أوروبا في مواجهة روسيا.. هل تستطيع القارة العجوز تهدئة البلقان؟

محمد النحاس

آخر ما يرغب به الأوروبيون بعد اشتعال الحرب الأوكرانية الروسية حرب جديدة داخل أوروبا


في مطلع نوفمبر الحالي، تقدم المئات من الأقلية الصربية في جمهورية كوسوفو، باستقالات جماعية من وظائفهم الحكومية.

جاء ذلك ردًّا من الصرب المتركزين في الشمال، على منع دخول سياراتهم ذات اللوحات الصربية إلى كوسوفو، الدولة متعددة الأعراق التي انفصلت من جانب واحد في 2008 عن صربيا دون اعتراف الأخيرة، ليتجدد التوتر بين الجارتين الواقعتين بمنطقة البلقان.

اشتعال الوضع

حسب تقارير أوروبية، تسعى جمهورية كوسوفو لفرض هويتها على كل المناطق الواقعة تحت سيطرتها، بما فيها المنطقة الشمالية ذات الغالبية الصربية، التي لا تزال تدين بالولاء لبلجراد. وأصدرت بريشتا قرارًا يفرض على 10 آلاف صربي في الجمهورية ترخيص سياراتهم بوثائق ولوحات كوسوفو.

وفي اليوم التالي لإصدار القرار، تجمهر المئات من العرقية الصربية في مدينة ميتروفيتشا، دعمًا للاستقالات الجماعية، وتعبيرًا عن غضبهم من حكومة بريشتا، مرددين أغاني وشعارات قومية صربية.

علاقات متوترة

بدأت محاولات لتطبيع العلاقات بين صربيا وكوسوفو برعاية الاتحاد الأوروبي، منذ عام 2011، نتج عنها عقد 30 اتفاقية شملت قضايا التعاون الإقليمي وحرية التنقل، ومزيدًا من الاستقلال للهيئات المدنية الصربية داخل كوسوفو، حسب تقرير نشره “مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي” في 17 نوفمبر 2022.

لكن التقرير الذي أعدته منسقة برنامج “وايدر يوروب”، تيفتا كليمندي، قال إن هذه المحاولات لم تكن ذات جدوى كبيرة، وإن الحوار بين البلدين شهد سنوات من الجمود، ولم يعالج الطرفان القضايا الحساسة.

وتشير كليمندي في هذا الإطار إلى عدم التزام كوسوفو باتفاقية 2013 التي نصت على إنشاء رابطة للبلديات ذات الأغلبية الصربية، وفي المقابل لا تزال بلجراد تشن حربًا دبلوماسية على جارتها، رافضةً الاعتراف بها، وتعارض انضمامها إلى المنظمات الدولية.

لا تنازلات

على مدار العقد الماضي لم يتخذ البلدان مقاربة بنّاءة لحل نقاط الخلاف، وتعززت الخلافات الإثنية داخل كوسوفو، بل ووصل الخلاف إلى الجماعة الواحدة، وفق كليمندي، التي تشير إلى أن بعضًا مع عرقية الصرب يرغب في التعاون مع حكومة كوسوفو، وامتثلوا لقرار الترخيص، لكن الموالين لبلجراد أحرقوا سياراتهم.

وترى كليمندي ضرورة لتقديم الطرفين تنازلات جديّة للتوصل إلى اتفاق، فبينما تعزز صربيا هياكلها الموازية داخل كوسوفو، تعمل كوسوفو على تقويض ما تراه نزعات انفصالية، وهو ما ظهر جليًّا في قرارها الأخير بتغيير التراخيص الصربية، ومنع الصرب داخل كوسوفو من المشاركة في الاستفتاءات الوطنية الصربية.

مبادرة أوروبية

آخر ما يرغب فيه الأوروبيون، بعد اشتعال الحرب الأوكرانية الروسية، هو نشوب حرب جديدة داخل أوروبا، وقد كثف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة دعم جهود التفاوض بين صربيا وكوسوفو، وآخرها تقديم اقتراح ألماني فرنسي يحوي إطارًا عامًا للتفاوض بين البلدين، إلا أنّ تفسير الجانبين للاقتراح كان مختلفًا.

ففي حين رحب مسؤولو كوسوفو بالمقترح، حسب تقرير المجلس الأوروبي، كان المسؤولون الصرب أقل حفاوة بالإطار المُقترح، الذي يشمل اعتراف صربيا بالوضع القانوني لكوسوفو، وهي خطوة ليست سهلة، وفق كليمندي، التي شددت على ضرورة امتناع كوسوفو عن إذكاء الخلاف وإطالة أمد الأزمة.

تأجيج الصراع

لا تقف التحديات، وفق التقرير، عند هذا الحد فروسيا التي تسعى لزيادة الضغوط على أوروبا، تعمل على تأجيج الصراع عن طريق وسائلها الإعلامية، لتصوير الصرب في كوسوفو كضحايا لـ”طغيان الحكومة المركزية”، مستغلةً بذلك الأصول السلافية للصرب، والأصول الدينية المشتركة، والعلاقة التاريخية الوثيقة للدولتين.

وأشارت كيلمندي إلى تقرير نشره معهد كوسوفو لبحوث السياسات والتنمية، يقول إن 17% من 458 قصة إخبارية نشرتها قناة “روسيا اليوم”، و”سبوتنيك صربيا”، على مدار 3 أشهر، كانت “مضللة ويهدف إلى إذكاء التوتر بين صربيا وكوسوفو” والتشكيك في شرعية الأخيرة.

شرط مسبق للسلام  

تشدد كليمندي على ضرورة سعي الاتحاد الأوروبي لإقناع الطرفين بضرورة الحوار، كشرط مسبق للسلام، وكسبيل وحيد للخروج من الأزمة، وإلى ذلك الحين سيتعين على حلف شمال الأطلنطي (ناتو) العمل على احتواء أي توتر مستقبلي بالمنطقة، وتكثيف جهوده مع الدول الحليفة على طول الحدود الصربية.

وإضافة إلى جهود الأوربيين، يتعين على كوسوفو وصربيا، كما تذكر كليمندي، التراجع عن كثير من راوياتهما القومية، والاستعداد لتقديم تنازلات جديّة تقود في النهاية إلى حل سلمي دائم، مع ضرورة مكافحة “التضليل الإعلامي بالمنطقة” الذي يزيد رقعة الخلاف، ويباعد وجهات النظر.

ربما يعجبك أيضا