على خطى الحرس الثوري.. هل تسيطر فاجنر على السلطة في روسيا؟

آية سيد
ناشيونال إنترست: «فاجنر» تسير على خطى الحرس الثوري الإيراني

تخدم مجموعة فاجنر كأداة لتنفيذ السياسة الخارجية لموسكو، مثلما يفعل الحرس الثوري لطهران.


أظهرت الحرب الروسية الأوكرانية كيف يمكن للقوات شبه العسكرية، مثل مجموعة فاجنر، أن تصبح أدوات لتنفيذ السياسات الخارجية للدول.

وفي هذا السياق، استعرض مقال بمجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، السبت 12 مارس 2023، أوجه الشبه بين مجموعة فاجنر الروسية والحرس الثوري الإيراني، وكيف أن نموذج الجماعات المكتفية ذاتيًّا يتحول إلى قاعدة في الحرب والعلاقات الدولية.

توسيع النفوذ

في المقال، قالت الأستاذة المساعدة في العلاقات الدولية بجامعة بيبرداين الأمريكية، ألمى كشاورز، وأستاذة السياسة والعلاقات الدولية بالجامعة ذاتها، كيرون سكينر، إن الحرس الثوري الإيراني ومجموعة فاجنر الروسية أدوات لتنفيذ السياسة الخارجية لدولتيهما.

وهذه الدول تتطلع إلى توسيع نفوذها في بؤر التوتر العالمية حيث يتضاءل الوجود الأمريكي. وعند تأسيس موطئ قدم في هذه البؤر، يجري إنشاء شركات واجهة وشركات وهمية لتمكين الأنشطة غير المشروعة والتحايل على العقوبات.

نموذج منهجي

حسب الباحثتين، قاد الحرس الثوري الإيراني هذا المنحنى عبر علاقاته بالجماعات المسلحة الشيعية في العراق والشام. إلا أن الحرس الثوري الإيراني أكبر من مجرد قوة مقاتلة، لأنه جيش مكتفي ذاتيًّا من الناحية المالية، برغم العقوبات المفروضة على الشركات التجارية التابعة له.

وإضافة إلى هذا، أنشأ الحرس الثوري نموذجًا منهجيًّا لترسيخ الوجود في الدول والمناطق المضطربة، ثم أنشأ شركات واجهة وشركات وهمية للتمويل والتحايل على العقوبات.

مسار مشابه

تسلك مجموعة فاجنر الروسية مسارًا مشابهًا، وفق الباحثتين. فالمجموعة تخدم كأداة لتنفيذ السياسة الخارجية لموسكو، مثلما يفعل الحرس الثوري لطهران. ومثلما انتشرت عمليات الحرس الثوري الإيراني من إيران إلى سوريا وغيرها من الأماكن، امتدت عمليات فاجنر من أوكرانيا إلى معظم أنحاء إفريقيا.

وأشارت الباحثتان إلى أن استخدام الجماعات المقاتلة المكتفية ذاتيًا يروق لبعض الدول، لأنه يسمح لها بإلحاق خسائر أكبر بأعدائها وتغيير النظام العالمي. وهذا النموذج يتحول تدريجيًّا إلى قاعدة في الحرب والعلاقات الدولية.

اختلافات رئيسة

وفق الباحثتين، توجد اختلافات رئيسة بين الجماعتين، أبرزها أن النظام الإيراني أنشأ الحرس الثوري واعترف به كمؤسسة عسكرية. أما فاجنر فهي شركة عسكرية خاصة يمتلكها الأوليجارش الروسي، يفجيني بريجوزين.

وفي حين تعمل مجموعة المرتزقة جنبًا إلى جنب مع قوات الدفاع الروسية، تتنافس معها على الموارد والتمويل. ورغم أن بريجوزين هو مالك المجموعة، يُعتقد أن وزارة الدفاع الروسية ومديرية الاستخبارات التابعة لها هم من يديرون فاجنر.

اقرأ أيضًا: لماذا خرج مؤسس «فاجنر» إلى العلن بعد التراجع الروسي في أوكرانيا؟

نموذج الحرس الثوري

أذنت الثورة الإسلامية عام 1979 بعهد جديد من التغيير الإقليمي والاضطراب الداخلي الذي استدعى وجود قوة يمكنها تهدئة الطموحات المناهضة للنظام. وحسب الباحثتين، أسفرت هذه الحالة عن ظهور الحرس الثوري الإيراني، الذي تحول تدريجيًّا إلى لاعب أساسي في الاقتصاد، والسياسة، والشؤون الخارجية لإيران.

لكن ما حوّله إلى الاكتفاء الذاتي والهمينة السياسية كان سلسلة من الأزمات، التي بدأت بحرب الخليج الأولى مع العراق، ودفعت طهران إلى إعادة تقييم أولوياتها وتحديد عقيدتها الدفاعية. وأدت كذلك إلى إنشاء شركة “خاتم الأنبياء” للإنشاءات، لإعادة إعمار الدولة بعد الحرب، التي أصبحت الشركة الرائدة في إيران.

وتوسع الحرس الثوري بالخارج واستغل فراغات السلطة، مثلما فعل بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003، الذي أتاح فرصًا لتغلغل النفوذ الإيراني. ولفتت الباحثتان إلى أن هذا النفوذ توسع بشدة في الفترة من 2013 حتى 2017، عندما ركزت الولايات المتحدة على محاربة تنظيم داعش.

أنشطة المجموعة الروسية

تتشابه أنشطة مجموعة فاجنر مع أنشطة الحرس الثوري الإيراني، وفق الباحثتين. وينتهز بريجوزين فرصة الحرب الروسية الأوكرانية لإبراز مجموعته بقدر أكبر. ومثل “خاتم الأنبياء”، الذراع المالية للحرس الثوري، وقّعت شركة “كونكورد” المملوكة لبريجوزين عقودًا مربحة في روسيا والخارج بفضل علاقته بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

وحسب كشاورز وسكينر، يُعتقد أن فاجنر كانت متورطة بشدة في الضم الروسي للقرم في 2014. وجرى نشر مقاتليها إلى سوريا في 2014 و2015 لمساعدة النظام السوري. واستطاعت المجموعة إخضاع المزيد من المناطق لسيطرتها وأصبحت أكثر نفوذًا من إيران في سوريا.

فاجنر في إفريقيا

في الوقت الحالي، وسعت المجموعة عملياتها إلى القارة الإفريقية، خاصة إفريقيا جنوب الصحراء. ويتواجد مقاتلو فاجنر بكثافة في مالي، بزعم تنفيذ عمليات مكافحة تمرد بطلب من الحكومة المالية. ووفق الباحثتين، تستغل مجموعة المرتزقة الروسية الموارد الطبيعية الثرية في مالي لتمويل أنشطتها بطريقة غير مشروعة.

وأشارت الباحثتان إلى أن جمهورية إفريقيا الوسطى أصبحت آخر دولة إفريقية تختبر نفوذ فاجنر، وكانت “وكالة أبحاث الإنترنت”، المملوكة لبريجوزين، تنشر المعلومات المضللة الموالية لروسيا. وكذلك تجند فاجنر السجناء للقتال في أوكرانيا. ووسعت المجموعة نفوذها أيضًا في بوركينا فاسو، والكاميرون، وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

اقرأ أيضًا: نفوذ متزايد رغم الخسائر.. لماذا تنشط «فاجنر» في إفريقيا الوسطى؟

دور العقوبات

استطاع النظام الإيراني التحايل على العقوبات الأمريكية والدولية لأكثر من 4 عقود، عبر إنشاء شركات واجهة وشركات وهمية. ولفتت الباحثتان إلى أن موسكو تتعلم الشيء نفسه من طهران. ودون شك، يستخدم بريجوزين شركات واجهة لتمويل عملياته العسكرية.

ولمواجهة هذه التحديات، قالت الباحثتان إنه يتعين على واشنطن توجيه الموارد إلى الأفراد والكيانات المرتبطة ببريجوزين ومجموعته، لضمان حملة مستدامة من التطبيق الصارم للعقوبات. ولفتت الباحثتان إلى أن تصنيف وزارة الخزانة الأمريكية لفاجنر كـ”منظمة إجرامية عابرة للحدود” يُعد خطوة مهمة لفضح الأعمال الوحشية التي ترتكبها المجموعة.

اقرأ أيضًا: حرب في الخفاء.. «سي آي إيه» تعلن مشاركتها في قتال «فاجنر» الروسية

مستقبل فاجنر

تندمج قوات فاجنر تدريجيًّا في عقيدة الدفاع الروسية، التي جرى تحديثها مؤخرًا لتعكس التغييرات في العقيدتين التكتيكية والتشغيلية، وفق الباحثتين. لكن تكوين قوات فاجنر مختلف عن القوات الروسية. لأن معظم مجندي المجموعة من السجناء.

واستبعدت الباحثتان أن تشكل فاجنر حكومة ظل، على غرار ما فعل الحرس الثوري الإيراني، لكن يمكنها أن تصبح مكتفية ذاتيًّا لدرجة أن تقدم لموسكو جيوشًا موازية لتحقيق طموحاتها الجيواستراتيجية. وعلى الرغم من الخلاف بين بريجوزين ووزير الدفاع الروسي، سيرجي شويجو، تحظى المجموعة بدعم بوتين حتى الآن.

وختامًا، شددت الباحثتان على ضرورة التركيز على المجموعة الروسية وأنشطتها قبل أن تزداد قوة ويصبح من الصعب تحجيمها.

ربما يعجبك أيضا