من التنافس للصراع الدائم.. ما سر العداء التاريخي بين الصين والهند؟

محمد النحاس

أثرت حرب 1962 بين الصين والهند على كل مناحي العلاقات وحوّلت التنافس الإقليمي إلى صراعٍ دائم.


شهدت العلاقات الصينية الهندية تنافسًا إقليميًا طبيعيًا، إلا أنّه تحوّل إلى صراع دائم شكّلته عوامل التاريخ وحقائق الجغرافيا.

وبالعودة للماضي، شهد البلدان عدة صدامات حدودية، كان أبرزها حرب أكتوبر 1962، التي شنتها الصين بقيادة ماو تسي تونج على الهند بمنطقة الهيمالايا، وحققت بكين على إثرها انتصارًا كاسحًا، مثّل صدمةً سياسية وعسكرية غيرَ مسبوقة للهند.

عداءٌ دائم

يعتقد محلل السياسات الخارجية والخبير المتخصص بشؤون أمن آسيا، إيفان ليداريف، في مقال نشرته مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية، يوم الأحد 21 نوفمبر 2022، أنّ حرب 1962 حوّلت التنافس الإقليمي المقيّد بالدبلوماسية بين الهند والصين، لنزاع جيواستراتيجي، معتبرًا أنها مثّلت أساسًا لنزاعٍ سياسيٍ دائم، ومحفزًا لصراعٍ لا حل له.

ويشير إلى أنّ الحرب، التي استمرت شهرًا فقط، شكّلت أساسًا للعلاقات المتوترة بين البلدين، وامتد تأثيرها في العلاقات الحالية، موضحًا أن الهجوم الصيني حينها، جاء ردًا على دعم الهند حركات انفصالية، منضمةً بذلك للولايات المتحدة في دعمها لانفصالي التبت، بالمنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية، التي تمتعت بالحكم الذاتي.

تفوق صيني

وفق ليداريف أدى الانتصار لتعزيز شعور بكين بالتفوق على جارتها الجنوبية، وباتت تنظر إليها كتهديد ثانوي، وأسهم في وجود جاهزية صينية لإشعال التوترات الحدودية، ما اعتبره سلوكًا طبيعيًّا لأن الهند “لن تجرؤ على بدء صراع مع جارتها ذات القوة المتعاظمة”، مستشهدًا بتعليق خبير صيني على القضية، قائلًا: “هزمناهم مرةً ونستطيع هزيمتهم مجددًا”.

في المقابل، مثّلت الهزيمة في الهند صدمةً على المستويين الشعبي والسياسي، وأصبحت ذات حساسية خاصة في الخيال الوطني، ومع تصاعد النزعة القومية، تزايد الضغط الشعبي لاتخاذ مواقف أكثر حسمًا ضد الصين، خاصة أن السردية الشعبية تدور على خيانة صينية مفترضة، وارتبط تصعيد عامي 2017 و 2020 أيضًا بالحرب التاريخية لدى الرأي العام الهندي.

سباق تسلح

يشير ليداريف إلى أن حرب 1962 دفعت الهند لاعتبار الصين تهديدًا أمنيًّا خطيرًا، وتشكيل سباق تسلّح بين الدولتين، زادت بموجبه نيودلهي نفقاتها الدفاعية، وعملت على إحداث تطوير شامل بالجيش، بما يعيق أي هجوم صيني مفاجئ، ويُفقد جيش التحرير الشعبي تفوقه الاستراتيجي، الذي رسّخه بعد الانتصار الخاطف.

ويقول إن الهند تمكنت أخيرًا من الصعود كـ”قوة عسكرية كبرى” منافسة، وطوّرت قدرات مصممة خصيصًا للحدّ من نفوذ الجار اللدود، بما في ذلك حاملات الطائرات والصواريخ البالستية، وحتى الأسلحة النووية، وادعت نيودلهي أن الهدف الاستراتيجي لهذه الأسلحة، مواجهة دولة ارتكبت “عدوانًا مسلحًا ضد الهند”، وفق الخبير بشؤون الأمن الآسيوي.

توتر إقليمي

بحسب إيفان ليدرايف، أدّى النزاع الحدودي بين الصين والهند بالهيمالايا، إلى تحويل المنطقة برمتها لنقطة اشتعال، ومثّلت نيبال وبوتان وسيكم توزانات مهمة تؤثر بدورها في مجريات هذا النزاع الإقليمي، مشيرًا إلى أنه في التوترات الأخيرة بين الهند ونيبال عام 2020، ألقى كثير من المتخصصين باللوم على الصين، في إشعال النزاع، على حد تعبير الكاتب.

وكانت أحد تجليّات التوتر المتصاعد بالمنطقة الحدودية، وفق ليدرايف، النزاع الذي اشتعل عام 2017 بين الصين وبوتان، بمنطقة دوكلام ذات الأهمية الاستراتيجية، وفي حين تقول بكين إن القوات الهندية تنتشر على أجزاء من أراضيها، ترفض نيودلهي وتيمفو هذه السردية وتشددان على أن المنطقة الحدودية المتنازع عليها تتبع بوتان.

ويشير الخبير الأمني إلى أن النزاع  امتد لولاية سيكيم، التي انضمت للهند عام 1975، ورغم اعتراف الصين بها كجزء من الهند عام 2005 حاولت استمالة الولاية الملاصقة لإقليم التبت الحدودي المهم استراتيجيًا لبكين.

تحالف خطير

وفق الخبير بالشؤون الآسيوية، أدت حرب 1962 لتقارب الصين وباكستان على نحوٍ متزايد، ما كان بمثابة كابوسٍ للهند، التي كانت تخشى حربًا على جبهتين، في ظل ما تشهد العلاقات الهندية الباكستانية من توتر متزايد، منذ استقلال إسلام أباد عن نيودلهي، وكان آخر محطات هذا التوتر عام 2019،عندما نفذت الهند ما أسمته “إعادة هيكلة” لإقليم كشمير، المتنازع عليه.

الشقاق الهندي الباكستاني دفع إسلام آباد لتسوية نزاع حدودي مع الصين، تنازلت باكستان بموجبه عن منطقة ترانس كارا كورام، التي تدعي الهند أنها تتبع كشمير، ويعتقد ليداريف أن هذا التطور أشرك الصين على نحوٍ متزايد في قضية كشمير، داعمةً بذلك حليفتها باكستان، ما يُعد عقبة جديدة أمام حل النزاع الإقليمي بين الصين والهند.

ورقة ضغط هندية

أدى تضافر هذه العوامل لإزجاء الخلاف بين الصين والهند، ويشير الخبير الأمني ليداريف إلى إدعاءات بأن نيودلهي كانت تخطط للاعتراف بالحكومة الانفصالية عام 1965، وقدمت الدعم العسكري واللوجستي للمنشقين بالتبت، بعد حرب 1962، ووفرت التدريبات العسكرية لهم رفقة الولايات المتحدة، ما عزز الشكوك الصينية.

ويقول إن الهند أسست قوتين شبه عسكريتين قوامهما من الانفصاليين الفارين من التبت، وهما شرطة الحدود الهندية التبتية، وقوة الحدود الخاصة، وشاركت هذه القوات، كما يذكر ليدرايف، في التصعيد الحدودي عام 2020، ما فاقم شعور بكين بانعدام الأمن. ما يبرز كيف أثرت حرب 1962 في كل مناحي العلاقات بين القوتين الآسيويتين.

ربما يعجبك أيضا