفضل له عدم تواصل الوكالة معه، وأعرب عن وجود خوف من أن يتحول الجاسوس بعد السجن إلى عميل مزدوج، مضيفًا ما معناه أن “الجاسوس يفقد أهميته بعد كشف أمره”.

ربما يعجبك أيضا