المستهلكون في قلب أزمة «النانومتر»

لمياء أمين
شركة TSMC التايوانية عملاق صناعة الرقائق الإلكترونية

شددت الإدارة الأمريكية من قيود بيع الرقائق والمعدات اللازمة لصنعها للشركات الصينية دون ترخيص، في أكتوبر الماضي، مع سعى دائم لحث الحلفاء الأوروبيين لحذو نفس السلوك.


بينما كانت الألمانية إيدا جونتر تقف بمطبخها بمدينة هامبورج، لتعد وجبة لطفلتيها، لم تعلم أن حياتها العملية قد تكون مهددة بفعل شيء أقل سمكًا بمليون مرة من المليمتر.

تدخل أشباه الموصلات في صناعة السيارات الكهربائية، ويعانى العالم من تراجع إنتاجها على مدار العام الأخير، مع مشاكل سلاسل الإمداد والتوريد، ثم الحرب الروسية الأوكرانية، والأزمات الجيوسياسية بين أمريكا والصين من ناحية أخرى.

الأزمة تطال المستهلكون

تشجعت جونتر لشراء سيارة كهربائية، بعد حديث مع إحدى صديقاتها عن انخفاض تكلفتها مقارنة بسيارات الوقود، مع ميزة إضافية تتمثل في ملائمتها أكثر لحماية البيئة، وكذلك فإن السيارة الجديدة ستساعدها في التنقل بطفلتيها ذوات العامين وال5 أعوام.

ذهبت إيدا الأربعينية في صباح اليوم التالي إلى أحد المعارض، لكنها فوجئت بأن السيارات الكهربائية غير متوفرة الآن، ولم يستطع البائع تحديد موعد لتوافر السيارة، بحسب ما جاء في حديثها مع شبكة رؤية الإخبارية.

أزمة لم تكن في الحسبان

تحكي إيدا لـ”رؤية” أنها تابعت نشرات الأخبار، لتكتشف أن الولايات المتحدة تحاول تقييد الصين من الوصول إلى تقنياتها، التي تفوق العالم في سلسلة أشباه المواصلات العالمية، التي تعد أساسية للأجهزة المحمولة والسيارات الكهربائية وأجهزة الألعاب.

وتعد الرقائق الالكترونية أساس الجيل التالي من التكنولوجيا، من السيارات ذاتية القيادة، وإنترنت 5G، إضافة إلى الخدمات السحابية والذكاء الاصطناعي، ولم يكن في الحسبان أن تطال الأزمة مستهلكي العالم.

السعي إلى التقدم التكنولوجي

يخاطر أي بلد ليس لديه وصول مستقر إلى كميات كبيرة من هذه الرقائق بالتخلف من الناحية التكنولوجية. وهو ما يرى المحللون أنه بالضبط ما تحاول الولايات المتحدة أن تحققه في حظر التكنولوجيا الجديدة عن الصين.

وتريد واشنطن إحباط هدف بكين في إنتاج أشباه موصلات متقدمة، تحمل التعريف المختصر لتقنية المعالجة بين 3-14 نانومتر، في حين تحمل الرقائق الأرخص والأبسط تسميات -وأحجام- أعلى من 14 نانومتر. وكلما صغر حجم أشباه الموصلات، كانت أكثر تقدمًا وكفاءة وقدرة على التوصيل، ولذلك هي أغلى سعرًا وأكثر طلبًا لأي منتج حديث ومتطور.

حصار معرفي على الصين

رغم دقة التفاصيل الفنية، التي تقاس بالنانومتر (1 على مليار جزء من المتر)، فإن تأثيرها قد يكون مرعبًا، ويمتد لآلاف الكيلومترات، فهي جزء من حروب الجيل الجديد، وتعدّ الرقائق الإلكترونية أحدث وكلاء هذه الحرب، بين قوة عظمى قديمة وأخرى ناشئة.

وتحاول  الولايات المتحدة، الاقتصاد الأول على مستوى العالم، منع الاقتصاد الثاني، الصين، من بلوغها وتخطيها. وتمنع قواعد واشنطن الجديدة الصين من الوصول إلى التكنولوجيا الضرورية لإنتاج رقائق متطورة.

حظر بيع الرقائق إلى الصين

شددت الإدارة الأمريكية من قيود بيع هذه الرقائق والمعدات اللازمة لصنعها للشركات الصينية دون ترخيص، خلال أكتوبر الماضي، مع سعى دائم لحث الحلفاء الأوروبيين لحذو نفس السلوك، أو فرض عقوبات على شركاتها المخالفة للتوجه.

وليست هذه المرة الأولى، التي تستهدف فيها الولايات المتحدة طموحات الصين بشأن الرقائق، لكن القواعد الجديدة تعد إلى حد بعيد أكثر الضوابط فعالية حتى الآن. وستعوق بوتيرة كبيرة تطور مجموعة من شركات التكنولوجيا الصينية، من صانعي الرقائق إلى المتخصصين في الذكاء الاصطناعي.

الحصة السوقية لصناعة أشباه الموصلات (%) فايننشال تايمز البريطانية

عواقب وطموحات

قد يكون لهذه القواعد الشاملة الجديدة عواقب غير مقصودة بعيدة المدى. فالحكومات في جميع أنحاء العالم تتصارع مع التضخم. وعلى المدى الطويل، سيؤدي الحظر الأمريكي على التكنولوجيا الصينية إلى رفع أسعار جميع أنواع الرقائق، وبالتالي المنتجات القائمة عليها في قائمة لا حدود لها.
وتمتلك دولتان فقط، هما تايوان وكوريا الجنوبية، التكنولوجيا المتطورة لصنع هذه الرقائق. نتيجة لذلك، فإن لديهما نحو نصف سوق أشباه الموصلات في العالم.

حصة صغيرة لأمريكا

تمتلك الولايات المتحدة 12% من سوق الرقائق، لأن الشركات المحلية غير قادرة على إنتاج الرقائق عالية الجودة على نطاق واسع، في حين لا يزال باقي العالم ينتج ما يسمى بالرقائق القديمة.

ورغم الحصة الأمريكية القليلة في الإنتاج، فإن الولايات المتحدة تتحكم في الملكيات الفكرية والتصميمات والبحوث والتطويرات والاختبارات على مستوى العالم، ما يجعلها صاحبة النفوذ الأوسع على وجه الأرض في هذه التقنيات.

ربما يعجبك أيضا