وزير الخزانة الأمريكي السابق: السياسة التصادمية مع الصين تضر بواشنطن

بسام عباس

دون علاقة مستقرة بين الولايات المتحدة والصين، وتحقيق تعاون مثمر بشأن المصالح المشتركة، سيكون العالم مكانًا خطيرًا وأقل ازدهارًا.


تحاول الولايات المتحدة تشكيل تحالف من الدول الديمقراطية في آسيا وأوروبا، لموجهة الصين والضغط عليها، لكن هذه الاستراتيجية غير فاعلة.

ويرى وزير الخزانة الأمريكي السابق، هنري بولسون، في مقالٍ نشرته مجلة فورين أفيرز الأمريكية، أن هذه السياسة تضر بالولايات المتحدة وليس فقط الصين، وقارن فيه بين ما وصفه بتعاون البلدين لاستعادة الاستقرار الاقتصادي، وبين السياسة التصادمية الحالية.

ضرر أكثر من نفع

قال بولسون إن الاستراتيجية التصادمية لا تؤتي ثمارها، ومن المرجح أن تؤذي الأمريكيين أكثر من الصينيين، لافتًا إلى أن حلفاء واشنطن بدلًا من الانفصال عن الصين، يعمقون التجارة معها، وفي المقابل تضع الصين استراتيجية “الكثير من الجميع، باستثناء أمريكا” لمواجهة السياسة الأمريكية.

وذكر أن علاقات الصين والولايات المتحدة متباينة، ففي 2008 كان التعاون القائم على المصلحة الذاتية ممكنًا، حتى في خضم الخلافات السياسية والأيديولوجية، وتضارب المصالح الأمنية، ووجهات النظر المتباينة بشأن الاقتصاد العالمي، بما في ذلك تقييم العملة الصينية والإعانات الصناعية.

علاقة تنافسية تصادمية

أوضح المسؤول الأمريكي السابق أن الوضع تغير في العام 2023، وأصبح الطرفان ينظران للعلاقات من منظور الأمن القومي، حتى الأمور التي كانت تعدّ ذات يوم إيجابية، فالصين ترى ضوابط التصدير الأمريكية تهديدًا لنموها في المستقبل، في حين تنظر واشنطن إلى جهود تطوير القدرة التكنولوجية للصين، على أنه منافسة استراتيجية وبناء عسكري عدواني.

وأضاف أن واشنطن وبكين تنزلقان بشدة إلى علاقة تنافسية تصادمية، من جميع النواحي تقريبًا، ونتيجة لذلك، تواجه الولايات المتحدة احتمال وضع شركاتها في وضع غير مؤاتٍ مقارنة بحلفائها، ما يحدّ من قدرتها على تسويق الابتكارات، ويمكن أن تفقد حصتها في السوق في دول أخرى.

تحالف الراغبين

ذكر وزير الخزانة السابق أن الولايات المتحدة تحاول تنظيم تحالف من الدول الصديقة، خاصة الديمقراطيات في آسيا وأوروبا، لمواجهة الصين والضغط عليها، ألا أن هذه الاستراتيجية لا تعمل، وهي تضر بالولايات المتحدة وكذلك الصين، وعلى المدى الطويل، من المرجح أن تؤذي الأمريكيين أكثر.

وأوضح أن مصلحة واشنطن في التعاون مع الصين في مجالات معينة، والحفاظ على علاقة اقتصادية مفيدة مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لافتًا إلى أن العديد من الدول تشترك مع واشنطن في كراهية سياسات الصين وممارساتها، إلا أنها لا تحاكي دليل واشنطن لمعالجة هذه المخاوف.

تعميق التجارة

أفاد بولسون بأن شركاء أمريكا الرئيسين يشددون على ضوابط التصدير على التقنيات الحساسة، ويوقفون الاستثمارات الصينية في كثير من الأحيان، وينتقدون سياسات بكين الاقتصادية القسرية والضغط العسكري، لكن حتى أقرب الشركاء الاستراتيجيين لواشنطن غير مستعدين لمواجهة أو احتواء أو تفكيك الصين اقتصاديًّا على نطاق واسع، مثل الولايات المتحدة.

وأضاف أن العديد من الدول تفعل عكس ما تسعى إليه الأصوات المتشددة في واشنطن، فبدلاً من الانفصال أو التفكك الاقتصادي، تعمل هذه الدول على تعميق التجارة مع الصين، حتى في الوقت الذي تتحوط فيه ضد الضغوط الصينية المحتملة من خلال تنويع العمليات التجارية، وبناء سلاسل إمداد جديدة في دول ثالثة.

المنافسة تبدأ في الداخل

أفاد بولسون بأن أمريكا تنتهج سياسة تجارية “تتمحور حول العمال”، التي تشبه إلى حد كبير الحمائية، وأنها تخاطر بالضغط ضد الجاذبية الاقتصادية، ففي حين نجحت بالتحكم في أكثر التقنيات حساسية، بما في ذلك أشباه الموصلات المتقدمة، إلا أنها ستخفق في استراتيجية تعتمد على تعزيز تفكك التكنولوجيا مع الصين.

وفي النهاية، تبدأ المنافسة مع الصين في الداخل، فالأنظمة السياسية في البلدين مختلفة تمامًا، ومع أن الولايات المتحدة متفوقة، يجب إثبات ذلك بالنتائج، وهذا يعني التمسك بالمبادئ التي جعلت الاقتصاد الأمريكي موضع حسد العالم، ودعم الأمن القومي للولايات المتحدة. وكذلك إظهار الريادة الاقتصادية في الخارج.

منافس هائل

أوضح الكاتب أن هذه الجهود لإقصاء الصين ستؤذي بكين بالتأكيد، لكنها تضر الولايات المتحدة أيضًا، فالشركات الأمريكية في وضع تنافسي غير مؤاتٍ للغاية، والمستهلكون الأمريكيون يدفعون الثمن، لافتًا إلى أنها كما أضرت بالصين، أضرت بخلق الوظائف في الولايات المتحدة أيضًا.

وأضاف أن التوترات الأمنية تتدخل في العلاقة، فالصين أصبحت منافسًا هائلًا، وتنتهج سياسات معادية للمصالح الأمريكية، ومن غير المرجح تعديلها في أي وقت قريب، وعلى واشنطن أن تكون حازمة ولكن عادلة، ومنفتحة على الحوار، وأن تكون مستعدة لحملٍ ثقيل وطويل في السعي لتنسيق المصالح مع الصين.

الوصول إلى حل

أوضح الكاتب أن الحلفاء والشركاء، الذين تأمل واشنطن في جذبهم للضغط على الصين، يتوقعون بذل جهد حسن النية للسعي للتعاون معها، حيثما أمكن ذلك، وهذا أحد الأسباب، التي دفعت الرئيس جو بايدن، في اجتماعه مع نظيره الصيني، جون بينج شي، في إندونيسيا نوفمبر 2022 ، إلى إقامة حواجز بشأن علاقة متدهورة.

ولتعزيز التنسيق، على صانعي القرار في الأمريكيين والصينيين الاجتماع بنحو متكرر والتحدث بصراحة أكبر، فالصداقة ليست شرطًا مسبقًا لمثل هذا التنسيق. والتوترات السياسية والأمنية والأيديولوجية الواضحة لا تمنع التعاون القائم على المصلحة الذاتية، في القضايا ذات الاهتمام المشترك.

تعزيز الردع

قال بولسون إن الولايات المتحدة تحتاج التمييز بعناية بين ما يجب أن تمتلكه من حلفائها، وما هو ممنوع، فالتحكم في التقنيات المتعلقة بالأسلحة والتقنيات أمر لا بد منه، لكن واشنطن لا تحتاج إلى تشجيع التفكك في المناطق غير المركزية للأمن القومي، أو القدرة التنافسية للديمقراطيات التي تعاني من تراجع تكنولوجي.

وأضاف أنه لا يمكن التخلص من التوترات الأمنية، خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، فالمخاوف تتزايد من أن بكين ستلقي بثقلها لضم تايوان، ومن ثم، فإن تعزيز الردع جزء كبير من الإجابة، وكذلك تحسين العلاقات مع الحلفاء. لكن حلفاء الولايات المتحدة وشركائها لم يخفوا رغبتهم في عدم عزل أو احتواء بكين.

الكثير من الشجاعة

ذكر الكاتب أن على واشنطن أن تتفاوض بقوة مع بكين، وهذه إحدى الرسائل التي يجب على واشنطن أن تأخذها بعيدًا عن رفض العالم فك الارتباط مع الصين، ومن جهود بكين لدق إسفين بين واشنطن وبين حلفائها وشركائها.

واختتم بولسون مقاله بالقول إن الرياح السياسية قوية والرغبة الشديدة في معاقبة الصين، ولو على حساب الولايات المتحدة، تجر الكثيرين من أعضاء الكونجرس إلى أتونها، مشيرًا إلى أن بايدن سيحتاج الكثير من الشجاعة ليكون ذكيًّا وجريئًا في مواجهة هذه التحديات.

ربما يعجبك أيضا