بعد انتهاء الحرب في إثيوبيا.. هل ستحاسب واشنطن نظام آبي أحمد؟

شروق صبري

بعد انتهاء الحرب في إثيوبيا ستُغير أمريكا سياستها مع هذا البلد.. فهل ستواجه سياسات آبي أحمد أم ستدعمها؟


اتضح بعد 3 أشهر من توقيع اتفاق السلام المبدئي بين حكومة إثيوبيا وقادة منطقة تيجراي، أنه لا يزال في الاتجاه الصحيح.

وبدأت قوات تيجراي في نزع سلاحها بعد عامين من المعارك مع قوات رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، وعادت الخدمات الأساسية مثل البنوك والاتصالات السلكية واللاسلكية، ووصلت الإغاثة الإنسانية إلى المدنيين.. لكن ماذا بعد؟

أسئلة شائكة

تقول السفيرة السابقة للولايات المتحدة في بوتسوانا، ميشيل جافين، في تقرير نشرته مجلة فورين أفيرز الأمريكية، إن الأولوية القصوى لواشنطن حاليًّا هي دعم تنفيذ اتفاق السلام وإنهاء معاناة المدنيين”.

وتشير جافين إلى أنه رغم اتفاق السلام، توجد أسئلة شائكة حول وجود القوات الإريترية في إثيوبيا، ووضع الأراضي المتنازع عليها، والمساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ميزت الصراع المستمر منذ عامين.

1976486 0
علاقة أمريكا وإثيوبيا

أوضحت جافين أن “جميع الأطراف تتحرك نحو سلام دائم، لكن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن يجب أن تقاوم الرغبة في العودة إلى العمل كالمعتاد في علاقتها مع الحكومة الإثيوبية”.

وبينما تعمل الدول الأوروبية على إذابة العلاقات بسرعة مع أديس أبابا، تستمر الصين في تقديم نفسها كصديق ثابت للبلاد، وتشعر واشنطن بأنها مضطرة إلى دعم إثيوبيا، خوفًا من استبعادها.

1976510 0

قضايا السلام

أشارت جافين إلى أنه لم يعد من الواضح أن إثيوبيا والولايات المتحدة تشتركان في فهم قضايا السلام والأمن الصعبة التي تواجه القرن الإفريقي، للمضي قدمًا، وبالتالي سيقل توافق المصالح والأهداف الأمريكية والإثيوبية.

ووفقًا للسفيرة الأمريكية السابقة، تتحسس إثيوبيا من الجهات الخارجية التي تشبه سياساتها بالبلطجة والاستعلاء، وبات الأمر مهمًّا ولا يمكن إنكاره لمسار المنطقة في المستقبل، وهو ما يتطلب اهتمامًا دقيقًا من واشنطن.

تجنب الصراع

أوضحت جافين أن فهم هذه القضايا يجنب الصراع بين الدول التي تعتمد على نهر النيل للحصول على المياه، ويقلل الخوف من مشروع الطاقة الكهرومائية العملاق في إثيوبيا، وسد النهضة الإثيوبي الكبير، الذي يمكن أن يقلل من إمدادات المياه.

ورأت جافين أن الولايات المتحدة ستظل تستثمر في سلامة إثيوبيا وقدرتها على البقاء، لأن لانهيار دولة يبلغ عدد سكانها 110 ملايين نسمة، ستكون له عواقب مزعزعة للاستقرار تتجاوز منطقة القرن الإفريقي.

2021 637713965486532619 653
شخصية آبي أحمد

لفتت جافين إلى أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، منذ وصوله إلى السلطة في 2018 بأجندته الإصلاحية الشاملة، وخطابه المؤيد للغرب، بات يجسد الكثير من الآمال الأمريكية لمجتمع إثيوبي أكثر انفتاحًا وعلاقة ثنائية أقل توترًا.

لكنها رأت أنه يجب أن لا تتمحور العلاقة الثنائية حول شخصية كاريزمية واحدة، يمكن فيها لزعيم قوي في أديس أبابا تعزيز الأهداف الأمنية والدبلوماسية للولايات المتحدة، شريطة أن تتداخل مع الأهداف الإثيوبية.

أساليب قمعية

وفقا لسفيرة واشنطن السابقة، تطلب هذا النوع من العلاقات بين الولايات المتحدة وإثيوبيا، في بعض الأحيان، تعمدًا لاستخدام الأساليب القمعية، من أجل الحفاظ على النظام داخل حدود إثيوبيا. وقد أوضح العامان الماضيان من الصراع مدى استخدام هذا النهج.

وقد حشد آبي أحمد قواته ضد جبهة تحرير شعب تيجراي، وشن حملة عسكرية مروعة استهدفت شعب “تيجرايان”، وأعاد إحياء شبح المجاعة البشرية كسلاح حرب.

وقالت جافين إن آبي أحمد استخدم الاستياء من دعم الولايات المتحدة لحكومة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي في الماضي، لتقويض مصداقية واشنطن وتجاهل المخاوف الأمريكية الحالية.

1 1591839

تغير نهج آبي أحمد

ترى جافين أن آبي أحمد كان يظهر على أنه بطل للمصالح الإفريقية، فقاد مع رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، الدعوة في المنطقة إلى الإغاثة الاقتصادية، في الأيام الأولى لتفشي وباء كورونا، وحققا نتائج حقيقية في مجموعة دول الـ20.

واليوم تغيرت النظرة إلى آبي أحمد كشخصية من المستحيل أن تتماشى مع وحشية حملة تيجراي، وتعتيم حكومته خلال العامين الماضيين على الضحايا المدنيين والقوات الأجنبية والاعتقالات الجماعية، مع رواية “نسمة الهواء” التي عززت شعبيته في البداية.

تراجع دور الجيش الإثيوبي

رغم أهمية مسار إثيوبيا لمستقبل القرن الإفريقي الحيوي استراتيجيًّا، ليس من المتوقع أن تتحق الفكرة القائلة بأن أديس أبابا ستمارس الآن نوعًا من التأثير الإقليمي وحتى القاري الذي تمتعت به في السابق، لأن إثيوبيا ليست قوية كما كانت في الماضي.

وقالت جافين إن الجيش الإثيوبي لم يعد كما كان في عام 2020، حين كانت إثيوبيا أكبر مساهم في العالم بقوات في بعثات حفظ السلام الدولية، فقد قلصت إثيوبيا التزاماتها بالعمليات الأمنية في الخارج لتركيز قواتها على حل أزمة تيجراي.

182741
إثيوبيا تستعين بقوات خارجية

لفتت جافين إلى أنه حتى بعد إبقاء المزيد من القوات داخل البلاد، احتاجت إثيوبيا إلى تدخل كبير من جارتها إريتريا، وإلى قوات تكميلية من الميليشيات الإقليمية، لمواصلة أهدافها العسكرية على أراضيها.

وتشير التقارير إلى أن صراع تيجراي أدى أيضًا إلى لجوء إثيوبيا إلى إيران، للحصول على الدعم العسكري، الذي ينبغي أن يتوقف مؤقتًا.

انهيار الاقتصاد

رأت مجلة “فورين أفيرز” أن الاقتصاد الإثيوبي يعاني، بعدما كانت إثيوبيا واحدة من أسرع الأسواق نموًا في إفريقيا، وفرصة محيرة للمستثمرين المهتمين بخطط لفتح القطاعات التي كانت تسيطر عليها الدولة سابقًا، مثل الاتصالات السلكية واللا سلكية والبنوك.

واليوم تحتاج إثيوبيا إلى إعادة هيكلة 30 مليار دولار من الديون، وكبح جماح التضخم. وصار المستثمرون المتحمسون لسوق إفريقية أقل ثقة بإثيوبيا، بسبب الصراعات والرغبة الواضحة للدولة في قطع الخدمات المصرفية والمرافق والاتصالات، في أجزاء كبيرة من البلاد.

551

مخاوف من إريتريا

حاليًّا، على الولايات المتحدة أن تواصل المساعدة في انتشال الإثيوبيين من الفقر، والسماح للبلاد بتجنب الانهيار الاقتصادي، وإدارة ديون الدولة غير المستدامة، وتنفيذ استثمارات ذكية للمساعدة الإنمائية، وتشجيع التجارة والاستثمار حيثما تظهر الفرص، وتقرير “فورين أفيرز”.

وتحتاج واشنطن إلى تقييم الدرجة التي أصبحت فيها إثيوبيا أداة لأجندة إريتريا في المنطقة، والتي تتعارض بالأساس مع المصالح الأمريكية في منطقة القرن الإفريقي، حيث تقوم إستراتيجية إريتريا على فكرة القوة التي تتطلب ضعف الآخرين.

أمريكا تواجه سياسة إثيوبيا

وفقًا لتقرير “فورين أفيرز”، تظل احتمالية التدخل العسكري الإريتري في إثيوبيا ممكنة، نظرًا إلى علاقة إريتريا مع القادة والميليشيات بمنطقة أمهرة الإثيوبية، الذين قاتلوا مع قوات أسمرة في الصراع، فضلًا عن أن التسلل الإريتري إلى مؤسسة الأمن القومي الإثيوبي، يمنح إريتريا قدرًا مثيرًا للقلق من النفوذ على إثيوبيا.

وإذا أصبحت إريتريا القوة المحركة التي تقود سياسات السلام والأمن الإثيوبية، وتعزيز الجهود لإبقاء المنطقة هشة ومليئة بالمفسدين، ستجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهة السياسة الإثيوبية بدلًا من التعاون معها.

1038261

محاسبة المسؤولين

وفقًا للمجلة الأمريكية، سيكون من المهم للولايات المتحدة أن تدعم محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي ارتكبتها الأطراف كلها في نزاع تيجراي، وهي مسألة صعبة بالنظر إلى عداء الحكومة الإثيوبية للجنة الدولية لخبراء حقوق الإنسان في إثيوبيا، لكنها عنصر أساسي في أي سلام دائم، على الرغم من أن ذلك سيعقد بلا شك العلاقة بين الولايات المتحدة وإثيوبيا.

وقال الباحث في الشؤون الإفريقية، محمد عبدالكريم، إن “أمريكا ضغطت على آبي أحمد لتنفيذ أجندتها السياسية في إفريقيا، وبالفعل حققت اتفاق السلام مع جبهة تيجراي”.

ولفت عبدالكريم، في تصريحات إلى شبكة رؤية الإخبارية، إلى أن فكرة محاسبة المسؤولين في نظام آبي أحمد غير منطقية، لأن كل ما كانت تريده أمريكا هو احتواء نظامه، بحيث يسير على الخط الأمريكي ولا يعارض سياستها”.

thumbs b c 72a428c6ba7ee30afe138430b39eaf0e
ملف الديمقراطة

قال عبدالكريم إن آبي أحمد اضطر إلى الرضوخ لرغبة أمريكا، نظرًا إلى الظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها بلاده، وإنه لحفظ ماء وجهه، كي يظل رئيسًا للوزراء، يرضخ للأجندة الديمقراطية التي ترسمها أمريكا.

وأوضح الباحث في الشؤون الإفريقية أن أمريكا تتبع نفس السياسة مع كل دول إفريقيا، وهي الضغط بملفات حقوق الإنسان والديمقراطية، لكنها لا تعاقب المسؤولين في حكومة آبي أحمد، حتى لا تظهر كأنها تعرقل نجاح إثيوبيا.

ربما يعجبك أيضا