لماذا تستمر العلاقات الصينية الألمانية رغم الانتقادات؟

آية سيد
المستشار الألماني شولتز يتعرض لانتقادات بعد زيارته لبكين

أثارت زيارة المستشار الألماني، أولاف شولتز، للصين انتقادات لاذعة من رجال السياسة ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة، وأوروبا.


كان المستشار الألماني، أولاف شولتز، أول زعيم من الاتحاد الأوروبي ومجموعة الـ7 يزور الصين منذ تفشي فيروس كورونا.

وأثارت زيارة شولتز إلى بكين، يوم الجمعة 4 نوفمبر 2022، انتقادات لاذعة من رجال السياسة والإعلام في الولايات المتحدة وأوروبا، لكن مدير برنامج أوراسيا بمعهد “كوينسي” الأمريكي، أناتول ليفين، رأى أن النقاد يبالغون.

نتائج متواضعة لكن حقيقية

أشار ليفين، في مقال نشره موقع “ريسبونسيبل ستيتكرافت“، يوم السبت الماضي، إلى أن زيارة شولتز لبكين أثمرت نتائج دبلوماسية متواضعة، لكن حقيقية، مثل إصدار الرئيس الصيني، شي جين بينج، بيانًا قويًّا يحذر جميع الدول من استخدام الأسلحة النووية، أو التهديد باستخدامها.

وفسر ليفين البيان كتحذير لروسيا بعدم استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا، وكذلك إشار إلى دعوة شي إلى عقد مفاوضات طارئة لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، من دون استخدام أي لغة تدين الولايات المتحدة والناتو أو تدعم روسيا، على حد تعبير الكاتب.

تعهدات ألمانية

أشار الكاتب أيضًا، في مقاله، إلى إدانة شولتز الانتهاكات الصينية لحقوق الإنسان، ودعوته الحكومة الصينية لاستخدام نفوذها لدى موسكو لإنهاء الحرب في أوكرانيا. ولفت إلى مقال كتبه المستشار الألماني قبل الزيارة، أشار فيه إلى أن العلاقة التجارية بين ألمانيا والصين تبادلية، لكنه تعهد بتقليل الاعتماد على بكين في مجالات معينة.

وفي حين أعلن شولتز معارضة ألمانيا لأي خطوات تهدف إلى الهيمنة الصينية، شدد على أن برلين “ليست لديها مصلحة في ظهور تكتلات جديدة بأنحاء العالم”، في ما يبدو أنه تحذير لواشنطن، بحسب تعبير المحلل البريطاني.

حماقة منتقدي الموقف الصيني

وصف ليفين الساسة والمعلقين الغربيين، الذين دعوا الصين للانضمام إلى العقوبات الغربية ضد روسيا بـ”الحمقى”. ولفت إلى أن الهند، وهي شريكة للولايات المتحدة ونظامها ديمقراطي، لم تفعل ذلك، وكذلك لم يفعل معظم العالم.

وشدد في مقاله إلى أنه لأسباب جيوسياسية واقتصادية، منها اعتماد الصين الجزئي على روسيا في أمن الطاقة، لم تكن فرصة لانضمام الصين إلى حرب اقتصادية بقيادة الولايات المتحدة ضد روسيا.

حقيقة التحالف بين بكين وموسكو

على الجانب الآخر، وصف ليفين من يتحدثون عن تحالف بين الصين وروسيا بأنهم يبالغون بشدة، ويسيئون استخدام كلمة “تحالف”، موضحًا أنه توجد بالفعل شراكة صينية روسية، لكن لا يوجد تحالف.

وبيّن أن الصين لم تنضم إلى الغرب في الضغط الاقتصادي على روسيا، وكذلك لم تقدم لها أي مساعدة عسكرية أو اقتصادية، بخلاف الاستمرار في شراء النفط والغاز الروسيين، كما تفعل بقية دول العالم.

لماذا لا تساعد الصين روسيا؟

بسبب العداء المتزايد بين الولايات المتحدة والصين، وتحذيرات المحللين بشأن اندلاع حرب على تايوان، توقع البعض أن تفعل الحكومة الصينية كل ما بوسعها لتعزيز الموقف الروسي ضد أمريكا، لكنها لم تفعل ذلك، وفق ما  يراه ليفين.

وأوضح الكاتب أن أحد أسباب ذلك، هو ميل بكين المستمر تجاه الحذر الاستراتيجي، الذي يظل أكبر بكثير مما يعترف به معظم المعلقين الغربيين، بعيدًا عن بحري الصين الجنوبي والشرقي، وكذلك الخوف من أن تدفع مساعدة روسيا الاتحاد الأوروبي للانضمام إلى الولايات المتحدة في فرض عقوبات اقتصادية مدمرة على الصين.

وهنا، أشار ليفين إلى أن الأمر يعمل في كلا الاتجاهين، ما يعني أنه إذا خفضت ألمانيا وأوروبا علاقاتها الاقتصادية بالصين تحت الضغط الأمريكي، من المرجح أن تزيد المساعدات الصينية إلى روسيا بنحو متناسب.

لماذا يتعرض شولتز للانتقادات؟

قال المحلل البريطاني إن السبب وراء زيادة الانتقادات لزيارة شولتز إلى بكين، هو قراره مؤخرًا بالسماح لشركة الشحن الصينية “كوسكو” بشراء حصة 25% في محطة بميناء هامبورج الألماني، رغم المعارضة القوية من واشنطن وشركائه في الائتلاف الحاكم.

ولفت ليفين إلى أن قرار المستشار الألماني كان جزئيًّا بدافع الرغبة في مساعدة مدينة هامبورج، التي كان عمدتها، كما أن شراء حصة في محطة واحدة، لن يجعل الصين تسيطر على موانئ المدينة.

مخاطر الانفصال الاقتصادي

حسب ليفين، إذا مُنعت الصين عن شراء حصة صغيرة في مشروعات البنية التحتية الأوروبية، فهذا يعني أن أوروبا في طريقها إلى الانفصال الاقتصادي عن الصين. ولكن أكثر ما يشغل ذهن شولتز هو الضرر الذي يسببه هذا الانفصال للاقتصاد الألماني وللنقابات العمالية الصناعية، التي لا تزال جزءًا حيويًّا من قاعدة الحزب الاشتراكي الديمقراطي.

ومثل سلفته، أنجيلا ميركل، يبدو شولتز مصممًا على حماية القاعدة الصناعية للتكنولوجيا الفائقة في ألمانيا. وزادت رغبته في الحفاظ على أسواق في الصين بدافع خطر الضرر الكبير، الذي يشكله نقص إمداد الغاز الروسي على الصناعة الألمانية.

الشراكة التجارية

منذ 2016، كانت الصين أكبر شريك تجاري لألمانيا، بتجارة بلغت 242 مليار دولار في 2021. ووفق ليفين، تركزت الصادرات الألمانية في مجالات الصناعات المتطورة ومرتفعة القيمة، مثل السيارات، والآلات والأجهزة الإلكترونية، التي مثلت أكثر من 75% بإجمالي الصادرات. وكذلك فإن السوق الصينية تمثل 40% من مبيعات “فولكس فاجن” حتى الآن.

وأوضح المحلل البريطاني، في مقال سابق، أن تداعيات التراجع الشديد والسريع في الصناعة الألمانية ستتجاوز الاقتصاد، والنتيجة شبه المؤكدة ستكون ارتفاعًا في تأييد الأحزاب المتطرفة في جناحي اليمين واليسار، ما يهدد استمرارية الديمقراطية الألمانية.

دور الولايات المتحدة

ختامًا، قال ليفين إن هذا يمثل خطرًا ينبغي أن توليه المؤسسة الأمريكية مزيدًا من الانتباه، لافتًا إلى أن التهديد الخارجي للديمقراطية  الغربية من روسيا والصين ضئيل، وتراجع أكثر في الأشهر الأخيرة. وحذر من أن أسباب الاستقطاب السياسي والتراجع الديمقراطي في الغرب “داخلية إلى حد كبير”، ولا يمكن معالجتها بمواجهة مع الصين وروسيا.

وقال المحلل البريطاني إنه بقدر ما تدعي إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أن الدفاع عن الديمقراطيات بأنحاء العالم في قلب استراتيجتها للأمن القومي، ينبغي أن تهتم بالرفاه الاقتصادي لحلفائها الرئيسين، بقدر اهتمامها بمواجهة الصين، وربما أكثر.

ربما يعجبك أيضا